يعكف العلماء حاليًّا على تحديد طريقة لتعريف الوقت على سطح القمر.. بما يتيح تشغيل نظم الملاحة القمرية القائمة على الأقمار الصناعية في إطار أنشطة استكشاف القمر، من المرتقب أن تشهد السنوات العشر المقبلة عودةً قويةً لأنشطة استكشاف القمر، في خطوة ستشمل إرسال العشرات من البعثات إلى القمر، فضلًا عن وضع خطط لإنشاء قواعد دائمة على سطحه، غير أن هذه المساعي تَحفُّ بها قائمة طويلة من التحديات التي يختص أحدها بمسألة الوقت على سطح القمر؛ فسؤال مثل "كم الساعة الآن على سطح القمر؟" قد يبدو عابرًا وبدهيًّا، ولكنه سؤال جوهري، لا يزال علماء القياس حول العالم عاكفين على إيجاد حل له.
وتعليقًا على ذلك، تقول تشيريل جراملينج، مهندسة الفضاء التي ترأس فريق عمل المواقع والملاحة والتوقيت في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا في جرينبيلت بولاية ماريلاند الأمريكية: "لقد بدأنا للتو في وضع تصور للأمر".
في الوقت الراهن، ليس للقمر توقيت خاص به، وعليه، فكل بعثة متجهة إلى هناك تعتمد على مقياس زمني خاص بها؛ إذ يتكفل القائمون على إدارة البعثة من على سطح الأرض بربط توقيت البعثة بالتوقيت العالمي الموحد (UTC)، وهو المعيار الذي يتم ضبط جميع الساعات الموجودة على كوكبنا على أساسه، إلا أن هذه الطريقة غير دقيقة إلى حدٍّ ما، كما أن المركبات الفضائية التي تستكشف القمر لا تضبط الوقت بالتزامن معًا، ومن هنا، فإن هذه الطريقة التي تعمل بفاعلية عند استقبال القمر لعدد صغير من البعثات المنفردة ستمثل عائقًا عند إطلاق بعثات على متن عدة مَركبات من المفترض أن يعمل بعضها بالتنسيق مع بعض، ناهيك بحاجة وكالات الفضاء إلى تتبُّع تلك المركبات باستخدام نظم الملاحة عبر الأقمار الصناعية التي تعتمد في عملها على تلقِّي إشارات زمنية دقيقة.
ولم يتضح بعد الشكل العام الذي سيكون عليه التوقيت القمري العالمي؛ فالساعات على سطح الأرض والقمر تتحرك عقاربها بسرعات مختلفة بطبيعة الحال بسبب اختلاف طبيعة حقول الجاذبية لكليهما، ولذا، فمن الوارد أن يأتي التوقيت القمري الرسمي مستندًا إلى نظام ساعات مُصمَّم ليتزامن مع التوقيت العالمي الموحد، أو أن يكون مستقلًّا عن التوقيت الأرضي برمَّته.
وقد شرع ممثلون من وكالات الفضاء والمؤسسات الأكاديمية المعنية حول العالم في صياغة توصيات حول كيفية تعريف التوقيت القمري في نوفمبر 2022 خلال اجتماعٍ انعقد في المركز الأوروبي لبحوث وتكنولوجيا الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأوروبية في نوردويك بهولندا.
وفي هذا الصدد، تُؤكِّد باتريتسيا تافيلا -التي ترأس قسم التوقيت في المكتب الدولي للأوزان والمقاييس في مدينة سيفر بفرنسا- ضرورة التعجيل بالتوصل إلى قرارات حول هذا الشأن، موضِّحةً أنه في حال عدم إرساء توقيت قمري رسمي، فإن وكالات الفضاء والشركات الخاصة ستتجه كل على حدة لتبنِّي حلول خاصة بها، وأضافت: "لهذا السبب أردنا دق جرس الإنذار الآن في دعوةٍ منَّا للعمل معًا واتخاذ قرار مشترك".
تتبُّع الأقمار الصناعية
وتفرض الحاجة إلى إرساء توقيت قمري نفسها بقوة في إطار الخطط الرامية إلى إنشاء نظام ملاحة عالمي قائم على الأقمار الصناعية (GNSS) يختص بالقمر، وذلك على غرار نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وغيره من شبكات الملاحة القائمة على الأقمار الصناعية التي تتيح تتبُّع المواقع بدقة على سطح الأرض، وتخطط وكالات الفضاء للبدء في تركيب هذا النظام العالمي للملاحة القائم على الأقمار الصناعية المخصص للقمر في عام 2030 على وجه التقريب، وقد أقرَّت وكالة الفضاء الأوروبية مشروعًا للملاحة القمرية باستخدام الأقمار الصناعية أُطلق عليه اسم مشروع «ضوء القمر» Moonlight في اجتماع المجلس الوزاري للوكالة الذي عُقد في 22 و23 نوفمبر 2022 في باريس، كما أسست وكالة «ناسا» مشروعًا مماثلًا في يناير الماضي أُطلق عليه اسم «منظومة الملاحة وتحويل الاتصالات القمرية» Lunar Communications Relay and Navigation Systems.
وقد اعتمدت البعثات المتجهة إلى القمر حتى يومنا هذا على إرسال إشارات راديوية إلى هوائيات استقبال ضخمة على سطح الأرض في أوقات زمنية محددة لتحديد موقعها بدقة، إلا أن جويل باركر -وهو أحد المهندسين العاملين في نظام الملاحة القمري بمركز جودارد- يقول: إنه في ظل وجود العشرات من البعثات المخطط إرسالها، "لا توجد موارد كافية لتغطية الجميع".
وكخطوة أولى نحو حل هذه المشكلة، واعتبارًا من 2024، ستعمل وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة «ناسا» على تجربة استنباط المواقع على سطح القمر من مركبات موجودة على سطح الأرض باستخدام إشارات ملاحية ضعيفة مستمدة من الأقمار الصناعية، وفي الخطوة التالية، تخطط المشروعات القمرية الخاصة بـ«نظام الملاحة العالمي القائم على الأقمار الصناعية» لوضع أقمار صناعية مخصصة لهذا الغرض حول القمر، على أن يحتوي كلٌّ منها على ساعته الذرية الخاصة به، وسيقوم جهاز استقبال -وليكن مثلًا على سطح القمر- بحساب وتحديد موقعه استنادًا إلى الفترة الزمنية التي تستغرقها الإشارات الصادرة عن القمر الصناعي للوصول إليه، وقد خططت وكالة الفضاء الأوروبية لتشغيل مجموعة أولية تتألف من أربع مركبات فضائية تغطي الملاحة عند القطب القمري الجنوبي الذي يحتوي على أغلب مخزون القمر من المياه ويعتبر هدفًا مهمًّا لعمليات الاستقصاء والاستكشاف، وفق ما يقول يورج هان، أحد المهندسين العاملين في مشروع «ضوء القمر» التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
ويوضح هان أن البعثات القمرية ستحتاج إلى توقيت قمري رسمي لتمكين التعاون والتواصل فيما بينها، مضيفًا: "يجب أن تجري كل تلك الأمور تبعًا لمرجعيةٍ زمنيةٍ واحدة، وإلا فسنجد أنفسنا وسط حالة من الفوضى والصراع".
وثمة سؤالٌ آخر يظل مطروحًا، وفق قول هان، وهو عما إذا كان رواد الفضاء سيستخدمون التوقيت القمري العالمي في كافة أنحاء القمر؛ فعلى الرغم من أن ذلك التوقيت سيمثل المقياس الزمني الرسمي، فقد يحتاج مستخدموه إلى معادلته بالمناطق الزمنية المرتبطة بموقع الشمس في السماء، تمامًا كما هو الحال على كوكب الأرض، وهذه مسألة اتفاقية أكثر من كونها رهنًا لما يقرره خبراء القياس، وحول هذا يقول هان: "حين يعيش أحدهم فعليًّا على سطح القمر، أعتقد أن الأمر [يقصد تحديد الوقت اتفاقًا] سيصبح منطقيًّا وله مغزاه".
توصيف الوقت
تعريف الوقت القمري ليس بالأمر البسيط؛ فعلى الرغم من أن تعريف الثانية هو نفسه في كل مكان، إلا أن نظرية النسبية تنص على أن عقارب الساعات تتحرك بصورة أبطأ كلما اشتدت قوة حقول الجاذبية، ونظرًا إلى أن قوة سحب الجاذبية على القمر أضعف منها على الأرض، فإن الساعة القمرية ستكون أسرع من نظيرتها الأرضية في تقدير شخص يلاحظها من على سطح الأرض، ووفقًا لتقديرات جراملينج، فإن الساعة القمرية ستزداد سعتها الزمنية بحوالي 56 ميكروثانية عن كل 24 ساعة، كما توضح تافيلا أن سرعة الساعة ستتغير تغيُّرًا غير ملحوظ مقارنةً بنظيرتها على سطح الأرض، وذلك تبعًا لموقعها على سطح القمر، بسبب دوران القمر، مضيفةً أن "خبراء النسبية سيستمتعون أيما استمتاع بهذه المسألة؛ لكونها تتضمن وضع أكثر من عامل في الحسبان".
إن وضع معيار زمني قمري محدد ويخضع للمقارنة مع جميع الساعات سيتطلب تركيب ثلاث ساعات رئيسة على الأقل، تتحرك بالسرعة الطبيعية للقمر نفسها، ومن ثَمَّ جمع الزمن الناتج منها باستخدام إحدى الخوارزميات لصنع ساعة "افتراضية" أكثر دقة.
أما الخطوات التالية لذلك فهي رهن الخيارات التي سيختارها علماء القياس، من ناحية، قد يقررون وضع التوقيت القمري على أساس التوقيت العالمي الموحد، وفي تلك الحالة، ستتم مزامنة ذلك التوقيت القمري الافتراضي بانتظام مع التوقيت الأرضي الموحد، وبين كل اتصال وآخر للمزامنة بين التوقيتين، ستُواصل الساعات القمرية الرئيسة تحديد الوقت لحين موعد عملية المزامنة التالية، ومن مزايا هذا النظام أنه سيكون سهلاً وبسيطًا في التعامل معه بالنسبة للمستخدمين على الأرض.
ومن ناحية أخرى، قد يقرر علماء القياس اعتماد الناتج المجمَّع للساعات الذرية القمرية ليصبح هو التوقيت المستقل والمستمر للقمر، مع تتبُّع علاقته بالتوقيت العالمي الموحد، وتوضح جراملينج أن تبنِّي هذه الطريقة سيعني أن الساعات على سطح القمر ستتطابق معًا حتى في حال فقدان الاتصال مع الأرض، بما سيسمح بالملاحة الآمنة وسلامة الاتصال، وتضيف أن إرساء توقيت مستقل سيطرح نموذجًا يمكن اتباعه في التعامل مع توقيت الكواكب الأبعد التي تنوي وكالات الفضاء استكشافها في نهاية المطاف، مثل كوكب المريخ، مستدركةً أن إرسال التوقيت العالمي الموحد إلى هناك سيكون أكثر تعقيدًا من إرساله إلى سطح القمر.
في هذا السيناريو، يمكن تعريف اليوم على القمر بصورة مختلفة عما يحدث على سطح الأرض، ونظرًا إلى أن متوسط الفترة الزمنية التي تفصل بين كل ظهيرة شمسية وأخرى هناك يبلغ 29.5 يومًا أرضيًّا، والأيام الأرضية دائمًا ما ستكون مهمةً بالنسبة لرواد الفضاء، نظرًا إلى حاجة الإنسان إلى النوم في كل دورة مدتها 24 ساعة تقريبًا، ومع ذلك، فالتعريف نفسه هو أمرٌ يحتاج علماء القياس إلى الاتفاق بشأنه.
كما سيحتاج علماء القياس إلى تقرير موضع تركيب الساعات الرئيسة على سطح القمر، فكما هو الحال على كوكب الأرض، سيؤثر ارتفاع الأجهزة على سرعة تحرُّك عقارب الساعة، ويوضح هان أنه يمكن وضع الساعات في المدار القمري أو على السطح، مضيفًا: "هذا ما نتناقش حوله في الوقت الحالي مع زملائنا في «ناسا»".
تدرس وكالات الفضاء أيضًا معايير أخرى ضرورية (من قبيل نوع خرائط التضاريس القمرية ونظم الإحداثيات التي يمكن استخدامها في الملاحة) ضمن جهود تباشرها «مجموعة الاستشارات التشغيلية بين الوكالات الحكومية» Interagency Operations Advisory Group، وهي عبارة عن مجلس يضم وكالات الفضاء الوطنية واللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة الخاصة بنظام الملاحة العالمي القائم على الأقمار الصناعية، وتوضح جراملينج أنه لجعل الأنظمة التابعة لعدة دول قابلةً للتشغيل المشترك، يجب التوصل إلى اتفاق دولي بشأن النظم المرجعية.
وتعمل ناسا حاليًّا، بمساعدة وكالة الفضاء الأوروبية، على تطوير منظومة عمل يطلق عليها اسم «لونا نت» LunaNet، وتأمل الحصول على تأييد دولي بشأنها، وتتكون هذه المنظومة من مجموعة من القواعد التي تتيح لكافة نظم الملاحة القمرية القائمة على الأقمار الصناعية ونظم الاتصالات والحاسوب أن تشكِّل شبكةً واحدةً مشابهةً للإنترنت، بغض النظر عن الدولة القائمة على تركيب تلك النظم، ومن هنا يتضح أن إرساء التوقيت القمري ما هو إلا جزء من صورة أكبر بكثير، وتعلق جراملينج على ذلك فتقول: "الفكرة من وراء كل هذا تتلخص في خلق شبكة إنترنت تغطي المنظومة الشمسية، والخطوة الأولى لتنفيذها تبدأ على سطح القمر".
من شبكة النبا المعلوماتية
وتعليقًا على ذلك، تقول تشيريل جراملينج، مهندسة الفضاء التي ترأس فريق عمل المواقع والملاحة والتوقيت في مركز جودارد لرحلات الفضاء التابع لوكالة ناسا في جرينبيلت بولاية ماريلاند الأمريكية: "لقد بدأنا للتو في وضع تصور للأمر".
في الوقت الراهن، ليس للقمر توقيت خاص به، وعليه، فكل بعثة متجهة إلى هناك تعتمد على مقياس زمني خاص بها؛ إذ يتكفل القائمون على إدارة البعثة من على سطح الأرض بربط توقيت البعثة بالتوقيت العالمي الموحد (UTC)، وهو المعيار الذي يتم ضبط جميع الساعات الموجودة على كوكبنا على أساسه، إلا أن هذه الطريقة غير دقيقة إلى حدٍّ ما، كما أن المركبات الفضائية التي تستكشف القمر لا تضبط الوقت بالتزامن معًا، ومن هنا، فإن هذه الطريقة التي تعمل بفاعلية عند استقبال القمر لعدد صغير من البعثات المنفردة ستمثل عائقًا عند إطلاق بعثات على متن عدة مَركبات من المفترض أن يعمل بعضها بالتنسيق مع بعض، ناهيك بحاجة وكالات الفضاء إلى تتبُّع تلك المركبات باستخدام نظم الملاحة عبر الأقمار الصناعية التي تعتمد في عملها على تلقِّي إشارات زمنية دقيقة.
ولم يتضح بعد الشكل العام الذي سيكون عليه التوقيت القمري العالمي؛ فالساعات على سطح الأرض والقمر تتحرك عقاربها بسرعات مختلفة بطبيعة الحال بسبب اختلاف طبيعة حقول الجاذبية لكليهما، ولذا، فمن الوارد أن يأتي التوقيت القمري الرسمي مستندًا إلى نظام ساعات مُصمَّم ليتزامن مع التوقيت العالمي الموحد، أو أن يكون مستقلًّا عن التوقيت الأرضي برمَّته.
وقد شرع ممثلون من وكالات الفضاء والمؤسسات الأكاديمية المعنية حول العالم في صياغة توصيات حول كيفية تعريف التوقيت القمري في نوفمبر 2022 خلال اجتماعٍ انعقد في المركز الأوروبي لبحوث وتكنولوجيا الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأوروبية في نوردويك بهولندا.
وفي هذا الصدد، تُؤكِّد باتريتسيا تافيلا -التي ترأس قسم التوقيت في المكتب الدولي للأوزان والمقاييس في مدينة سيفر بفرنسا- ضرورة التعجيل بالتوصل إلى قرارات حول هذا الشأن، موضِّحةً أنه في حال عدم إرساء توقيت قمري رسمي، فإن وكالات الفضاء والشركات الخاصة ستتجه كل على حدة لتبنِّي حلول خاصة بها، وأضافت: "لهذا السبب أردنا دق جرس الإنذار الآن في دعوةٍ منَّا للعمل معًا واتخاذ قرار مشترك".
تتبُّع الأقمار الصناعية
وتفرض الحاجة إلى إرساء توقيت قمري نفسها بقوة في إطار الخطط الرامية إلى إنشاء نظام ملاحة عالمي قائم على الأقمار الصناعية (GNSS) يختص بالقمر، وذلك على غرار نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) وغيره من شبكات الملاحة القائمة على الأقمار الصناعية التي تتيح تتبُّع المواقع بدقة على سطح الأرض، وتخطط وكالات الفضاء للبدء في تركيب هذا النظام العالمي للملاحة القائم على الأقمار الصناعية المخصص للقمر في عام 2030 على وجه التقريب، وقد أقرَّت وكالة الفضاء الأوروبية مشروعًا للملاحة القمرية باستخدام الأقمار الصناعية أُطلق عليه اسم مشروع «ضوء القمر» Moonlight في اجتماع المجلس الوزاري للوكالة الذي عُقد في 22 و23 نوفمبر 2022 في باريس، كما أسست وكالة «ناسا» مشروعًا مماثلًا في يناير الماضي أُطلق عليه اسم «منظومة الملاحة وتحويل الاتصالات القمرية» Lunar Communications Relay and Navigation Systems.
وقد اعتمدت البعثات المتجهة إلى القمر حتى يومنا هذا على إرسال إشارات راديوية إلى هوائيات استقبال ضخمة على سطح الأرض في أوقات زمنية محددة لتحديد موقعها بدقة، إلا أن جويل باركر -وهو أحد المهندسين العاملين في نظام الملاحة القمري بمركز جودارد- يقول: إنه في ظل وجود العشرات من البعثات المخطط إرسالها، "لا توجد موارد كافية لتغطية الجميع".
وكخطوة أولى نحو حل هذه المشكلة، واعتبارًا من 2024، ستعمل وكالة الفضاء الأوروبية ووكالة «ناسا» على تجربة استنباط المواقع على سطح القمر من مركبات موجودة على سطح الأرض باستخدام إشارات ملاحية ضعيفة مستمدة من الأقمار الصناعية، وفي الخطوة التالية، تخطط المشروعات القمرية الخاصة بـ«نظام الملاحة العالمي القائم على الأقمار الصناعية» لوضع أقمار صناعية مخصصة لهذا الغرض حول القمر، على أن يحتوي كلٌّ منها على ساعته الذرية الخاصة به، وسيقوم جهاز استقبال -وليكن مثلًا على سطح القمر- بحساب وتحديد موقعه استنادًا إلى الفترة الزمنية التي تستغرقها الإشارات الصادرة عن القمر الصناعي للوصول إليه، وقد خططت وكالة الفضاء الأوروبية لتشغيل مجموعة أولية تتألف من أربع مركبات فضائية تغطي الملاحة عند القطب القمري الجنوبي الذي يحتوي على أغلب مخزون القمر من المياه ويعتبر هدفًا مهمًّا لعمليات الاستقصاء والاستكشاف، وفق ما يقول يورج هان، أحد المهندسين العاملين في مشروع «ضوء القمر» التابع لوكالة الفضاء الأوروبية.
ويوضح هان أن البعثات القمرية ستحتاج إلى توقيت قمري رسمي لتمكين التعاون والتواصل فيما بينها، مضيفًا: "يجب أن تجري كل تلك الأمور تبعًا لمرجعيةٍ زمنيةٍ واحدة، وإلا فسنجد أنفسنا وسط حالة من الفوضى والصراع".
وثمة سؤالٌ آخر يظل مطروحًا، وفق قول هان، وهو عما إذا كان رواد الفضاء سيستخدمون التوقيت القمري العالمي في كافة أنحاء القمر؛ فعلى الرغم من أن ذلك التوقيت سيمثل المقياس الزمني الرسمي، فقد يحتاج مستخدموه إلى معادلته بالمناطق الزمنية المرتبطة بموقع الشمس في السماء، تمامًا كما هو الحال على كوكب الأرض، وهذه مسألة اتفاقية أكثر من كونها رهنًا لما يقرره خبراء القياس، وحول هذا يقول هان: "حين يعيش أحدهم فعليًّا على سطح القمر، أعتقد أن الأمر [يقصد تحديد الوقت اتفاقًا] سيصبح منطقيًّا وله مغزاه".
توصيف الوقت
تعريف الوقت القمري ليس بالأمر البسيط؛ فعلى الرغم من أن تعريف الثانية هو نفسه في كل مكان، إلا أن نظرية النسبية تنص على أن عقارب الساعات تتحرك بصورة أبطأ كلما اشتدت قوة حقول الجاذبية، ونظرًا إلى أن قوة سحب الجاذبية على القمر أضعف منها على الأرض، فإن الساعة القمرية ستكون أسرع من نظيرتها الأرضية في تقدير شخص يلاحظها من على سطح الأرض، ووفقًا لتقديرات جراملينج، فإن الساعة القمرية ستزداد سعتها الزمنية بحوالي 56 ميكروثانية عن كل 24 ساعة، كما توضح تافيلا أن سرعة الساعة ستتغير تغيُّرًا غير ملحوظ مقارنةً بنظيرتها على سطح الأرض، وذلك تبعًا لموقعها على سطح القمر، بسبب دوران القمر، مضيفةً أن "خبراء النسبية سيستمتعون أيما استمتاع بهذه المسألة؛ لكونها تتضمن وضع أكثر من عامل في الحسبان".
إن وضع معيار زمني قمري محدد ويخضع للمقارنة مع جميع الساعات سيتطلب تركيب ثلاث ساعات رئيسة على الأقل، تتحرك بالسرعة الطبيعية للقمر نفسها، ومن ثَمَّ جمع الزمن الناتج منها باستخدام إحدى الخوارزميات لصنع ساعة "افتراضية" أكثر دقة.
أما الخطوات التالية لذلك فهي رهن الخيارات التي سيختارها علماء القياس، من ناحية، قد يقررون وضع التوقيت القمري على أساس التوقيت العالمي الموحد، وفي تلك الحالة، ستتم مزامنة ذلك التوقيت القمري الافتراضي بانتظام مع التوقيت الأرضي الموحد، وبين كل اتصال وآخر للمزامنة بين التوقيتين، ستُواصل الساعات القمرية الرئيسة تحديد الوقت لحين موعد عملية المزامنة التالية، ومن مزايا هذا النظام أنه سيكون سهلاً وبسيطًا في التعامل معه بالنسبة للمستخدمين على الأرض.
ومن ناحية أخرى، قد يقرر علماء القياس اعتماد الناتج المجمَّع للساعات الذرية القمرية ليصبح هو التوقيت المستقل والمستمر للقمر، مع تتبُّع علاقته بالتوقيت العالمي الموحد، وتوضح جراملينج أن تبنِّي هذه الطريقة سيعني أن الساعات على سطح القمر ستتطابق معًا حتى في حال فقدان الاتصال مع الأرض، بما سيسمح بالملاحة الآمنة وسلامة الاتصال، وتضيف أن إرساء توقيت مستقل سيطرح نموذجًا يمكن اتباعه في التعامل مع توقيت الكواكب الأبعد التي تنوي وكالات الفضاء استكشافها في نهاية المطاف، مثل كوكب المريخ، مستدركةً أن إرسال التوقيت العالمي الموحد إلى هناك سيكون أكثر تعقيدًا من إرساله إلى سطح القمر.
في هذا السيناريو، يمكن تعريف اليوم على القمر بصورة مختلفة عما يحدث على سطح الأرض، ونظرًا إلى أن متوسط الفترة الزمنية التي تفصل بين كل ظهيرة شمسية وأخرى هناك يبلغ 29.5 يومًا أرضيًّا، والأيام الأرضية دائمًا ما ستكون مهمةً بالنسبة لرواد الفضاء، نظرًا إلى حاجة الإنسان إلى النوم في كل دورة مدتها 24 ساعة تقريبًا، ومع ذلك، فالتعريف نفسه هو أمرٌ يحتاج علماء القياس إلى الاتفاق بشأنه.
كما سيحتاج علماء القياس إلى تقرير موضع تركيب الساعات الرئيسة على سطح القمر، فكما هو الحال على كوكب الأرض، سيؤثر ارتفاع الأجهزة على سرعة تحرُّك عقارب الساعة، ويوضح هان أنه يمكن وضع الساعات في المدار القمري أو على السطح، مضيفًا: "هذا ما نتناقش حوله في الوقت الحالي مع زملائنا في «ناسا»".
تدرس وكالات الفضاء أيضًا معايير أخرى ضرورية (من قبيل نوع خرائط التضاريس القمرية ونظم الإحداثيات التي يمكن استخدامها في الملاحة) ضمن جهود تباشرها «مجموعة الاستشارات التشغيلية بين الوكالات الحكومية» Interagency Operations Advisory Group، وهي عبارة عن مجلس يضم وكالات الفضاء الوطنية واللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة الخاصة بنظام الملاحة العالمي القائم على الأقمار الصناعية، وتوضح جراملينج أنه لجعل الأنظمة التابعة لعدة دول قابلةً للتشغيل المشترك، يجب التوصل إلى اتفاق دولي بشأن النظم المرجعية.
وتعمل ناسا حاليًّا، بمساعدة وكالة الفضاء الأوروبية، على تطوير منظومة عمل يطلق عليها اسم «لونا نت» LunaNet، وتأمل الحصول على تأييد دولي بشأنها، وتتكون هذه المنظومة من مجموعة من القواعد التي تتيح لكافة نظم الملاحة القمرية القائمة على الأقمار الصناعية ونظم الاتصالات والحاسوب أن تشكِّل شبكةً واحدةً مشابهةً للإنترنت، بغض النظر عن الدولة القائمة على تركيب تلك النظم، ومن هنا يتضح أن إرساء التوقيت القمري ما هو إلا جزء من صورة أكبر بكثير، وتعلق جراملينج على ذلك فتقول: "الفكرة من وراء كل هذا تتلخص في خلق شبكة إنترنت تغطي المنظومة الشمسية، والخطوة الأولى لتنفيذها تبدأ على سطح القمر".
من شبكة النبا المعلوماتية
تعليق