الثورة العراقية الكبرى ضد الإحتلال البريطاني
هل يعرف أهل كربلاء اليوم أن الثورة العراقية الكبرى انطلقت من مدينتهم؟ سؤال فاجأني به أحد الشهداء... فأجبته على الفور: نعم ولله الحمد. حينها عقب الشيخ الوقور صديق جدي: عندما شعر العراقيون بنوايا الانگليز الحقيقية، وأدرك الوطنيون انهم استبدلوا استعمارا عثمانيا باستعمار بريطاني فكروا بجدية الثورة، ونشر روح الثورة بين الناس.. عقب أحد الشهداء قائلا: لقد أقام أهل كربلاء استقبالا حافلا لآية الله الشيخ (محمد تقي الشيرازي) الذي قدم الى كربلاء لإتخاذها معقلا للثورة، ولقد وجه الضربة القاضية للانكليز بفتوى وطنية مؤمنة حكيمة جاء فيها: (ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للامارة والسلطنة على المسلمين) عاد الشيخ الوقور ليقول:ـ أرسلت الفتوى الى عشائر الفرات والمدن العراقية، وأيّد علماء كربلاء هذا التحريم، وصدرت بهذا الشأن مضابط الوطنيين.
فعقب جدي قائلا: يا بني ابتدأت المظاهرات السلمية في ساحات كربلاء للمطالبة باستقلال بلادهم، واستمر نشاط الوطنيين يحفّز الناس وينشر الوعي الثوري حتى خشيت الحكومة المحتلة سوء العاقبة، فتم ابعاد السيد محمد علي الطباطبائي، وعبد الكريم آل عواد، وعمر الحاج علوان رئيس عشيرتي الوزون والسلالمة، وطليفح الحسون رئيس عشيرة النصاروه... وتم نفيهم الى الهند سنة 1919م ومن ثم أطلق سراحهم بعد مدة بأمر الحاكم العام السير (ولسن).
صرت أؤمن تماما بأن الشهداء يحملون الوطنية بروح الدين، فلا يمكن أن يكون عندهم الدين دون وطنية، فهم يتصرفون تحت مفهوم حب الوطن من الايمان، فتراهم يحفظون تاريخ كربلاء السياسي، كما يحفظون تاريخها الديني...
قال شهيد: لم أرَه من قبل، وهذه المرة الأولى التي ألتقيه فيها:ـ تأسست حينها جمعية سرية (الجمعية الوطنية الاسلامية) عقب الهدنة في كربلاء، قامت بنشاطات كثيرة. عقب الشيخ الوقور: ولذلك ألقت الحكومة القبض على الشيخ محمد رضا... قلت: نجل الامام الشيرازي؟ أجاب الجد: نعم يا ولدي، وكذلك الشيخ هادي كمونة، ومحمد شاه الهندي، وعبد الكريم آل عواد، وعمر الحاج علوان، وعثمان الحاج علوان، وعبد المهدي أحمد القنبر، والسيد محمد علي الطباطبائي... وأكمل الشيخ الوقور:ـ وكاظم (أبو اذان)، وابراهيم ابو والده، والسيد محمد علي الطباطبائي... وتم نفيهم الى جزيرة (هنجام) في حزيران 1920م .. قلت: لحظة ارجوكم؛ انا قرأت في مذكرات المسس بيل (الخاتون): ان الحكومة أرسلت سيارتين مسلحتين لتفريق المتظاهرين، فقتل رجل اعمى دهسته السيارة... قاطعني أحد الشهداء:ـ انه اخرس واسمه عبد الكريم، وقد هجم على سيارة الحكومة فدهسته.
قال الجد مبتسما: اولاً هذا الرجل الأخرس هو (عبد علي بن الحاج رحيم الكعبي) وهو مواطن من كربلاء يعمل نجارا... يا بني اذا كنتم قد قرأتم التاريخ فنحن عشناه على حقيقته، مات الاخرس بطلا شهيدا، فشيّعته بغداد بمائة وخمسين الف مشيع، وفي كربلاء حصلت مظاهرات كبيرة، وعلى اثرها أفتى سماحة الشيخ الحائري الشيرازي بالجهاد، فأصدر منشورا دعا به الى التظاهر، يقول فيه: (مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم في مطالبتهم رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية اذا امتنع الانگليز من قبول مطالبهم...).
قال الجد: يا بني التاريخ وقائع، ولا يمكن التلاعب بها، وكربلاء لها تاريخ كبير لابد أن يحمله جميع العراقيين... فبعد اخماد الثورة؛ جرت تصفيات عديدة لأهل كربلاء، ومنهم من هرب الى الحجاز، ومنهم من قبضت السلطة على عائلته، فاضطروا لتسليم أنفسهم، علما ان السلطة أمرت بتهديم دور جميع الثوار. فرأيت أن الحزن قد انساب لوجه الشيخ الوقور مرة واحدة، وتحدث بمفردات فيها الكثير من الحزن والانكسار: لقد انتقل السيد الشيرازي الى الرفيق الأعلى ايام كنا في أشد الحاجة اليه في (13 آب سنة 1920م).
قال الجد وهو يحاول أن يمسح الدمع: عرفت لأول مرة ان الشهداء مثلنا يحزنون وتدمع عيونهم؛ يبدو ان خبر غياب القائد الشيرازي قد آلم الثوار في حينها كثيرا، فصرت استمع اليه وأحبس دموعي: لقد استولى الثوار يا ولدي على لواء ديالى، وأسسوا حكومات محلية، وسرعان ما تحررت كركوك واربيل، وشملت جميع انحاء العراق، حتى تم تشكيل الدولة العراقية، وعين الفيصل بن الحسين ملكا على العراق... قال شهيد: لقد قدمت كربلاء المقاومة الشرسة والتضحيات الجسام من اجل الاستقلال ... فأجاب الجد: هنا رفع اول عراقي على سطح بلدية كربلاء، وصدح صوت الشاعر الكربلائي خليل عزمي:
بشراك يا كربلاء قومي أنظري العلما * على ربوعك خفاقا ومبتسما