اللهم صل على محمد وآل محمد
كنت كلما مررت بذاك الشارع المجاور للجامعة أثناء تحضير رسالة الماجيستير وجدت نفس الفتاة تجلس وقد وضعت أمامها بعض أكياس المناديل بينما انشغلت هي بالكتابة في أوراق بيدها ،
لم أهتم في البداية ومرة بعد مرة زادني الأمر فضولًا تُرى ماذا تكتب
وقفت لأشتري منها مناديل وقلت:
-ماذا تفعلين ...
أجابت دون أن تنظر ...
=أحاول انهاء الواجب المدرسي قبل عودة أمي ...
-وأين أمك !؟
=في إحدى البيوت المجاورة تمسح السلالم
-هل تذهبين الى المدرسة !؟
=نعم ... فبعد وفاة أبي أصرت أمي على أن ندرس
-ألديكِ أخوات !؟
=نعم ثلاثة من الاناث ..واثنين من الذكور ...
-أين هم !؟
اختي الكبرى تجلس مع الصغار وتعد أعمال المنزل ريثما نعود في آخر النهار... بينما يعمل أخي سالم في إحدى ورش السيارات ويعمل ابراهيم في مسح السيارات .
استكملت الحديث معها كثيرا وحاولت أن اعطيها المزيد من النقود لكنها لم تقبل أبدا .
لكن عرفت من حديثها أنها تدرس في مدرسة الحي في الصف الثالث الابتدائي .
في اليوم التالي ذهبت الى المدرسة وسألت عنها رأيتها تجلس وحدها ليس لديها أي أصدقاء أو ربما ينفر الجميع منها كما أخبرتني المعلمة ،
حتى أن ملابسها تبدو قديمة لا تملك أي مصروف شخصي كزميلاتها ، على الرغم من كونها متميزة جدا وذكية في دراستها
احزنني ذلك كثيرا فقدمت إلى المديرة بعض المال وطلبت منها أن تكرم هذه الفتاة في اليوم المقبل باعتبارها طالبة مثالية وتقدم إليها هدية تشمل بعض الدفاتر والأقلام وماينقصها في دراستها مع ثوب جديد ، وذلك لعفة نفسها وعدم تقبلها الصدقة من أحد ، لم تمانع المديرة في ذلك كما أنها أمدتني أيضا بعنوانها كما طلبت منها.
عدت يومها الى منزلي وبداخلي جزء كبير من الراحة لشعوري أنها ستفرح كثيرا بذلك ، وبينما نتناول العشاء لم يكن زوجي على مايرام حاولت أن اعرف ماذا يحزنه هكذا لكن لم يتحدث ..
توقعت كما لو أن أحدا من أهله حدثه بشأن الانجاب -الذي تأخر أربعة أعوام - ولا يريد أن يخبرني كيلا أحزن .
في اليوم التالي وقبل ذهابي الى الجامعة ذهبت الى منزل الفتاة وأخبرت والدتها أني سأقدم إليها في كل شهر مبلغ من المال لأجل دراسة ابنتها مع تأكيدي لها أن هذه جائزة من المدرسة لكونها طالبة مثالية ،
فرحت الأم كثيرا بهذه المنحة وبقيت أنا على وعدي لطوال سنواتٍ كثيرة ،
عشت هذه السنوات في سعادة كثيرة كان الخير يأتي إليّ من كل باب اقصده ،
أنجبت اثنين من الاناث ومثلهم من الذكور ،
حصلت على الماجيستير
وتبعته بالدكتوراه ،
ترقى زوجي في عمله مرات متكررة
تبدلت حياتنا كثيرا كثيرا ولم يكن يعلم زوجي كيف ذلك ،
بينما كنت اعلم أنه سر الصدقة التي اقوم بها الى هذه البنت وكلما ازددنا كلما قدمت اليها المزيد .
اليوم أراها تجلس بين طلابي في كلية الطب تعد أكثرهن تفوقاً وتميزًا لا تعلم أني معها منذ طفولتها ولا تعلم أنها سر كل ماوصلت إليه في حياتي .
تعليق