بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في الواقع حينما نرجع الى الروايات الاسلامية الصادرة عن ائمة اهل البيت (سلام الله عليهم اجمعين) نجد الاهتمام الكبير في خصوص زيارة سيد الشهداء عن قريب او عن بعيد..
فلابد لزيارة المولى الحسين (عليه السلام) وباقي اهل البيت من فلسفة تكمن وراء تلك الروايات فتعالوا نعرف ما هي فلسفة الزيارة من بعيد؟..
نلاحظ أن الإمام الحسين (عليه السلام ) من أكثر الأئمة زيارة، فهناك زياراته المطلقة، وزياراته المقيدة: المطلقة في كل مناسبة، والمقيدة بحسب الأيام.. ما هي فلسفة السلام، وفلسفة الزيارة؟..
هنالك عدة فلسفات، منها:
الفلسفة الأولى: تحسيس النفس، وتحسيس الآخرين؛ بأن الإمام (عليه السلام) حي يرزق.. فالإنسان يسلم عادة على الأحياء، والإنسان كلما ذكر الإمام في مناسبة أو في غير مناسبة، من الطبيعي أن يتوجه للإمام بالسلام على أنه حي يرزق.. ونحن نقرأ في الزيارة: (أَشْهَدُ أَنَّكُمْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّكُمْ تُرْزَقُونَ)، (وَاَشْهَدُ اَنَّكَ تَسْمَعُ الْكَلامَ وَتَرُدُّ الْجَوابَ)؛ هذا المعنى مسلم.. ومن طرائف الزيارات يوم عاشوراء، الزيارة الثّانية "زيارة عاشُوراء غَير المشهُورة" التي في مفاتيح الجنان، يقول فيها: (السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسُولَ اللهِ، وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاءَ فِي وَلَدِكَ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ!.. السَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبَا الْحَسَنِ يا اَميرَ الْمُؤْمِنينَ، وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاءَ فِي وَلَدِكَ الْحُسَيْنِ!.. السَّلامُ عَلَيْكِ يا فاطِمَةُ يا بِنْتَ رَسُولِ رَبِّ الْعالَمينَ، وَعَلَيْكِ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَحْسَنَ اللهُ لَكِ الْعَزاءَ فِي وَلَدِكِ الْحُسَيْنِ!.. السَّلامُ عَلَيْكَ يا اَبا مُحَمَّد الْحَسَنَ، وَعَلَيْكَ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاءَ فِي اَخيكَ الْحُسَيْنِ!.. السَّلامُ عَلى اَرْواحِ الْمُؤْمِنينَ وَالْمُؤْمِناتِ الاَْحْياءِ مِنْهُمْ وَالاَْمْواتِ، وَعَلَيْهِمُ السَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ، اَحْسَنَ اللهُ لَهُمُ الْعَزاءَ فِي مَوْلاهُمُ الْحُسَيْنِ!.. اللّهُمَّ اجْعَلْنا مِنَ الطّالِبينَ بِثارِهِ مَعَ اِمام عَدْل، تُعِزُّ بِهِ الاِْسْلامَ وَاَهْلَهُ يا رَبَّ الْعالَمينَ).. يوم عاشوراء كل سلام إلى المعصوم تقول معه: وعليك السلام؛ أي أنا تلقيت منك الجواب، وهأنذا أقول: وعليك السلام.
فنحن بهذا السلام نعيش حالة حياة الأئمة والمعصومين (عليه السلام) {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}.. الشهداء في عالم البرزخ حلق وجماعات، ينتظرون الشهداء من بعدهم؛ هذه حالتهم.. فكيف بسيل الشهداء، وبهذه الكوكبة التي هي قمة الشهداء في التاريخ؟.. (فإني لا أعلم أصحاباً أولى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي).. وبالتالي، فإن هؤلاء وبمنطق القرآن الكريم أحياء يرزقون.
إن فرق الإنسان الحي عن الإنسان الميت، كالفرق بين الراكب والراجل: إنسان يركب دابة ثم ينزل ويركب سيارة ثم ينزل، هل تغيرت ماهيته؟.. الإنسان وهو في السيارة يعتبر راكبا، وعندما ينزل يصبح راجلاً؛ هل هو شخصان، أو شخص واحد؟.. هذه الأبدان الترابية هي عبارة عن مطية ودابة لأحدنا، يقضي بها مآربه: يأكل، ويمشي، ويصلي بهذه الأبدان، التي مصيرها إلى التراب والديدان.. هذه الأبدان التي يهتم بها الإنسان ويجملها؛ هي عبارة عن مطايا ودواب مؤقتة، ويوم القيامة نُحشر بوضع جديد.. فالروح بالنسبة للإنسان الحي والإنسان الميت، هي الروح: ولكنها كانت راكبة للبدن، ومن ثم ترجلت منه، وأصبحت في عالم البرزخ.. وعليه، فإنه ليس هناك فرق كبير جداً بين الحي وبين الميت، إلا كالفرق بين الراكب وبين الراجل.. فحقيقة الحسين، وحقيقة أمير المؤمنين، وحقيقة الشهداء، وحقيقة الزهراء، وحقيقة النبي (صلى الله عليه واله)؛ هذه حقائق ثابتة ونورية.. النبي (صلى الله عليه واله) يقول: (كنت نبيا وآدم (عليه السلام) منخول في طينته).. (كنت نبيا وآدم بين الماء والطين، وكنت نبيا ولا آدم ولا ماء ولا طين).. حقيقة النبي، ونور النبي، وروح النبي؛ مخلوقة قبل خلقة آدم (عليه السلام).
فإذن، إن السلام فيه إشعار، وفيه إعلان موقف: أن المسلّم عليه حي يرزق، لا شك في ذلك.. ولهذا بعض العلماء يوصي عند دخول مراقد الأئمة (عليه السلام) بأن يكون الإنسان مؤدباً في كل حركاته وسكناته.. مثلا: بعض الزوار يضرب طفله في الحرم، من باب أنه مشاكس أو ما شابه ذلك؛ هذه الحركة في محضر المعصوم هي خلاف الأدب.. وكذلك الجنب يحرم عليه دخول المساجد هذا المعروف، أما لماذا حرم على الجنب دخول مشهد المعصوم؟.. من الأدلة على ذلك: أن الإمام (عليه السلام) في رواية اعترض على من زاره في حياته وهو جُنب، قال الحسين (عليه السلام) لأعرابي أقبل إلى المدينة فدخل عليه: (أما تستحيي يا أعرابي أن تدخل إلى إمامك وأنت جنب)؟.. قال الفقهاء: إن الإمام نهى عن الدخول على المعصوم جُنباً، وبما أن المعصوم الميت كالمعصوم الحي، فدخول مشاهد الأئمة (عليهم السلام) مع الجنابة لا يجوز؛ هذه فتوى العلماء!.. وكذلك من الأدب عدم الدخول على مشاهد الأئمة (عليه السلام) بذهول، ولهذا الزائر عليه أن لا يطيل الجلوس في المشهد، إذا كان هذا الجلوس مما يوجب له قساوة القلب، كأن يجلس أمام الضريح وهو يخفق برأسه نعساًً، لعل هذا من صور الإخلال بالأدب مع المعصوم الذي يُزار.
الفلسفة الثانية: الارتفاع إلى مستوى المخاطب.. عندما يدخل إنسان على سلطان مملكة، ويؤذن له بالسلام على ذلك السلطان، يُعلم أن له مكانة ما، وإلا لما سُمح له بمواجهة ذلك الملك أو السلطان أو الأمير.. إذن السلام نوع من أنواع الترقي والرقي، وكأن لسان حال الزائر يقول: أي يا مولاي!.. أنا أحب أن أصل إلى مستوى السلام عليك.. حبيب بن مظاهر عندما كان خارج الخيمة، وثم أبلغ سلام زينب (عليها السلام) لعله بكى، ولكنه اهتز طرباً: أنه كيف السيدة زينب (عليها السلام) تُبلغه السلام!..
وعليه، فإن السلام فيه نوع من المواجهة، ونوع من الارتفاع في المستوى.. ولهذا حضور القلب مطلوب في كل شيء، فالعمل الذي لا حضور فيه؛ لا قيمة له.. الصلاة بلا حضور، لا قيمة لها.. عن السجاد (عليه السلام): (إنّ العبد لا يقبل من صلاته، إلاّ ما أقبل عليه منها بقلبه).. هذه نظرية واضحة، علينا أن نطبق هذه النظرية على كل شيء: فالدعاء الذي لا إقبال فيه لا يُرفع، وكذلك السلام.. البعض يزور الأئمة يومياً في ثلاث جهات، وكأنها روتين يومي، يتحرك ببدنه من دون شعور.. فهو يواجه سيد الشهداء، ويقول: السلام عليك يا أبا عبد الله!.. لذا عليه أن يكون على مستوى السلام.. مشكلتنا أننا قلبنا الحياة، وقلبنا العبادات، وقلبنا المأثورات من الأدعية والزيارات، إلى حالة روتينية لا روح فيها.. يسلم الإنسان أو يقرأ الزيارة وهو في أعلى درجات الذهول.. إنسان واقف بهيئة غير محترمة، يعبث برأسه ولحيته، ويسلم على إمام زمانه، أو على المعصوم صلوات الله عليه!.. الجو ليس جو سلام أبداً!..
فإذن، علينا أن نعلم أنفسنا كيف نكون في مستوى الحديث مع الله -سبحانه وتعالى- في الصلاة، والدعاء، ومع النبي وآله (صلى الله عليه واله).
الفلسفة الثالثة: الخروج من المألوف، والانتقال بشكل فجائي إلى عالم الغيب، وعالم الرقي، وعالم التكامل.. إنسان في خضم العمل، وفي خضم مشاكله الحياتية، ولعله في حال غضب، أو في حال سهو، أو في حال شهوة؛ يوقف مسيرة ساعاته ويقول: السلام عليك يا أبا عبد الله!.. هذه الحركة كم هي جميلة!.. هل تعلمون أنه من زيارات الإمام الحسين (عليه السلام) المُعتبرة في كامل الزيارات، أن تنظر يميناً وشمالاً تحت السماء، وتقول: السلام عليك يا أبا عبد الله!.. حتى بعض العلماء، كان يكتفي بالغسل الذي يُغتسل لأجل هذه الزيارة، ويقول: أنه يغنيه عن وضوء الصلاة؛ لأنها من الزيارات المعتبرة في هذا المجال.
إنه لمن المناسب جدا للإنسان بين فترة وأخرى، وهو متشاغل مع أطفاله ومع زوجته في عالم لاه، أن يقطع ذلك ويُسلم سلاما واحدا على إمام زمانه وولي أمره.. هذه حركة جيدة، لو أن أحدنا تعودها؛ لاستذوقها وكررها في حياته في كل مناسبة.. فالإمام (عليه السلام) يوم عاشوراء قال: (شيعتي!.. مهما شربتم عذب ماء فاذكروني)، البعض عندما يشرب العصير أو يشرب الشاي -مثلاً- يقول: السلام عليك يا أبا عبد الله!.. يذكر الإمام؛ ويسلم عليه، ويلعن قاتليه.. (أو سمعتم بقتيل أو شهيد؛ فاندبوني)؛ هذه من آداب الموالي.. الدين عاطفة، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (فالدِّين هو الحبّ، والحبّ هو الدِّين).. ويمكن أن نقول: الدين عاطفة، الحب عاطفة.. فالإنسان المحب لا تقيده بروتوكولات معينة، لا ينتظر عاشوراء ليزور الحسين (عليه السلام)، هذا حب.. فهنيئاًً لمن انطلق من منطلق الحب لأئمته (عليه السلام) جميعاً.
تعليق