اللهم صل على محمد وآل محمد
هل ناجيتم الله تعالى ، في شهر شعبان هذا ، بـ المناجاة الشعبانية 1 ، التي نصت الأحاديث الشريفة على قراءتها في كل يوم من هذا الشهر ؟
- وهل انتفعتم من معانيها الإيمانية السامية والإحاطة بمضامينها حول مقام الربوبية ؟
- فقد ذكرت الأحاديث الواردة بهذا الشأن بأن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأبناءه وجميع الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، كانوا يناجون الله تعالى بها 2 .
- وقلما نجد دعاء ومناجاة نصت الأحاديث الواردة بشأنها من أن الأئمة جميعهم كانوا يقرأونها ويناجون الله تعالى بها .
- إن هذه المناجاة هي في الحقيقة مقدمة تعد الإنسان وتهيئه للقيام بأعمال شهر رمضان المبارك .
- ولعله لهذا السبب تم تذكير الإنسان الواعي للالتفات إلى دوافع الصيام وجني فوائده العظيمة .
لقد كان الأئمة الأطهار (عليهم السلام) يوضحون كثيراً من المسائل عن طريق الأدعية .
- فهناك فرق كبير بين أسلوب الأدعية والأساليب الأخرى التي كان يستعين بها هؤلاء العظام في بيان الأحكام ؛
- إذ غالباً ما كانوا يوضحون المسائل المعنوية ومسائل ما وراء الطبيعة والمسائل الإلهية وتلك التي ترتبط بمعرفة الله سبحانه يوضحونها بلغة الدعاء .
- بيد أننا نقرأ نحن هذه الأدعية ونمر عليها مرور الكرام دون أن نلتفت إلى معانيها مع الأسف ، بل لا نعي أساساً ماذا كان يريد الأئمة (عليهم السلام) منها .
فنحن نقرأ في هذه المناجاة :
إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك ، وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك ، حتى تخرق أبصار القلوب حجب النور فتصل إلى معدن العظمة وتصير أرواحنا معلقة بعز قدسك 3 .
- إن جملة : (إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك)
- ربما تريد أن توضح هذا المعنى ، وهو أن الرجال الربانيين الواعين ينبغي لهم أن يعدوا أنفسهم ويهيئوها قبل حلول شهر رمضان ،
- الصوم هو في الحقيقة انقطاع عن الدنيا واجتناب لذائذها (وهذا الاجتناب في صورته الكاملة هو هذا الانقطاع إلى الله) .
- إن كمال الانقطاع لا يتحقق بهذه البساطة .
إنه بحاجة إلى ترويض للنفس غير اعتيادي ويحتاج إلى جهد ورياضة واستقامة وممارسة ، لكي يمكن الانقطاع بكل القوى عن كل ما سوى الله سبحانه وتعالى وأن لا يكون هناك توجه لغير الله تعالى .
- فجميع الصفات الإيمانية الجليلة وكل مستويات التقوى كامنة في الانقطاع إلى الله سبحانه وتعالى ؛ ومن يتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة فقد بلغ غاية السعادة .
- ولكن من المستحيل أن يستطيع الإنسان بلوغ هذه الذرى مادام في قلبه مثقال ذر من حب الدنيا .
- والذي يريد أن يقوم بأعمال شهر رمضان بالصورة المطلوبة ، عليه أن يحقق في نفسه هذا الانقطاع إلى الله ، وإلا لن يستطيع مراعاة آداب الضيافة ولن يتسنى له إدراك عظمة المضيف . . لن يمكنه أن يدرك أنه في رحاب من وعلى مائدة من ؟
طبقاً لقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله) ـ حسبما ورد في الخطبة المنسوبة إليه (ص) ـ فإن عباد الله كافة قد تمت دعوتهم في شهر رمضان المبارك إلى ضيافة الله تعالى ، وإن مضيفهم هو الله تبارك وتعالى :
أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله وقد دعيتم فيه إلى ضيافة الله 4 .
- فما عليكم في هذه الأيام القلائل التي تفصلنا عن شهر رمضان المبارك ، إلا أن تفكروا في إصلاح أنفسكم والتوجه إلى بارئكم . .
- استغفروا الله من أفعالكم وأقوالكم التي لا تليق . وإذا كنتم قد ارتكبتم ـ لا سمح الله ـ ذنباً فتوبوا إلى الله قبل الدخول في شهر رمضان المبارك . .
- عوّدوا ألسنتكم على ذكر الله ومناجاته . . إياكم أن تصدر منكم غيبة أو تهمة أو نميمة أو أي ذنب في هذا الشهر ، وأن تدنسوا أنفسكم بالمعاصي وتسيئوا آداب الضيافة وأنتم ضيوف الله سبحانه .
السيد روح الله الخميني
---------------
المصادر
1. إقبال الأعمال، أعمال شهر شعبان، ص685.. مصباح المتهجد وسلاح المتعبد، ص374. بحار الأنوار، ج91، ص97 ـ 99. كتاب الذكر والدعاء، الباب 32، الحديث 12.
2. المصدر نفسه.
3. بحار الأنوار: الأدعية والمناجاة.
4. وسائل الشيعة، ج7، ص227، كتاب الصوم، أبواب أحكام شهر رمضان، الباب 18، الحديث20.
كتاب الجهاد الاكبر أو جهاد النفس ، للسيد روح الله الخميني (قدس سره).
تعليق