معنى الانتظار للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
لقد تضافرت الروايات حول أهميّة انتظار الإمام المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف, فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو يأتمّ به في غيبته قبل قيامه، ويتولّى أولياءه، ويعادي أعداءه، ذلك من رفقائي وذوي مودتي، وأكرم أمّتي عليّ يوم القيامة"1.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي انتظار الفرج"2.
والانتظار عملٌ، بدليل قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "أفضل أعمال أمّتي"3 وهو لا يعني السَّلبية والامتناع عن أيّ عملٍ، بل الانتظار لكلِّ أمرٍ يستتبع استعداداً متناسباً مع ذلك الأمر المنتظر. فانتظار سفرٍ قصيرٍ يستتبعُ استعداداً معيّناً، يختلفُ عن الاستعداد الذي يستلزمه انتظارُ سفرٍ طويل. ومن الواضح أنّ المنتظِر للإمام عجّل الله تعالى فرجه الشريف ينتظر قائداً إلهياً سيقود مسيرة تحفُّ بها الملائكة، وجمهورها الأساس أهل التَّقوى والعبادة، وسيخوض المعارك الحامية الوطيس والمتتالية.
وعن الإمام الصادق عليه السلام: "ما تستعجلون بخروج القائم فوالله ما لباسه إلا الغليظ، وما طعامه إلا الشعير الجشب، وما هو إلا السيف، والموت تحت ظلّ السيف"4.
فإذا كان المنتظِر له عجل الله تعالى فرجه الشريف لم يهتمّ بتهذيب نفسه وتزكيتها، فهل باستطاعته الانسجام مع مسيرة المنتظرين والممهِّدين؟ بل هل يمكنه تحقيق هذا الانسجام والتناسب، إذا لم يكن يحمل روح الجهاد متشوّقاً إلى الشّهادة في سبيل الله بما يستلزمه ذلك من إعدادٍ عسكري يمكّنه أن يجاهد بين يدي الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؟
فالاعتقادُ بوجود الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، وبيعتُه، وتجديد البيعة، أو الالتزام بقيادته عبر بيعة نائبه وطاعته، وانتظارُه، والمواظبة على آداب الغيبة، كلّ ذلك لا ينفع صاحبه شيئاً إذا لم يكن يسير كلّ ذلك تحت شعار "التقوى".
وممّا يرشدنا إلى الترابط بين الانتظار والتقوى ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "من سرّه أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر، وليعمل بالورع، ومحاسن الأخلاق وهو منتظرٌ، فإنْ ماتَ وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدّوا وانتظروا"5.
وبديهي أنّ التقوى واجبة في كلّ حال، إلا أنّ المقصود هو الإشارة إلى هذه العلاقة بينها وبين الانتظار، وفائدة ذلك أنْ يدرك من يغلب عليه الطابع الحركي العملي، ويحسب أنَّه من جنود المهدي دون شكّ! إلا أنّ هذا البعد وحده لا يكفي.
ولا شكّ أنّ الوقوف مع الإمام المنتظر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، أثناء غيبته إنَّما يتحقَّق بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله مع نائبه الفقيه الجامع للشرائط، انطلاقاً من الاهتمام بأمور المسلمين، ومواجهة الطواغيت الذين يريدون ليطفئوا نور الله تعالى.
وبالتالي يكون الارتباط بالإمام الحجّة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف ليس مجرّد ارتباط بفكرة عقيدية غيبية، بل بإنسان كامل حيٍّ جسداً وروحاً، ولولا وجود الإمام لساخت الأرض بأهلها، فهو أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، كما ورد في الأحاديث المأثورة عنهم عليهم السلام.
حقيقة الدُّعاء بتعجيل الفرج
لقد ورد في الدُّعاء المأثور حول الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: "اللهمّ عرّفني نفسك، فإنّك إنْ لم تعرّفني نفسَك لمْ أعرف نبيّك، اللهمّ عرّفني رسولك، فإنّك إنْ لم تعرّفني رسولك لم أعرفْ حجّتك، اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضلَلتُ عن ديني"6.
فمن أهمّ آداب عصر الغيبة والذي حثّ عليها أهل البيت عليهم السلام الدُّعاء للإمام المهدي عجّل الله فرجه الشريف، وقد وردت أدعية كثيرة للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف مثل دعاء النّدبة المستحب في الأعياد بما في ذلك كلّ يوم جمعة، ودعاء العهد، وفي دعاء الافتتاح المستحب في كلّ ليلة من شهر رمضان المبارك وردَ مقطعٌ خاصٌّ بالدّعاء للإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف. وجاء في عدّة روايات الحثّ من الإمام للشِّيعة على الدُّعاء لصاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فقد ورد عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف نفسه في أهمّية الدُّعاء بتعجيل فرجه: "وأمّا وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالانتفاع بالشمس إذا غيَّبها عن الأبصار السَّحاب، وإنّي لأمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، فأغلقوا أبوابَ السُّؤال عمَّا لا يعنيكم ولا تتكلَّفوا علم ما قد كُفيتم وأكثروا الدُّعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ ذلك فرجُكم"7.
فوائد الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
إنَّ فوائد الدُّعاء للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف كثيرةٌ وجليلةٌ، ومنها:
1- تأكيد المعرفة بالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف:
لأنّ الدُّعاء للإمام يستبطن مقدمات عديدةً، أهمّها "معرفة الإمام"، لأنّ الدَّاعي لا بدّ وأن يكون على معرفة بشخص المدعو له، وصفاته وعلاماته، وأهمّية كونه الصلة بين الله تعالى وعباده ومظهراً تاماً لدين الله تعالى، ومن هنا نفهم شيئاً مهمّاً من الدُّعاء: "اللهمّ عرّفني حجّتك، فإنّك إنْ لم تعرّفني حجّتك ضللت عن ديني"8.
2- إظهار المحبة الباطنية:
فالحبّ وإن كان أمراً خفيّاً قلبياً، ولكن له آثار ظاهرة، وفروع متكاثرة، فهو "كشجرة أغصان، ولكلّ غصن من الورد أفنان، فبعض آثاره يظهر في اللسان، وبعضٌ في سائر جوارح الإنسان، فكما لا يمكن منع الشجر عن إبراز أزهاره، لا يمكن منع ذي الحبّ عن ظهور آثاره"9. ومن آثار الحبّ في اللسان ذكر المحبوب في كلّ مكان وزمان، والاهتمام في الدُّعاء بتعجيل فرج الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف إظهاراً للحبّ له باللسان المنبئ عن المحبّة الكامنة بالقلب.
3- استجابة الدُّعاء تنجي من الفتن:
والدليل على ذلك ما ورد عن أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، إذ قال: "دخلت على أبي محمد الحسن بن علي عليه السلام، وأنا أريد أن أسأله عن الخلف من بعده، فقال عليه السلام لي مبتدئاً: يا أحمد بن إسحاق، إنّ الله تبارك وتعالى لم يخلِ الأرض منذ خلق آدم عليه السلام ولا يخليها إلى أن تقوم الساعة من حجّة لله على خلقه، به يدفع البلاء عن أهل الأرض، وبه ينزل الغيث، وبه يخرج بركات الأرض. قال: فقلت له: يا بن رسول الله عليه السلام فمن الإمام والخليفة بعدك؟ فنهض عليه السلام مسرعاً فدخل البيت، ثمّ خرج وعلى عاتقه غلام كأنّ وجهه القمر ليلة البدر من أبناء ثلاث سنين، فقال: يا أحمد بن إسحاق، لولا كرامتك على الله عزّ وجلّ وعلى حججه، ما عرضت عليك ابني هذا، إنَّه سميّ رسول الله وكنيّه الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت جوراً وظلماً. يا أحمد بن إسحاق، مثله في هذه الأمّة مثل الخضر، ومثله مثل ذي القرنين، والله ليغيبنّ غيبة لا ينجو من الهلكة فيها إلا من ثبّته الله عزّ وجلّ على القول بإمامته ووفّقه فيها للدعاء بتعجيل فرجه"10.
4- استحقاق دعاء الإمام له بالنصرة:
فالإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف يدعو للداعي له بالفرج والنصر، ويدلّ على ذلك قوله عجل الله تعالى فرجه الشريف: "واجعل من يتبعني لنصرة دينك مؤيّدين، وفي سبيلك مجاهدين وعلى من أرادني وأرادهم بسوءٍ منصورين"11.
فمن يدعو للإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف فإنّه ينال من الإمام الدُّعاء بالتّأييد والنّصرة والمنعة والكرامة، وغير ذلك من أنواع التّوفيقات.
5- تعجيل الفرج:
إنّ الاهتمام والمداومة في طلب فرج مولانا صاحب الزمان عليه السلام من الله تعالى بشروطه الموجبة لقبول الطّلب والدّعاء، يصير سبباً لقرب وقوعه. ففي توقيع الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى إسحاق بن يعقوب: "وأكثروا الدّعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ في ذلك فرجكم"12.
6- الأمن من العقوبات الأخروية:
ومن الفوائد أيضاً الأمن من العقوبات الأخروية، وأهوال يوم القيامة ويشهد لذلك آيات عديدة، منها: قوله عز وجل: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون﴾13 بناءً على أن يكون المراد باليوم الآخر هو زمان دولة القائم عليه السلام.
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام في قوله تعالى: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ﴾14 أنَّه قال: "معرفة أمير المؤمنين والأئمّة عليهم السلام، ﴿نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ قال: نزيده منها... ﴿وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ﴾ قال عليه السلام: ليس له في دولة الحقّ مع القائم عليه السلام نصيب"15.
7- نيل الحظوة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
فالدّعاء بتعجيل الفرج للإمام، والطَّلب من الله تعالى أن يكون من أنصاره والشاهدين على دولته والقيام بين يديه، ما يفرح قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد بشّر صلى الله عليه وآله وسلم القوم الذين يدركون القائم بمبّشرات عدة، كالمروي عن الإمام الصادق عليه السلام: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "طوبى لمن أدرك قائم أهل بيتي، وهو مقتدٍ به قبل قيامه يتولّى وليّه، ويتبرّأ من عدوّه ويتولَّى الأئمّة الهادية من قبله، أولئك رفقائي، وذوو ودِّي ومودَّتي، وأكرمُ أمّتي عليّ"16.
1- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص286.
2-م.ن، ص644.
3-الشيخ الصدوق، أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه: عيون أخبار الرضا، ج2، ص39، الشيخ حسين الأعلمي(تحقيق)، بيروت، مؤسسة الأعلمي، 1984م، ط1.
4-الشيخ الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن: الغيبة، ص460، الشيخ عباد الله الطهراني والشيخ علي أحمد ناصح(تحقيق)، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1411هـ، ط1.
5-النعماني، أبو عبد الله محمد بن ابراهيم بن جععفر: الغيبة، ص207، فارس حسون كريم(تحقيق)، قم، مهر، 1422 هـ، ط1.
6-الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص337.
7-الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص485.
8-الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص485.
9-الأصفهاني، مكيال المكارم، ج1، ص293.
10-الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص384.
11-السيد ابن طاووس، أبو القاسم رضي الدين علي بن موسى بن محمد: مهج الدعوات ومنهج العبادات، ص302، قم، كتابخانه سنائي، ط1.
12-الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص 485.
13-سورة البقرة، الآية 62.
14-سورة الشورى، الآية 20.
15-الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص436.
16-الشيخ الطوسي، الغيبة، ص456.
من شبكة المعارف الاسلامية
تعليق