| الثلاثاء 8 مارس، 2022
![](https://iraq.shafaqna.com/wp-content/uploads/2022/01/مسجد_نصیرالملك-1170x780.jpg)
يجد الشاب انتشار السخرية في المسائل الدينية والأخلاقية والابتعاد عن الطرح الموضوعي وخاصةً في الواقع الافتراضي، ما هي التوصية حول هذه الظاهرة وما هي طرق المواجهة والعلاج؟
الجواب:
إنّ من البديهي بحسب المنطق الذي فُطر عليه الإنسان أن الاحتجاج السليم يبتني على حجج وشواهد موضوعية تثبت أو تنفي هذه الفكرة أو تلك، وليس الازدراء والسخرية ونحوها من الأساليب الهزلية سبيلاً للاستيثاق من صواب هذه الفكرة أو تلك، فالأفكار المعروضة تقيم من خلال أفكار أخرى تكون أقرب تناولاً وأشد وضوحاً لينتهي الباحث من تلك الأفكار الأخرى إلى إثبات الأفكار المعروضة أو تفنيدها، وهذا هو السبيل المنطقي للإقناع والاقتناع.
وأما أسلوب السخرية والاستهزاء فهو ـــ كما نجده عند تحليل بنيته وتأمل مضمونه ـــ لا يركز على فكرة موضوعية واضحة تبطل الفكرة التي يسخر منها، وإنما يسعى إلى أن تهون تلك الفكرة في مشاعر المخاطب بأساليب خطابية وأدبية بحتة، كأن يسعى شخص إلى إسقاط شخصية آخر ولكنه لا يتناول أفكاره وسيرته وخصاله بالنقد، بل يسبّه ويسخر منه ويرسمه بشكل مضحك.
وقد شاع في الوسائل الحديثة في العصر الحاضر اتّباع هذا الأسلوب في شأن القضايا الأخلاقية والدينية حتى باتت تستعمله جل وسائل الإعلام وأصبح من الأساليب الشائعة لتغيير الثقافات والأخلاقيات العامة وذلك لعدة خصائص فيه:
أوّلاً: أنه أسلوب سهل لا عناء فيه، إذ يكفي فيه أن يتقن المرء كيفية الانتقاص والتوهين والاستخفاف وهو أمر ميسر لمن تعود عليه، ولا يحتاج إلى عناء البرهان والاستدلال والبحث والتفحص والنقد الموضوعي.
ثانياً: أنه سريع التأثير في المخاطب، لأنه ينفذ فيه من مداخل العاطفة والإحساس ولا يحتاج إلى تأمل وتريث وتفكير، إلا إذا كان المخاطب موزوناً في داخله غير منساقٍ للّعب بعواطفه.
ثالثاً: أنه أسلوب ناعم يمزج الجد بالهزل والفكر بالمرح والعلم باللعب، فلا يأخذ المخاطب أهبته لاتخاذ الرأي وتحديد الموقف، بل يتأثر به من حيث لا يحتسب من دون مقاومة وتأكد، فهو يمرر مواقف جادة من خلال أساليب لاهية ينزلق إليه الشخص انزلاقاً ويُستدرج إليه استدراجاً.
رابعاً: أن المخاطب كثيراً ما يتعرض فيه إلى الإحراج للاقتناع، لأنه يجد نفسه في موضع السخرية والاستهزاء والانتقاص والتحقير إذا ما تبنى الفكرة التي تمّ الاستهزاء بها والسخرية منها، فيدفعه ذلك إلى رفع اليد عنها وقايةً لنفسه وحفظاً لاحترامه أمام المتكلم والآخرين.
خامساً: أنه لا دفاع نافع في مقابل السخرية والاستهزاء بالفكرة، إذ ليس مبنى السخرية نقد الفكرة بفكرة حتى تكون الفكرة المعروضة قابلة للنقاش، بل هو نحو توهين واستخفاف فحسب وهو أمر لا مردّ له، كما قال الشاعر في شأن بعض الدعاوي الكاذبة على الشخص التي توجب الشعور بالتقزز من تناول الطعام معه:
(قد قيل ذلك إن صدقاً وإن كذباً
فما اعتذارك من قولٍ إذا قيلا).
سادساً: أن السخرية والاستهزاء ينفع في إزالة القناعات التي يصعب قلعها لكونها فطرية أو موثوقةً أو راسخةً في نفس الطرف رسوخاً كبيراً، وهي أمور يستحيل إزالة القناعة بها بالأساليب الجادة لاشتمال الفطرة عليها وتواتر حججها ولكن يمكن للسخرية أن تزلزلها وتقتلعها وتوجب انهيارها إذا لم يملك المخاطب وعياً في التعامل معها ولم يأخذ حذره تجاهها.
فالسخرية لن تسقط الفكرة أو الشخص من خلال النقد الفكري، بل من خلال التوهين والاستخفاف، حتى يخجل صاحب الفكرة من تبنيها مهما كانت فطريةً وراشدةً ورصينةً ومتجذرةً في نفسه، وحتى يسقط حرمة الشخص المنظور مهما كان محترماً وموزوناً ومتيناً وموصوفاً بالسلوك القويم والسوابق الحسنة.
هذه خصائص أسلوب السخرية التي تغري أصحابها باستخدامها في نقد الأفكار ومناقشتها بدلاً عن النقد الفكري الحقيقي المبني على التأمل والملاحظة.
والواقع أن هذا الأسلوب هو أسلوب مؤثر بالفعل في نفوس العديد من الناس لتغيير قناعاتهم، إلا أن تأثيره محصور على الذين لا يملكون فكراً ثاقباً ووعياً كافياً، فيستجيبون في موضع المنطق للعاطفة، وفي محل التفكير للإحساس وفي مقام التثبت والتروي للتسرع والاندفاع فيكون هذا الأسلوب عندهم بديلاً عن البرهان والحجة والمنطق الجاد
![](https://iraq.shafaqna.com/wp-content/uploads/2022/01/مسجد_نصیرالملك-1170x780.jpg)
يجد الشاب انتشار السخرية في المسائل الدينية والأخلاقية والابتعاد عن الطرح الموضوعي وخاصةً في الواقع الافتراضي، ما هي التوصية حول هذه الظاهرة وما هي طرق المواجهة والعلاج؟
الجواب:
إنّ من البديهي بحسب المنطق الذي فُطر عليه الإنسان أن الاحتجاج السليم يبتني على حجج وشواهد موضوعية تثبت أو تنفي هذه الفكرة أو تلك، وليس الازدراء والسخرية ونحوها من الأساليب الهزلية سبيلاً للاستيثاق من صواب هذه الفكرة أو تلك، فالأفكار المعروضة تقيم من خلال أفكار أخرى تكون أقرب تناولاً وأشد وضوحاً لينتهي الباحث من تلك الأفكار الأخرى إلى إثبات الأفكار المعروضة أو تفنيدها، وهذا هو السبيل المنطقي للإقناع والاقتناع.
وأما أسلوب السخرية والاستهزاء فهو ـــ كما نجده عند تحليل بنيته وتأمل مضمونه ـــ لا يركز على فكرة موضوعية واضحة تبطل الفكرة التي يسخر منها، وإنما يسعى إلى أن تهون تلك الفكرة في مشاعر المخاطب بأساليب خطابية وأدبية بحتة، كأن يسعى شخص إلى إسقاط شخصية آخر ولكنه لا يتناول أفكاره وسيرته وخصاله بالنقد، بل يسبّه ويسخر منه ويرسمه بشكل مضحك.
وقد شاع في الوسائل الحديثة في العصر الحاضر اتّباع هذا الأسلوب في شأن القضايا الأخلاقية والدينية حتى باتت تستعمله جل وسائل الإعلام وأصبح من الأساليب الشائعة لتغيير الثقافات والأخلاقيات العامة وذلك لعدة خصائص فيه:
أوّلاً: أنه أسلوب سهل لا عناء فيه، إذ يكفي فيه أن يتقن المرء كيفية الانتقاص والتوهين والاستخفاف وهو أمر ميسر لمن تعود عليه، ولا يحتاج إلى عناء البرهان والاستدلال والبحث والتفحص والنقد الموضوعي.
ثانياً: أنه سريع التأثير في المخاطب، لأنه ينفذ فيه من مداخل العاطفة والإحساس ولا يحتاج إلى تأمل وتريث وتفكير، إلا إذا كان المخاطب موزوناً في داخله غير منساقٍ للّعب بعواطفه.
ثالثاً: أنه أسلوب ناعم يمزج الجد بالهزل والفكر بالمرح والعلم باللعب، فلا يأخذ المخاطب أهبته لاتخاذ الرأي وتحديد الموقف، بل يتأثر به من حيث لا يحتسب من دون مقاومة وتأكد، فهو يمرر مواقف جادة من خلال أساليب لاهية ينزلق إليه الشخص انزلاقاً ويُستدرج إليه استدراجاً.
رابعاً: أن المخاطب كثيراً ما يتعرض فيه إلى الإحراج للاقتناع، لأنه يجد نفسه في موضع السخرية والاستهزاء والانتقاص والتحقير إذا ما تبنى الفكرة التي تمّ الاستهزاء بها والسخرية منها، فيدفعه ذلك إلى رفع اليد عنها وقايةً لنفسه وحفظاً لاحترامه أمام المتكلم والآخرين.
خامساً: أنه لا دفاع نافع في مقابل السخرية والاستهزاء بالفكرة، إذ ليس مبنى السخرية نقد الفكرة بفكرة حتى تكون الفكرة المعروضة قابلة للنقاش، بل هو نحو توهين واستخفاف فحسب وهو أمر لا مردّ له، كما قال الشاعر في شأن بعض الدعاوي الكاذبة على الشخص التي توجب الشعور بالتقزز من تناول الطعام معه:
(قد قيل ذلك إن صدقاً وإن كذباً
فما اعتذارك من قولٍ إذا قيلا).
سادساً: أن السخرية والاستهزاء ينفع في إزالة القناعات التي يصعب قلعها لكونها فطرية أو موثوقةً أو راسخةً في نفس الطرف رسوخاً كبيراً، وهي أمور يستحيل إزالة القناعة بها بالأساليب الجادة لاشتمال الفطرة عليها وتواتر حججها ولكن يمكن للسخرية أن تزلزلها وتقتلعها وتوجب انهيارها إذا لم يملك المخاطب وعياً في التعامل معها ولم يأخذ حذره تجاهها.
فالسخرية لن تسقط الفكرة أو الشخص من خلال النقد الفكري، بل من خلال التوهين والاستخفاف، حتى يخجل صاحب الفكرة من تبنيها مهما كانت فطريةً وراشدةً ورصينةً ومتجذرةً في نفسه، وحتى يسقط حرمة الشخص المنظور مهما كان محترماً وموزوناً ومتيناً وموصوفاً بالسلوك القويم والسوابق الحسنة.
هذه خصائص أسلوب السخرية التي تغري أصحابها باستخدامها في نقد الأفكار ومناقشتها بدلاً عن النقد الفكري الحقيقي المبني على التأمل والملاحظة.
والواقع أن هذا الأسلوب هو أسلوب مؤثر بالفعل في نفوس العديد من الناس لتغيير قناعاتهم، إلا أن تأثيره محصور على الذين لا يملكون فكراً ثاقباً ووعياً كافياً، فيستجيبون في موضع المنطق للعاطفة، وفي محل التفكير للإحساس وفي مقام التثبت والتروي للتسرع والاندفاع فيكون هذا الأسلوب عندهم بديلاً عن البرهان والحجة والمنطق الجاد
تعليق