خمّنت الحديث الذي دار قبل صعودي الحافلة، حيث يبدو ان إحدى السيدات سألت الجالس امامي الرجل المعتد بنفسه عن خوف ابنها الرضيع؟ فسمعت الرجل يقول لها: هناك خوف طبيعي وهناك خوف مرضي، والخوف الطبيعي ظاهرة طبيعية، وتتكون عبر ردة فعل لمؤثر خارجي. فقاطعته فورا: عفوا استاذ هذه المرأة سألتك عن حالة طفلها الرضيع، هكذا فهمت المسألة، وبهذا نصبح امام حالة لا تعي معنى الخوف؟ انتهى اعتراضي ولاحظت القبول على وجوه جميع من يجلس في السيارة. فقال الاستاذ ليردني: عزيزي... الطفل يدرك الخوف، وهذا ما اشار اليه الدكتور (اسعد الامارة) نعم هو يدركه تماما، فتراه يلجأ الى الحماية، ويظهر الخوف على وجهه. وأكد علماء النفس: ان الخوف يصاحبه دائما زيادة في معدل ضربات القلب حتى عند الاطفال... فعدت الى إلحاحي الفضولي وقلت: المرأة تسألك عن رضيعها، وليس عن طفلها، والفارق كبير بين طفل تحسس المدركات، وبين رضيع في قماطه لايدري ما يجري حوله... وقلت مع نفسي: طيِّب... مازال الناس هنا معجبين باعتراضاتي، فانا اعتقد ان هذه الاسئلة موجودة في صدورهم ايضا. فاجابني الاستاذ جواب الواثق من نفسه: الكثير من الدراسات النفسية اشارت إلى ان الطفل وفي سن العشرة ايام يدرك الخوف، ويبدي ردة فعل دفاعي، فاذا قرّبت الاشياء من وجهه ستشعر بمخاوفه. قلت معترضا: كيف لا اعترض وانا الفضولي رقم واحد في كربلاء، وهذا الرجل هيّج لي كل ما املك من فضول، حتى اني تصدرت المسألة، وسكتت المرأة المسكينة وهي تنظر لكلينا تريد ان تفهم ما يجري؟! فقلت: هل يُعقل يا استاذ ان طفلا بعمر عشرة ايام ويدرك بعقله وبصيرته؟ اجاب: لا انا لم اقل هذا لكني قلت انه يدرك ببصره ويسمى علميا (الادراك البصري) ويستطيع اثناء نموه ان يفسر كل المواقف، فما كان يخاف منه في الطفولة لايخاف منه في البلوغ... قلت مع نفسي: أووه... هذا الرجل استولى على افكار من في السيارة، ولابد ان اثبت له اني لست اقل ثقافة منه، فقلت:ـ إذا هي الصورة المرضية للخوف المرضي؟ فقال: هذا الامر يحتاج الى تشخيص وعلاج كالخوف الوهمي مثلا خوف الطفل من الوجوه الغريبة عليه، ومن البرق والرعد وانسياب المياه... وسيخاف بعد ذلك من الشرطي والمعلم والمدرسة... وهكذا سكت الجميع امام لباقتي وفضولي المثقف، وربما شعر البعض بالامتعاض من إلحاحي وفضولي غير المبرر، فقلت: هل ثمة تحديدات عمرية لحالات الخوف؟ فقال: ان الطفل بعمر الستة اشهر يتعرف على كامل عائلته، ولكنه لايدرك نوع العلاقة، وصلة القرابة، وحين يدخل شهره الثامن يحاول التقرب من المرآة ويضرب صورته بيديه ويتساءل مع نفسه من هذا الجالس امامي؟ ويرى الدكتور (اسعد الامارة): انها لحظات النمو النفسي. ويراها (لاكان) وهو عالم في التحليل النفسي: هي وظيفة نموذجية لعلاقة الفرد بصورته. قلت: وهذا يعني النموذج الاول للأنا، ويدرك من خلال اناه في المرآة انه ليس لوحده في هذا العالم مع اسرته، فيلد هنا يا استاذ اما القبول او الخوف منه، ويتواصل بل ويتنامى معه... وقفت السيارة وترجّل الناس وانا قررت ان اكون آخر من ينزل منها.
أعجبني
تعليق
تعليق