اللهم صل على محمد وآل محمد
والمُعوَّلُ وراء هذا الاجتهاد (في العبادة والتوجّه إلى الله تعالى) على جَذْبةٍ من جذبات الرّحمان، فإنّها توازي أعمال الثقلين، وليس ذلك باختيار العبد، نعم اختيارُ العبد في أنْ يتعرّض لتلك الجذبة، بأن يقطع عن قلبه جواذب الدّنيا، فإنّ المجذوب إلى أسفل السافلين، لا يُجذب إلى أعلى علَّيّين، وكلّ منهوم بالدّنيا فهو منجذبٌ إليها
فقطع العلائق الجاذبة هو المراد بقوله عليه السّلام: "إِنَّ لِرَبِّكُمْ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ أَلاَ فَتَعَرَّضُوا لَهَا"
وذلك لأنّ تلك النفحات والجذبات لها أسبابها السماويّة إذ قال تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} (الذاريات: 12)
وهذا أعلى أنواع الرّزق، والأمور السماويّة غائبةٌ عنّا فلا ندري متى يُيسّرُ اللَّهُ تعالى أسبابَ الرزق، فما علينا إلا تفريغ المحلّ، والانتظار لنزول الرّحمة، وبلوغ الكتاب أجله.
كالَّذي يُصلحُ الأرض ويُنقّيها من الحشيش ويبثّ البذر فيها، وكلُّ ذلك لا ينفعه إلا بمطر، ولا يدري متى يُقدّر اللَّهُ أسبابَ المطر، إلا أنّه يثق بفضل اللَّه تعالى ورحمته، أنّه لا يُخلي سنة عن مطر
فكذلك قلَّما تخلو سنة وشهر ويوم عن جذبةٍ من الجذبات ونفحة من النّفحات، فينبغي أن يكون العبد قد طهّر أرضَ القلب من حشيش الشهوات، وبذر فيه بذر الإرادة والإخلاص، وعرّضه لمهابِّ رياح الرّحمة
وكما يقوى انتظار الأمطار في أوقات الرّبيع، وعند ظهور الغيم، فيقوى انتظار تلك النفحات في الأوقات الشريفة، وعند اجتماع الهمم وتساعُدِ القلوب، كما في يوم عرفة ويوم الجمعة وأيّام رمضان
فإنّ الهمم والأنفاس أسبابٌ بحكم تقرير اللَّه تعالى لاستدرار رحمته، حتّى يُستدرَّ بها الأمطار في أوقات الاستسقاء، وهي لاستدرار أمطار المكاشفات ولطائف المعارف من خزائن الملكوت، أشدّ مناسبة منها لاستدرار قطرات الماء واستجرار الغيوم من أقطار الجبال والبحار...
-----------------------------
المصدر: كتاب "المحجّة البيضاء في تهذيب الإحياء" للفيض الكاشاني (رض)
تعليق