قراءة ف
عملية فهم النص التاريخي تأتي أثر فاعلية التلقي (تعامل، تفسير، تأويل، وإعادة انتاج...) وعلينا أن ندرك ماتعرضت له هذه النصوص من تأويلات سياسية عبر مراحل التأجيل التي مرت بها، والتي حاولت سلب استحقاقاتها سعياً لإخراسها ومنعها من بوح الحقيقة، لكنها سعت هي الاخرى الى تمرير تجلياتها الى الناس، بما يتناسب ومعطيات كل مرحلة زمنية (اجتماعية، اقتصادية، سياسية، معرفية...) فيصبح من مهام الباحث الساعي لقراءة تلك النصوص قراءة معاصرة الى الارتكاز على أدوات معرفية وتقنية، تستطيع أن ترى جميع موازنات الموضوع وخاصة عندما تكون تلك المواضيع مكبلة بالعديد من التأويلات القسرية ذات الصبغة السياسية مثل موضوع الامامة، فتكتب بما يتجلى في فضاءات تحترم قداسة التاريخ، مثلما تحترم المتلقي القارئ الحاضر او المستقبلي الذي سيأتي بعد أزمنة وأجيال لإعتمادها كقراءة تداولية علة ما تكشفه الازمنة من مجمل القواعد المستحكمة لتداول تلك النصوص.
ولذلك نجد أن قراءة سماحة السيد (علي الميلاني) في بحثه الموسوم (الامام الحسين إمامته وقضيته) وهو أحد بحوث مهرجان ربيع الشهادة العالمي الخامس هي قراءة واقعية قرأ لنا من خلالها مصطلح الامامة والتي تعني بكل أبعادها النيابة عن النبوة، وفي جميع شؤونها الدينية والدنيوية، وقد اتفق المسلمون على ضرورة وجود إمام بعد رسول الله ص يقوم مقامه في قيادة الامة وتعليمها وتزكيتها وهدايتها.
ونعتقد أن هذه القراءة تسعى لتوضيح المعنى الجوهري، ولتوضح سبل التجاوز التأويلي والقسري المسرف لدلالاتها أي وضعت لتوازن آلية التداول لترويج السبيل الصالح، ولهذا كان اهتمام العلماء الافاضل بهذا الموضوع لكون معرفة الامام الحق بعد رسول الله ص توجب علينا طاعته، ليكون هو المنقذ والمرجع الديني والشرعي، فصار لابد لنا من معرفة كيفية معرفة الامام، وهل تنظر لها كما نظروا لها بضوء الوضعية المشخصة للمجتمع، وهي وضعية متحركة وتقودها مستجدات تحدث عند كل جيل أم تنظر الى النص بإعتباره هو المكمن الحقيقي لمفهوم الامامة، ومجالا واسعاً للسجال الرؤيوي حول هذا المفهوم يقول النص القرآني: (وجعلنا منهم أئمة) الدخول الى عوالم هذا النص المقدس عبر قراءة الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام بأن المعنى مخصص لولد فاطمة عليهم السلام، فنصل الى نتيجة مهمة لمعنى مضموني واضح دون الاحتياج الى استشهادات لغوية أو ضخ تأويلات أسرية لتلميحات دلالية، وأنما قراءة النص قراءة صحيحة توصلنا الى أن إمامة أئمتنا مجعولة من قبل الله سبحانه وتعالى؛ فاللغة هنا أداة توصيل حملت فكرة دقيقة وواضحة ومفردة (جعلنا) تكشف لنا هوية الجاعل وماهية الجعل، وهو الذي نصبهم الى هداية الامة وقيادتها بعد رسول الله ص والنص القرآني نص غني بطبيعته حمال أوجه، تحطمت على قصديته ماسعى اليه الكثير من المتحدثين والفلاسفة من أجل صياغة معادلة التكافؤ بين الدال والمدلول؛ أي أن تلك الدلالات تتجلى عند اظهار المعنى ويجتهد المعنى الاستنتاجي لتكوين الامامة كمنصب إلهي كالنبوة، وكما لا تدخل الامة في تعيين النبي كذلك لا دخل للامة في تعيين الامام والنص القرآني واضح في هذا المعنى دلالة وتأويلا، والغموض التفسيري الذي يرتأيه البعض ماهو إلا ترسبات التأويلات السياسية...
قال الله تعالى لداوود عليه السلام: (إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس) فالقراءة الصحيحة لهذا النص القرآني كما جاء في البحث يضعنا أمام الصورة المعبرة عن مفردة (فاحكم) لنجد أن النص يتكلم عبر اللغة موضحاً أن معنى الحكم بين الناس أي السلطة التشريعية مكونة على الامامة والخلافة والولاية، وجعل الحكومة كمفردة مرادفة للإمامة، ومثل هذه القراءة لاشك أنها ترتقي الى مستوى أكثر سموا في احتواء الجوهر المضموني، ويذهب سماحة السيد الميلاني الى تعميق المعنى المباشر عبر استدلال استشهادي نراه يحمل سمات المعادل الموضوعي حين أراد بعض رؤساء القبائل مقايضة بيعة النبي (ص) فقالوا: نبايعك على أن يكون الامر لنا من بعدك، فأجابهم: إن الامر بيد الله وليس بيدي لنتأمل الامكانات الكامنة خلف هذه المعادل، والمتكون من الاستشهاد الرسالي، فنجد اولا أن رد النبي ص تجاوز متطلبات الظرف الزماني والمكاني، والذي يتوضح لنا أن ثمة احتياج عال الى معين أو ناصر ينصر النبي في تلك الظروف.
ومن المؤكد أن مثل هذا الرد سينهي الكثير من الامال، ويجعل موقفها عدائياً ثم ننتقل الى مستوى توضيحي آخر مختلف لنتأمل قول الرسول (ص): (ليس الامر بيدي) حيث نصل الى قصدية المطلوب أن الامر بيد الله يضعه حيث يشاء، وهذا الامر يكشف قواعد الخلافة بعد حياة النبي (ص) وبعد هذا نذهب باتجاه منحى آخر لنجد أن هذا التشخيص قد جاء حرفياً في سيرة ابن هشام وسيرة أبن كثير، واتفقا مع غيرهم من علماء السنة بأن أمر الامامة والخلافة والولاية العامة بعد رسول الله بيد الله سبحانه وتعالى لا بيد أحد ولا حتى بيد النبي نفسه ونلاحظ أن استشهادات الباحثين الشيعة بتلك السير تأتي وكأنها مسوغات مرور او محصنات فنية ضد أي قراءة ساذجة كسولة قد تهاجمهم مستقبلاً.
أعجبني
تعليق
اكتب تعليقًا...
نشط تمت مشاركة ذكرى بواسطة علي حسين الخباز.
2
عملية فهم النص التاريخي تأتي أثر فاعلية التلقي (تعامل، تفسير، تأويل، وإعادة انتاج...) وعلينا أن ندرك ماتعرضت له هذه النصوص من تأويلات سياسية عبر مراحل التأجيل التي مرت بها، والتي حاولت سلب استحقاقاتها سعياً لإخراسها ومنعها من بوح الحقيقة، لكنها سعت هي الاخرى الى تمرير تجلياتها الى الناس، بما يتناسب ومعطيات كل مرحلة زمنية (اجتماعية، اقتصادية، سياسية، معرفية...) فيصبح من مهام الباحث الساعي لقراءة تلك النصوص قراءة معاصرة الى الارتكاز على أدوات معرفية وتقنية، تستطيع أن ترى جميع موازنات الموضوع وخاصة عندما تكون تلك المواضيع مكبلة بالعديد من التأويلات القسرية ذات الصبغة السياسية مثل موضوع الامامة، فتكتب بما يتجلى في فضاءات تحترم قداسة التاريخ، مثلما تحترم المتلقي القارئ الحاضر او المستقبلي الذي سيأتي بعد أزمنة وأجيال لإعتمادها كقراءة تداولية علة ما تكشفه الازمنة من مجمل القواعد المستحكمة لتداول تلك النصوص.
ولذلك نجد أن قراءة سماحة السيد (علي الميلاني) في بحثه الموسوم (الامام الحسين إمامته وقضيته) وهو أحد بحوث مهرجان ربيع الشهادة العالمي الخامس هي قراءة واقعية قرأ لنا من خلالها مصطلح الامامة والتي تعني بكل أبعادها النيابة عن النبوة، وفي جميع شؤونها الدينية والدنيوية، وقد اتفق المسلمون على ضرورة وجود إمام بعد رسول الله ص يقوم مقامه في قيادة الامة وتعليمها وتزكيتها وهدايتها.
ونعتقد أن هذه القراءة تسعى لتوضيح المعنى الجوهري، ولتوضح سبل التجاوز التأويلي والقسري المسرف لدلالاتها أي وضعت لتوازن آلية التداول لترويج السبيل الصالح، ولهذا كان اهتمام العلماء الافاضل بهذا الموضوع لكون معرفة الامام الحق بعد رسول الله ص توجب علينا طاعته، ليكون هو المنقذ والمرجع الديني والشرعي، فصار لابد لنا من معرفة كيفية معرفة الامام، وهل تنظر لها كما نظروا لها بضوء الوضعية المشخصة للمجتمع، وهي وضعية متحركة وتقودها مستجدات تحدث عند كل جيل أم تنظر الى النص بإعتباره هو المكمن الحقيقي لمفهوم الامامة، ومجالا واسعاً للسجال الرؤيوي حول هذا المفهوم يقول النص القرآني: (وجعلنا منهم أئمة) الدخول الى عوالم هذا النص المقدس عبر قراءة الامام أبي جعفر الباقر عليه السلام بأن المعنى مخصص لولد فاطمة عليهم السلام، فنصل الى نتيجة مهمة لمعنى مضموني واضح دون الاحتياج الى استشهادات لغوية أو ضخ تأويلات أسرية لتلميحات دلالية، وأنما قراءة النص قراءة صحيحة توصلنا الى أن إمامة أئمتنا مجعولة من قبل الله سبحانه وتعالى؛ فاللغة هنا أداة توصيل حملت فكرة دقيقة وواضحة ومفردة (جعلنا) تكشف لنا هوية الجاعل وماهية الجعل، وهو الذي نصبهم الى هداية الامة وقيادتها بعد رسول الله ص والنص القرآني نص غني بطبيعته حمال أوجه، تحطمت على قصديته ماسعى اليه الكثير من المتحدثين والفلاسفة من أجل صياغة معادلة التكافؤ بين الدال والمدلول؛ أي أن تلك الدلالات تتجلى عند اظهار المعنى ويجتهد المعنى الاستنتاجي لتكوين الامامة كمنصب إلهي كالنبوة، وكما لا تدخل الامة في تعيين النبي كذلك لا دخل للامة في تعيين الامام والنص القرآني واضح في هذا المعنى دلالة وتأويلا، والغموض التفسيري الذي يرتأيه البعض ماهو إلا ترسبات التأويلات السياسية...
قال الله تعالى لداوود عليه السلام: (إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس) فالقراءة الصحيحة لهذا النص القرآني كما جاء في البحث يضعنا أمام الصورة المعبرة عن مفردة (فاحكم) لنجد أن النص يتكلم عبر اللغة موضحاً أن معنى الحكم بين الناس أي السلطة التشريعية مكونة على الامامة والخلافة والولاية، وجعل الحكومة كمفردة مرادفة للإمامة، ومثل هذه القراءة لاشك أنها ترتقي الى مستوى أكثر سموا في احتواء الجوهر المضموني، ويذهب سماحة السيد الميلاني الى تعميق المعنى المباشر عبر استدلال استشهادي نراه يحمل سمات المعادل الموضوعي حين أراد بعض رؤساء القبائل مقايضة بيعة النبي (ص) فقالوا: نبايعك على أن يكون الامر لنا من بعدك، فأجابهم: إن الامر بيد الله وليس بيدي لنتأمل الامكانات الكامنة خلف هذه المعادل، والمتكون من الاستشهاد الرسالي، فنجد اولا أن رد النبي ص تجاوز متطلبات الظرف الزماني والمكاني، والذي يتوضح لنا أن ثمة احتياج عال الى معين أو ناصر ينصر النبي في تلك الظروف.
ومن المؤكد أن مثل هذا الرد سينهي الكثير من الامال، ويجعل موقفها عدائياً ثم ننتقل الى مستوى توضيحي آخر مختلف لنتأمل قول الرسول (ص): (ليس الامر بيدي) حيث نصل الى قصدية المطلوب أن الامر بيد الله يضعه حيث يشاء، وهذا الامر يكشف قواعد الخلافة بعد حياة النبي (ص) وبعد هذا نذهب باتجاه منحى آخر لنجد أن هذا التشخيص قد جاء حرفياً في سيرة ابن هشام وسيرة أبن كثير، واتفقا مع غيرهم من علماء السنة بأن أمر الامامة والخلافة والولاية العامة بعد رسول الله بيد الله سبحانه وتعالى لا بيد أحد ولا حتى بيد النبي نفسه ونلاحظ أن استشهادات الباحثين الشيعة بتلك السير تأتي وكأنها مسوغات مرور او محصنات فنية ضد أي قراءة ساذجة كسولة قد تهاجمهم مستقبلاً.
أعجبني
تعليق
اكتب تعليقًا...
نشط تمت مشاركة ذكرى بواسطة علي حسين الخباز.
2