ورطة رجل اعلامي
بعد برهة صمت راح يتفرس بها الحاج وجه السماء من خلال النافذة، وانا مطمئن تماما ان لابد أن يلتقط فكرة ما سؤالا ما او شيئا من هذا القبيل... فعقل مثل هؤلاء الناس لايتوانى عن التمحيص والتدقيق في كل مايمر امام نواظرهم.. واذا به يحقق ما راحت اليه فراستي، فسألني بهدوء كبير دون ان ينظر الي او يجهد نفسه وانما كان سؤالا تأمليا عابرا: ما هذه... واشار بيديه الى الاعلى الى فوق؟ قلت: هي سماء.. فسأل على طريقته المعهودة: يعني؟ قلت: يقول ابن قتيبة: كل ما علاك فأظلك... فقال: ويعني؟ اجبته: سقف البيت يسمى سماء، والسحاب سماء، فقد قال الله تعالى: و(نزلنا من السماء ماء مباركا) فعرفنا انه جل وعلا يريد السحاب... قال برضى وهو مايزال على وضعه: جيد جيد ايها الاعلامي الرائع... لكن ما الفلك؟.
قلت مع نفسي: انا عرفته.. هذا الرجل لايمكن ان يترك الامر دون ان يبحث فيه، ورحت اتأمل في معنى الفلك، فتوصلت الى مدار النجوم ـ واستشهدت بقوله تعالى: (كل في فلك يسبحون) وكنت اتصور ان القضية انتهت الى هذا الحد، لكن علمني الحاج من خلال هذه الورطة، ان لكل موضوع زاوية ـ حتى صرت اقلق فعلا من تلك الزوايا خشية الاحراج ـ قال: لماذا سمي فلكا؟ :- أوه المسألة صعبة يا حاج، لكن على ما اعتقد واتصور انه سمي فلكا لاستدارته. صاح الحاج: جيد، والاستدارة لماذا سميت فلكا؟ :- لا حاج هذه صعبة، وحتى عند اهل الاختصاص.. اجابني الحاج:ـ بسيطة بسيطة لابأس عليك سمي نسبة الى فلك المغزل... ثم قال: المهم ياولدي ان اجمل ما فيك انك تصغي جيدا، والاصغاء جزء كبير من عملية المواصلة والمثاقفة والمعرفة... ما ان سكت سألت نفسي: ولِمَ لا آخذ انا دور الحاج، فرحت كثيرا للفكرة فقلت لاستنتج سؤالا:- قل لي حاج (هكذ فخمت لهجتي) وماذا يعني الاصغاء؟ ابتسم الحاج وكأنه فهم اللعبة، وأعجبه ان يسايرني بها، قال: الإصغاء يعني طلب ادراك المسموع، بإمالة السمع اليه، ما اسمع ادراك فقط. قلت مقلدا الحاج: ويعني؟ قال: صغا ـ يصغو اذا مال ـ تأمل قوله تعالى: (فقد صغت قلوبكما) أي مالت ـ قلت: أنا اشهد انك من خيرة اللغويين في العراق؟ ابتسم الحاج ونظر الي وقال: ماعلاقة ما تشهد به الان بالعسل؟ قلت مستفسرا: نعم؟ العسل اسمه شهد؟ حينها لا بد من تقارب بين المفردة قلت بعد برهة صمت: لابد أن الحاج يقصد مفردة الشهادة. قال: ويعني؟ قلت: رؤيا لا تصح إلا مع العلم لها. سأل: ويعني؟ قلت: والعسل سمي شهدا على ماشهد في موضعه؛ فالشهادة إدراك الشيء بسمع أو دراية. قال: ويعني؟ قلت: الشاهد بمعنى الحدوث والشهيد الثبوت. قال: ويعني؟ قلت: إذا تحمل الشهادة فهو شاهد، وإذا ثبت تحمله لها لأكثر من زمان سمي شهيدا... ولو تأملت قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) فأن الطلب أنما يكون قبل حصر المطلوب.
بعد برهة صمت راح يتفرس بها الحاج وجه السماء من خلال النافذة، وانا مطمئن تماما ان لابد أن يلتقط فكرة ما سؤالا ما او شيئا من هذا القبيل... فعقل مثل هؤلاء الناس لايتوانى عن التمحيص والتدقيق في كل مايمر امام نواظرهم.. واذا به يحقق ما راحت اليه فراستي، فسألني بهدوء كبير دون ان ينظر الي او يجهد نفسه وانما كان سؤالا تأمليا عابرا: ما هذه... واشار بيديه الى الاعلى الى فوق؟ قلت: هي سماء.. فسأل على طريقته المعهودة: يعني؟ قلت: يقول ابن قتيبة: كل ما علاك فأظلك... فقال: ويعني؟ اجبته: سقف البيت يسمى سماء، والسحاب سماء، فقد قال الله تعالى: و(نزلنا من السماء ماء مباركا) فعرفنا انه جل وعلا يريد السحاب... قال برضى وهو مايزال على وضعه: جيد جيد ايها الاعلامي الرائع... لكن ما الفلك؟.
قلت مع نفسي: انا عرفته.. هذا الرجل لايمكن ان يترك الامر دون ان يبحث فيه، ورحت اتأمل في معنى الفلك، فتوصلت الى مدار النجوم ـ واستشهدت بقوله تعالى: (كل في فلك يسبحون) وكنت اتصور ان القضية انتهت الى هذا الحد، لكن علمني الحاج من خلال هذه الورطة، ان لكل موضوع زاوية ـ حتى صرت اقلق فعلا من تلك الزوايا خشية الاحراج ـ قال: لماذا سمي فلكا؟ :- أوه المسألة صعبة يا حاج، لكن على ما اعتقد واتصور انه سمي فلكا لاستدارته. صاح الحاج: جيد، والاستدارة لماذا سميت فلكا؟ :- لا حاج هذه صعبة، وحتى عند اهل الاختصاص.. اجابني الحاج:ـ بسيطة بسيطة لابأس عليك سمي نسبة الى فلك المغزل... ثم قال: المهم ياولدي ان اجمل ما فيك انك تصغي جيدا، والاصغاء جزء كبير من عملية المواصلة والمثاقفة والمعرفة... ما ان سكت سألت نفسي: ولِمَ لا آخذ انا دور الحاج، فرحت كثيرا للفكرة فقلت لاستنتج سؤالا:- قل لي حاج (هكذ فخمت لهجتي) وماذا يعني الاصغاء؟ ابتسم الحاج وكأنه فهم اللعبة، وأعجبه ان يسايرني بها، قال: الإصغاء يعني طلب ادراك المسموع، بإمالة السمع اليه، ما اسمع ادراك فقط. قلت مقلدا الحاج: ويعني؟ قال: صغا ـ يصغو اذا مال ـ تأمل قوله تعالى: (فقد صغت قلوبكما) أي مالت ـ قلت: أنا اشهد انك من خيرة اللغويين في العراق؟ ابتسم الحاج ونظر الي وقال: ماعلاقة ما تشهد به الان بالعسل؟ قلت مستفسرا: نعم؟ العسل اسمه شهد؟ حينها لا بد من تقارب بين المفردة قلت بعد برهة صمت: لابد أن الحاج يقصد مفردة الشهادة. قال: ويعني؟ قلت: رؤيا لا تصح إلا مع العلم لها. سأل: ويعني؟ قلت: والعسل سمي شهدا على ماشهد في موضعه؛ فالشهادة إدراك الشيء بسمع أو دراية. قال: ويعني؟ قلت: الشاهد بمعنى الحدوث والشهيد الثبوت. قال: ويعني؟ قلت: إذا تحمل الشهادة فهو شاهد، وإذا ثبت تحمله لها لأكثر من زمان سمي شهيدا... ولو تأملت قوله تعالى: (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) فأن الطلب أنما يكون قبل حصر المطلوب.