اللهم صل على محمد وآل محمد
﴿الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ o ﴿27﴾
﴿ الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّه مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾
وصف الله الفاسقين المذكورين في الاية بانهم ينقضون عهد الله اي يهدمونه لا يفون به وينقضون ما ابرموا من عهد موثق.
وفيه عدة تفاسير:
الاول : أنه ركّب في عقولـهم من أدلة التوحيد والعدل وتصديق الرسل وما احتج به لرسله من المعجزات الشاهدة لهم على صدقهم ونقضهم لذلك تركهم الإقرار بما قد بُيّنت لهم صحته بالأدلة.
والثاني : أنه وصية الله إلى خلقه على لسان رسوله بما أمرهم به من طاعته ونهاهم عنه من معصيته ونقضهم لذلك تركهم العمل به.
والثالث : أن المراد به كفار أهل الكتاب وعهد الله الذي نقضوه
﴿ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ﴾ وهو ما أخذه عليهم في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتصديق بما جاء به من عند ربه ونقضهم لذلك هو جحودهم به بعد معرفتهم بحقيقته وكتمانهم ذلك عن الناس بعد أن أخذ الله ميثاقهم ليبينه للناس ولا يكتمونه وأنهم إن جاءهم نذير آمنوا به فلما جاءهم النذير ازدادوا نفوراً ونبذوا العهد وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً واختار هذا الوجه الطبري.
والرابع : أنه العهد الذي أخذه عليهم حين أخرجهم من صلب آدم كما وردت به القصة وهذا الوجه ضعيف لأنه لا يجوز أن يحتج على عباده بعهد لا يذكرونه ولا يعرفونه ولا يكون عليه دليل.
﴿ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ﴾
معناه أمروا بصلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين فقطعوهم عن الحسن.
وقيل أمروا بصلة الرحم والقرابة فقطعوها عن قتادة.
وقيل أمروا بالإيمان بجميع الأنبياء والكتب ففرقوا وقطعوا ذلك.
وقيل أمروا بأن يصلوا القول بالعمل ففرقوا بينهما بأن قالوا ولم يعملوا.
وقيل معناه الأمر بوصل كل من أمر الله بصلته من أوليائه والقطع والبراءة من أعدائه وهذا أقوى لأنه أعم ويدخل فيه الجميع.
فهم يقطعون صلة العبد بربه والصله بين الاعمال والتكاليف فهم يقطعون صلة العقيدة والاخوة الايمانية التي لا تقوم على صلة الدم ويقطعون صلة الانسانية.
﴿ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾
قيل استدعاؤهم إلى الكفر هو الفساد في الأرض.
وقيل إخافتهم السبيل وقطعهم الطريق.
وقيل نقضهم العهد.
وقيل أراد كل معصية تعدى ضررها إلى غير فاعلها والأولى حمله على العموم.
فهم يغيرون وظائف الاعظاء عن مهامها . فالافساد هو خروج الامر عن حد اعتداله لوظيفته وهل هناك افساد اكبر من تغيير منهج الله.
﴿أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾
أي اهلكوا أنفسهم فهم بمنزلة من هلك رأس ماله وروي عن ابن عباس أن كل ما نسبه الله تعالى من الخسار إلى غير المسلمين فإنما عنى به الكفر وما نسبه إلى المسلمين فإنما عنى به الدنيا.
فقد خسروا العهد وخسروا صلتهم بربهم وخسروا الانتفاع بمنهجه واحكامه.
-----------------------
مختصر تفسير الميزان
للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله.
تعليق