السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
رُوِيَ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنهُ قَالَ: (إِنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ (عليه السلام) قَامَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَقَالَ: يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ، لَا تُحَدِّثُوا بِالْحِكْمَةِ الْجُهَّالَ فَتَظْلِمُوهَا، وَلَا تَمْنَعُوهَا أَهْلَهَا فَتَظْلِمُوهُمْ، وَلَا تُعِينُوا الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ فَيَبْطُلَ فَضْلُكُمْ)
وَلَا تُعِينُوا الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ فَيَبْطُلَ فَضْلُكُمْ:
إنّ أحد أهم العوامل التي تهيئ المجتمع الإسلامي للقيام بنصرة المظلوم هو البعد كل البعد عن إعانة الظالم وتقديم أي نوع من أنواع المساعدة له، لماذا؟ لأنّ مساعدة الظالم تجعله يتمادى في الطغيان، ويكون أكثر وقاحة في اقتراف المزيد من الظلم وأعمال الباطل، وكثير مِن الظلمة لا يباشرون الظلم بأنفسهم بل يجدون أعواناً لهم يعينونهم، ويُسهِّلونه عليهم، ولا يعلمون أنهم في الإثم سواء قال تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾[1]
ومن عظم خطر الظلم وسوء مغبّته أن نهى الله تعالى عن معاونة الظالمين والركون إليهم: ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾[2]. هذا هو أدب القرآن الكريم، وهو أدب آل البيت عليهم السلام، وقد ورد عنهم ما يبلغ الغاية من التنفير عن الركون إلى الظالمين، والاتّصال بهم، ومشاركتهم في أي عمل كان، ومعاونتهم ولو بشقّ تمرة، ولا شك أنّ أعظم ما مُني به الإسلام والمسلمون هو التساهل مع أهل الجور، والتغاضي عن مساوئهم، والتعامل معهم، فضلاً عن ممالأتهم ومناصرتهم وإعانتهم على ظلمهم.... لقد جاهد الأئمة عليهم السلام في إبعاد من يتّصل بهم عن التعاون مع الظالمين، وشدّدوا على أوليائهم في مسايرة أهل الظلم والجور وممالأتهم، ولا يحصى ما ورد عنهم في هذا الباب"[3]. فقد روي عن مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم
أنه قال: (من أعان ظالماً سلّطه الله عليه)[4]، وعنه صلى الله عليه وآله وسلّم أنّه قال: (من مشى مع ظالم فقد أجرم، يقول الله: ﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾[5]).[6]
ولأنّ في نصرة المظلوم حتى يأخذ حقّه، والأخذ على يد الظالم حتى يكفّ عن تعديه حفظ نظام المجتمع، وحماية الضعفاء من تسلّط الأقوياء، سعى أئمة الهدى عليهم السلام بكل ما أتاهم الله تعالى لإقامة حكمه في الأرض، وهو الحكم الذي يقتص فيه للمظلوم من الظالم، ويلقى المحسن والمسيء كل جزاءه، وكان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (لم تكن بيعتكم إياي فلتة، وليس أمري وأمركم واحداً إنّي أريدكم لله، وأنتم تريدونني لأنفسكم. أيها الناس أعينوني على أنفسكم، وأيم الله - لأنصفنّ المظلوم، ولأقودنّ الظالم بخزامته حتى أورده منهل الحق، وإن كان كارهاً -)[7].
ومن أجل إدانة الباطل، وتأييد الحق، وتربية النفوس على مقت الظلم ورفضه، والبراءة من الظالمين أوصى مولانا أمير المؤمنين الإمامين السبطين الحسن والحسين عليهم السلام قائلاً: (كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً)، وأتبعها بقوله عليه السلام: (أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي ..)[8] ، وخاطب نوف البكالي واعظاً: (يا نوف إن سرك أن تكون معي يوم القيامة، فلا تكن للظالمين معيناً)[9]، وروى عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (من أعان ظالماً على مظلوم لم يزل الله عليه ساخطاً حتى ينزع من معونته)[10]
وقد أمر عليه السلام صفوان بن مهران الجمال بأن يخاطب الإمام الحسين عليه السلام في الزيارة الشهيرة المعروفة بزيارة عرفة قائلاً: (... فلعن الله أمةً قتلتك، ولعن الله أمةً ظلمتك ولعن الله أمةً سمعت بذلك فرضت به..)[11] ، ويرشدنا مولانا الإمام علي بن الحسين عليهما السلام في دعاء مكارم الأخلاق للاعتذار من الله سبحانه إن لم تكن لنا القدرة على نصرة المظلوم: (اللهم إنّي أعتذر إليك من مظلوم ظُلم بحضرتي، فلم أنصره)[12]، وفي دعاء العهد المروي عن إمامنا الصادق عليه السلام والذي يقول في فضله من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد كان من أنصار قائمنا.. (اللهم واجعله مفزعاً للمظلوم من عبادك، وناصراً لمن لا يجد ناصراً غيرك،..)[13]
من الذنوب التي ورد التصريح باعتبارها كبيرة (معونة الظالمين) كما ورد في رواية الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا (عليه السلام) ضمن تعداد الكبائر قوله (ومعونة الظالمين والركون إليهم).
وفي رواية الأعمش عن الإمام الصادق (عليه السلام) ورد (وترك إعانة المظلومين) اي ان ترك إعانة المظلومين من الذنوب الكبيرة اذن فمعونة الظالم في ظلمه بطريق أولى تكون من الذنوب الكبيرة.
عن سليمان الجعفري قال: قلت لأبي الحسن الكاظم (عليه السلام) ما تقول في اعمال السلطان فقال (عليه السلام):
(اَلدُّخُولُ فِي أَعْمَالِهِمْ وَ اَلْعَوْنُ لَهُمْ وَ اَلسَّعْيُ فِي حَوَائِجِهِمْ عَدِيلُ اَلْكُفْرِ وَ اَلنَّظَرُ إِلَيْهِمْ عَلَى اَلْعَمْدِ مِنَ اَلْكَبَائِرِ اَلَّتِي يُسْتَحَقُّ بِهَا اَلنَّارُ)[14]
وأيضا ورد عن الرسول الله (صلى الله عليه واله) في حديث المعراج وما رآه مكتوبا على ابواب النار ومن جملته:
(لا تكن عونا للظالمين)
وايضا هي من الذنوب التي اوعد الله عليها في القران الكريم بالنار حيث يقول تعالى:
﴿ولا تَركنوا الى الذينَ ظَلموا فَتَمسّكُم النارُ﴾[15] .
وكتب في تفسير (منهج الصادقين):
الركون المنهي عنه في هذه الآية هو بمعنى الميل اليسير، فيكون المعنى ولا تميلوا قليلا الى الذين ظلموكم أو ظلموا غيركم، فتعظيم ذكرهم، والمخالطة معهم ، وإظهار محبتهم ، والطمع بهداياهم، ومداهنتهم، واتباع اوامرهم، كل ذلك ركون للظالم، ومورد للنهي، فكيف بالميل الكثير اليهم، مثل معونتهم على الظلم، والرضى به، والاشتراك معهم فيه ،ففي الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه واله)انه قال:
(مَنْ دَعَا لِظَالِمٍ بِالْبَقَاءِ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اَللَّهُ فِي أَرْضِهِ)[16]
وجاء في كتاب (روضات الجنات) ضمن أحوال السيد محمد مؤلف كتاب (مدارك الاحكام) انه اتفق مع الشيخ صاحب (المعالم) على السفر سويا من النجف الأشرف لزيارة قبر الإمام الرضا «عليه السلام»، وحيث علما ان السلطان عباس الصفوي كان مقيما ذلك الوقت في مشهد انصرفا عن السفر، خوفا من الابتلاء بملاقاة السلطان فيكونا مصداقا للآية الشريفة ﴿ولا تركنوا الى الذين ظلموا﴾ وأيضا جاء في حالات السيد بحر العلوم انه قال: حيث كان والي مدينة شوشتر يخضع لي فان مقدارا من الميل له تحقق في قلبي، وخوفا من أن يكون موردا للآية الشريفة غادر من دزفول وسكن العراق الى آخر عمره، ويعلم من مراجعة حالات عدة من عظماء الدين كم كانوا يجهدون خلال مخاطباتهم ومراسلاتهم ومعاشرتهم مع الظالمين ان لا يتورطوا بخطر الركون للظالم، ولا يبتلوا بمدحه.
وفي كتاب (الفوائد الرضوية) ينقل عن المحدث الجزائري قوله:
ان شخصا كان قد قصر تقصيرا كبيرا بحق السلطان عباس الصفوي، وخوفا منه لجأ الى حرم الأمام امير المؤمنين (عليه السلام)، وطلب من المرحوم المقدس الأردبيلي ان يكتب رسالة الى السلطان ليعفي عنه، وبالفعل فقد كتب المقدس الأردبيلي للسلطان (يا صاحب الملك العارية ـ عباس ـ اعلم ان كان هذا الرجل ظالما سابقا فهو الآن مظلوم، ولو عفوت عن تقصيره فعسى الله أن يعفو عن بعض تقصيراتك ـ كتبه عبد سلطان الولاية احمد الأردبيلي) فكتب له السلطان في جوابه: ـ
(نطلعكم ان ما تفضلتم به وقد بلغ منتهى المنّة منكم قد قدمنا على تنفيذه، ارجو ان لا تنسوا هذا المحب من دعاء الخير ـ كتبه كلب الحرم العلوي عباس). وينقل عن (تاريخ بحيرة) ان الخواجة نظام الملك وزير السلطان السلجوقي كان يهتم كثيرا بأمر الآخرة والحساب يوم القيامة ومن هنا فقد كان خائفا بالرغم من انه كان طوال مدة وزارته حريصا على إغاثة الضعفاء، وتقدير العلماء وتعظيم الشعائر الدينية، وأخيرا فكر لإثبات حسن سلوكه مع الناس مدة وزارته ان يرتب وثيقة يشهد فيها عظماء الاسلام ويوقعون على حسن سلوكه، ويضع تلك الوثيقة في كفنه لعله ينجو بذلك.
وبالفعل فقد شهد مجموعة من الاكابر بحسن سلوكه وكتبوا ذلك، ولكن حين وصلت ورقة الشهادة بيد الشيخ أبو إسحاق المدرس في المدرسة النظامية ببغداد كتب فيها ما يلي:
(خير الظلمة حسن، كتبه أبو إسحاق ولما اطلع الخواجة نظام الملك على ما كتبه أبو إسحاق بكى كثيرا وقال: ما كتبه أبو إسحاق هو الصحيح).
[1] سورة المائدة، الآية 2.
[2] سورة هود، الآية 113.
[3] العلامة الشيخ محمد رضا المظفر، عقائد الإمامية، فصل: عقيدتنا في التعاون مع الظالمين.
[4] الخرائج والجرائح، ج 3، ص 91.
[5] سورة السجدة، الآية 22.
[6] بحار الأنوار، ج 72، ص 377.
[7] شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد، ج 1، ص 2459.
[8] شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد، ج 1، ص 4704.
[9] الآمالي للشيخ الصدوق، ص210.
[10] نفس المصدر.
[11] تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، زيارة الأربعين.
[12] الإمام زين العابدين علي بن الحسين عليهما السلام، الصحيفة السجادية، دعاؤه في الاعتذار من تبعات العباد.
[13] بحار الأنوار، ج 91، ص 42.
[14] وسائل الشیعة، ج17، ص191.
[15] سورة هود، الآية:113.
[16]بحار الأنوار، ج72، ص334.