اللهم صل على محمد وآل محمد
فضّل الله تعالى أيّاماً على أيّام، وساعات على ساعات، وأشهراً على أشهر، وميَّز بعض الأزمنة على بعض؛
- وأمّا الزمان فقد حمل شهر رجب المرجّب الكثير من الفضل؛ لأنّه حمل نسمات الإله عزَّ وجلَّ بالبعثة لرسول الإنسانيّة النبيّ محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛
-،فكانت نهاية جهلنا وكشف الدجى عن صبحنا الأبلج، فأخرجنا صلى الله عليه وآله وسلم بذلك من الظلمات إلى النور.
- وهذا شهر شعبان المبارك باركه جلَّ وعلا بولادات شخصيّات متميّزة بأدائها فكانت للبشريّة نوراً وهداية،
- فقد وُلد الإمام الحسين بن عليّ عليه السلام سبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته في الثالث منه،
- وولد الإمام زين العباد عليّ بن الحسين عليه السلام في الخامس منه،
- ووُلد أبو الفضل العبّاس في الرابع منه، ومنَّ الله علينا بوارث الأرض الحجّة ابن الحسن قائم آل محمّد في الخامس عشر من شعبان عجل الله تعالى فرجه الشريف.
شعبان شهري
تتنزّل لطائف الرحمن في شهر شعبان؛ لتملأ أيّامه ولياليه بالخير وقبول الدعوات، والأرزاق فيه وفيرة، فهي زاد ليومٍ لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلّا من أتى الله بقلب سليم.
شهر شعبان هو الشهر الثامن من شهور السنة الهجريّة، وقد سُمّي بهذا الاسم لأنّ العرب كانوا يتشعّبون فيه بالأرض، أي ينتشرون فيه بحثاً عن الماء،
- وقد عاد النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وصحّح تسميته، بما روى عنه أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه قال:
"... إنَّما سُمّي شعبان؛ لأنّه يتشعّب فيه خير كثير للصائم فيه حتّى يدخل الجنّة"(1).
- إنَّ لشهر شعبان فضلاً وميزةً مُتمثّلةً بكونه الشهر السابق لأفضل شهور السنة شهر رمضان المبارك؛
- حيث يكون شعبان شهر قربان يقدّمه العبد المؤمن، ليتهيّأ استعداداً لشهر رمضان وتهيئة النفس لاستقباله؛
- لذا علينا السعي للوصول لهذا التوفيق الربّانيّ بالدعاء والاجتهاد في شهر شعبان من أجل ضمّنا إلى لائحة الذاكرين العابدين السائحين.
شعبان فرصة لمضاعفة الحسنات
دلّت الأخبار الواردة عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأئمّة الهدى عليهم السلام، أنّ فضائل هذا الشهر العظيم كثيرة، والأجر فيه مضاعف،
- وهو شهر شريف، وحملة العرش تعظّمه وتعرف حقّه، وهو شهرٌ تزداد فيه أرزاق المؤمنين كشهر رمضان، وتُزيَّن فيه الجنان...
- وهو شهرٌ يُضاعَف فيه العمل؛ الحسنة بسبعين، والسيّئة محطوطة، والذنب مغفور، والحسنة مقبولة، والجبّار جلّ جلاله ينظر إلى صوّامه وقوّامه، فيباهي بهم حملة العرش.
- فالفضل فيه كثير والعمل كلّه مقبول، ولكن على المؤمن السالك المسارعة إلى الخير، والتسابق إلى صالح الأعمال قبل نهاية العمر وحلول ساعة الأجل.
من مستحبّات أعمال الشهر وأفضلها
1- الصوم: فهو جُنَّةٌ من النار، وذخر نافع يوم التناد (القيامة)، فعن أسامة بن زيد، قال: "قلت: يا رسول الله، لم أرَك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان،
- قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربّ العالمين، فأحبّ أن يُرفع عملي وأنا صائم"(2).
- ورد عن صفوان بن مهران الجمّال قال: "قال لي أبو عبد الله عليه السلام: حُثَّ مَن في ناحيتك على صوم شعبان،
- فقلت: جُعلت فداك، ترى فيها شيئاً؟
- فقال: نعم، إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى هلال شعبان، أمر منادياً، فنادى في المدينة:
- يا أهل يثرب، إنّي رسول رسولِ الله إليكم، ألا إنّ شعبان شهري، فرحم الله من أعانني على شهري،
- ثمّ قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السلام كان يقول: ما فاتني صوم شعبان منذ سمعت منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينادي في شعبان، فلن يفوتني أيّام حياتي صوم شعبان إن شاء الله.
- ثمّ كان عليه السلام يقول: صوم شهرين متتابعين توبة من الله"(3).
2- الاستغفار: وذلك بأن تقول في كلّ يوم سبعين مرّة: "أستغفر الله وأسأله التوبة"، و"أستغفر الله الذي لا إله إلّا هو الرحمن الرحيم، الحيّ القيّوم وأتوب إليه". روى إبراهيم بن ميمون عن الإمام الرضا عليه السلام قال: "قلت: فما أفضل الدعاء في هذا الشهر؟ فقال: الاستغفار، إنّ مَن استغفر في شعبان كلّ يوم سبعين مرّة كان كمن استغفر في غيره سبعين ألف مرّة، قال: فكيف أقول؟ قال: قل: أستغفر الله وأسأله التوبة"(4).
وعنه عليه السلام أيضاً: "مَن استغفر الله في شعبان سبعين مرّة، غفر الله ذنوبه، ولو كانت مثل عدد النجوم"(5).
- ويستفاد من الأخبار أنّ من أحسن وأفضل الأذكار في هذا الشهر الشريف هو الاستغفار، والتهليل، والإكثار من قولك: "سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر".
3- التصدّق: بما تيسّر ولو بشقّ تمرة.
- والصدقة هي ما يُخرجه الإنسان من ماله أو طعامه أو أعماله، وقد ورد في الأخبار أنّ التبسّم، والكلمة الطيّبة، وعمل المعروف، وغيره على وجه القربة إلى الله، أي بلا رياء ولا مِنّة، هو صدقة أيضاً.
- والصدقة في الأصل تقال لصدقة المال المستحبّة، وأفضل الصدقة ما كانت لذي القربى.
ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له:
- "أما علمتَ أنّ صدقة المؤمن لا تخرج من يده حتّى تفكّ بها عن لحيي سبعين شيطاناً، وما تقع في يد السائل حتّى تقع في يد الربّ تبارك وتعالى"(6).
سُئل الإمام الصادق عليه السلام: يا بن رسول الله! ما أفضل ما يُفعل فيه (في شعبان)؟
- قال: "الصدقة والاستغفار، ومن تصدّق بصدقة في شعبان ربّاها الله تعالى، كما يربّي أحدكم فصيله حتّى يوافي يوم القيامة وقد صار مثل أُحد (جبل أُحد)"(7).
4- التهليل: وذلك بأن تقول في مجموع الشهر كلّه ألف مرّة: "لا إله إلّا الله، ولا نعبد إلّا إيّاه، مخلصين له الدين ولو كره المشركون".
5- صلاة ركعتين في كلّ يوم خميس من شعبان المعظّم: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "فمن صلّى فيه ركعتَين: يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب و(قل هو الله أحد) مئة مرّة، فإذا سلّم صلّى على النبيّ مائة مرّة، قضى الله له كلّ حاجة من أمر دينه ودنياه"(8).
6- قراءة الصلوات الشعبانيّة: منها ما رُوي عن إمامنا زين العابدين عليه السلام أنّه كان يدعو بها عند كلّ زوال من أيّام شعبان، وفي ليلة النصف منه، وهي:
"اللّهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد شجرة النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي..."(9).
7- قراءة المناجاة الشعبانيّة: وهي مرويّة عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ونصّها موجود في كتب الأدعية، ولها خصوصيّة كبرى، ومعانٍ عظمى حتّى قيل فيها الكثير.
لحظات نورانيّة مع المناجاة الشعبانيّة
- الإمام الخمينيّ قدس سره:
- "أنا لم أرَ في الأدعية، أيّ دعاء قيل إنّ جميع الأئمّة عليهم السلام كانوا يقرؤونه إلّا دعاء المناجاة الشعبانيّة، ولم أرَ أنّ الأئمّة عليهم السلام كانوا يدعون بدعاء آخر غير المناجاة الشعبانيّة؛ لأنّ المناجاة الشعبانيّة هي لإعدادكم، لإعداد الجميع لضيافة الله عزَّ وجلَّ"(10).
آية الله الملكي التبريزي: "ومناجاته الشعبانيّة معروفة، وهي مناجاة عزيزة على أهلها، يحبّونها ويستأنسون بشعبان من أجلها، بل ينتظرون مجيء شعبان ويشتاقون إليه من أجلها.
- وفي هذه المناجاة علوم جمّة في كيفيّة تعامل العبد مع الله جلَّ جلاله، وبيان وجوه الأدب التي ينبغي أن نلتزمها ونتأدّب بها عندما نسأل الله تعالى حوائجنا، وندعوه سبحانه ونستغفره... إنَّ هذه المناجاة مناجاة جليلة ونعمة عظيمة من بركات آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، يعرف قدر عظمتها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد"(11).
السيّد الخامنئيّ دام ظله: "إنَّ المناجاة الشعبانيّة المأثورة -والتي رُوِي أنَّ أهل البيت عليهم السلام كانوا يداومون عليها- هي أحد الأدعية التي لا يُمكن إيجاد نظير لمعانيها العرفانيّة، ولسانها البليغ، ولمضامينها العالية جدّاً،
- المليئة بالمعارف الرَّفيعة، على الألسنة الجارية وفي المحاورات العاديّة، بل ليس مُمكناً أصلاً أن تُنشأ بمثل تلك الألسنة.
- إنَّ هذه المناجاة، هي النموذج الكامل مِن تضرّع أكثر عباد الله الصالحين قُرْباً واصْطِفاءً، بين يدَي معبوده ومحبوبه، الذات الربوبيّة المقدَّسة"(12).
- إنّها مِن جهة درسٌ من المعارف، وهي أيضاً أُسوةٌ في كيفيَّة إظهار الحاجة وطلب الإنسان المؤمِن من الله.
---------------
المصادر
1.الإقبال، ابن طاووس، ج3، ص294.
2.السنن الكبرى، النسائي، ج2، ص120.
3.مصباح المتهجّد، الطوسي، ص825.
4.فضائل الأشهر الثلاثة، الصدوق، ص 56.
5.الخصال، الصدوق، ج5، ص582.
6.وسائل الشيعة (آل البيت)، الحرّ العاملي، ج9، ص434.
7.إقبال الأعمال، (م.س)، ج3، ص294.
8.وسائل الشيعة (آل البيت)، (م.س)، ج8، ص104.
9.الصحيفة السجّاديّة، دعاؤه عليه السلام عند زوال كلّ يوم من شعبان في ليلة النصف منه، ص203.
10.صحيفة نور، ج13، ص31.
11.المراقبات، الملكي التبريزيّ، الفصل الثامن- في مراقبات شهر شعبان المعظّم.
12.من كلام له دام ظله بتاريخ 25 شعبان 1422هـ.
------------------
منقول بتصرف عن
الشيخ إبراهيم نايف السباعي
تعليق