السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
عَنْ عَبْدِ اَللَّهِ بْنِ سِنَانٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) قَالَ: (قَالَ اَلْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى اِبْنِ مَرْيَمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) يَا مُعَلِّمَ اَلْخَيْرِ عَلِّمْنَا أَيُّ اَلْأَشْيَاءِ أَشَدُّ فَقَالَ: أَشَدُّ اَلْأَشْيَاءِ غَضَبُ اَللَّهِ عَزَّ وجَلَّ قَالُوا: فَبِمَ يُتَّقَى غَضَبُ اَللَّهِ قَالَ: بِأَنْ لاَ تَغْضَبُوا قَالُوا: ومَا بَدْءُ اَلْغَضَبِ قَالَ اَلْكِبْرُ واَلتَّجَبُّرُ ومَحْقَرَةُ اَلنَّاسِ)[1].
الغضب قوة وحالة نفسانية من قوى النفس الإنسانية يتحكم بها العقل عندما تكون النفس الإنسانية سلمية، أمأ إذا اختلت فستتحكم عندئذ النفس الحيوانية فتكون هذه القوة أسيرة للرغبات الحيوانية الغضبية والشهوية، فعلى الإنسان العاقل أن يراعي هذا التركيب المجبول فيه ويتحكم من خلال العقل.
إن المتصفح لصفحات التاريخ البشري يجد أنّ كثيراً من الحوادث الخطيرة والخسائر المريرة قد حدثت بسبب هذه القوة التي يقول عنها الإمام جعفر بن محمد الصادق: (الغَضَبُ مِفتاحُ كُلِّ شِرٍّ)[2]، كما أن في ذيل هذه الرواية أيضاً إشارة إلى قضية مهمة تحدث عنها القرآن الكريم وأهل بيت العصمة والطهارة (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) ألا وهي طلب السجود من الشيطان لأبي البشر آدم (عَلَيْهِ السَّلاَمُ)؛ وفيها نكتشف محورية الغضب التي أدت إلى عصيان الشيطان لأوامر الخالق تبارك وتعالى وسقوطه من المرتبة التي رفعه الله سبحانه إليها؛ قال الإمام الصادق (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): (إن إبليس كان مع الملائكة وكانت الملائكة تحسب أنه منهم وكان في علم الله أنه ليس منهم، فلما أُمر بالسجود لآدم حمى وغضِب؛ فأخرج الله ما كان في نفسه بالحمية والغضب)[3].
من خلال التأمل في هذه الراوية نجد أن الغضب سبب رئيس في ارتكاب الجرائم التي من شأنها أن تدمر الإنسان ومجتمعه، كما أن الغضب أحد أسباب السعادة والشقاء والرقي والسقوط التي تحدث عنها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في حكمة له حيث يقول: (إنَّ الله خصَّ المَلَكَ بالعقلِ دونَ الشهوة والغضَبْ، وخصَّ الحيوانات بهما دونه، وشرَّف الإنسانَ بإعطاءِ الجميع، فإن انقادت شهوتُهُ وغضَبُهُ لِعقلِهِ صَاَرَ أفضلَ مِنَ الملائكةِ لِوصُولِهِ إلى هذِهِ المرتبةَ مَعَ وجودِ المُنَازِعِ والمَلائكةُ ليْسَ لهُمُ مُزاحم)[4].
الغضب لغة:
قال العلامة ابن منظور في لسان العرب والعلامة المرتضى الزبيدي في تاج العروس الغَضَب: بالتَّحْرِيكِ، ضِدُّ الرِّضَا. والغَضْبة: الصَّخرة الصُّلبة. قالوا: ومنه اشتُقَّ الغَضَب، لأنَّه اشتدادُ السُّخط.
الغضب اصطلاحاً:
قال العلامة المرتضى الزبيدي الغضب: «هو ثَوَرَانُ دمِ القَلْبِ لقَصْدِ الانْتِقَام»[5]، وقال العلامة الشريف الجُرجاني إن الغضب: هو تغيَّرٌ يحصل عند غليان دم القلب ليحصل عنه التشفي للصدر[6].
الغضب في التراث الإسلامي
تناولت الكثير من الآيات القرآنية مفهوم الغضب بشكل مباشر أو بذكر علاجه ومن أهم هذه الآيات في هذا المجال هي:
قوله سبحانه: ﴿وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الاْثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُون﴾[7].
في الآية الكريمة حديث عن أوصاف طائفة من المؤمنين الصادقين الذين شملهم الله تعالى برحمته وعنايته الخاصة، تتحدث بعد أن تذكر إيمانهم وتوكّلهم على الله سبحانه أنّهم عندما تشتعل في نفوسهم نيران الغضب يتحرّكون نحو ضبطها والسيطرة عليها ولا يسمحون لأنفسهم بأن يقودها غضبها المتحرر من حكومة العقل والبعيد عن حال التفكر والتأمل في عاقبة الأمور وما ستؤول إليه، ما يعني السقوط في يد الشيطان واستحكام قوى الشر والانفكاك من جميع الضوابط الأخلاقية ومتجاوزة بذلك الموازين الشرعية، وهذا ما صرح به سيد البلغاء والمتكلمين الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) في الكثير من لآلئ حكمه كما يرويها القاضي أبو الفتوح الآمدي في كتابه «غرر الكلم ودرر الكلم» حيث يقول: (أَعدَى عَدُوٍّ لِلمَرءِ غَضَبُهُ وَشَهوَتُهُ، فَمَنْ مَلَكَهُما عَلَتْ دَرَجَتَهُ وَبَلَغَ غايَتَهُ)، وفي حديث آخر له (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): (إِيَّاكَ وَالغَضَبَ فَأَوَّلُهُ جُنُونٌ وَآخِرُهُ نَدَمٌ)
الآية الثانية: قوله سبحانه تعالى: ﴿وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن ربِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمحْسِنِينَ﴾[8].
قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى﴾.. هذا الإحساس إذا دخل في قلب إنسان يشله عن الحركة.. بعض الناس عندما يبالغ في المعصية، إذا أراد أن يقوم بالطاعة، يشعر بأن هناك من يثبط همته.. هؤلاء من الممكن أن يقال: أن الله غضب عليهم.
أحدنا في مجال العمل تراه منضبطا، لأن هناك رؤساء أعلى منه درجة، فلا يتطاول عليهم.. أما غضبنا فإنه عادة يكون على من تحت أيدينا: الولد، والزوجة، والأرحام؛ لأن هذا منشؤه كما قال عيسى (عَلَيْهِ السَّلاَمُ): (محقرة الناس)؛ أي أننا لا نرى للإنسان وزنا أمامنا.. والحال أن الحديث الشريف يقول: (إِيَّاكَ وَظُلْمَ مَنْ لا يَجِدُ عَلَيْكَ نَاصِراً إِلا الله)! ومن مصاديق ذلك خدم البيوت؛ وكأنهم إيماء وعبيد، وهنا تكمن الخطورة! بعض الخلافات الزوجية، وبعض الانتكاسات العائلية، وبعض الأمراض التي تصيب الأسر؛ هي بسبب ظلمهم لهؤلاء.
إن العلاج الأساسي، هو: ألا نحتقر أحدا من عباد الله، فالمؤمن يرى كل الناس خيرا منه؛ لأنه لا يعلم عاقبة أمره.. فالإنسان الذي يحتقره، هذا الفاسق الفاجر؛ قد تختم له بالعاقبة الحميدة، كالحر بن يزيد! وهو المؤمن الصالح، قد تختم له بسوء العاقبة! المؤمن يقول: كل الناس خير مني! هذا الحل الأساسي.. أما الحل الفوري:
أولاً: عدم اتخاذ أي قرار في ساعة الغضب.. إذا غضب المؤمن لا يتكلم شيئا، بل يقول لتلك النفس الأمارة، وللشيطان الذي معه: سوف أؤدبه وأنتقم منه بعد ساعة.. فلو صبر لمدة ساعة، هذه النار سوف تنطفئ، وسوف يهدأ.. وإن لم تنطفئ لن تبقى بنفس المستوى.. لهذا أغلب الذين يغضبون، بعد أيام يعتذرون؛ لأنهم كانوا تحت حكومة إبليس.. إذن، عندما يهدأ الإنسان ويجلس مع نفسه، عندئذ يقرر أن يغضب أو لا يغضب.
ثانياً: تغيير الحالة التي يكون عليها أثناء الغضب.. من أفضل مسكنات الغضب، الوضوء وصب الماء على الوجه، وخاصة إذا أردفه بالحديث المعروف: (من أحدث ولم يتوضأ؛ فقد جفاني.. ومن أحدث وتوضأ، ولم يصلي؛ فقد جفاني.. ومن أحدث وتوضأ وصلى، ولم يدعني؛ فقد جفاني.. ومن أحدث وتوضأ وصلى ودعاني، ولم أجبه؛ فقد جفوته، ولست بربٍ جافٍ).. توضأ وصلى ودعا، هذا دور العبد.. أما دور الرب، فهو أن يستجيب لعبده.. تصور إنسانا حال الغضب توضأ وصلى ودعا، هل يبقى من غضبه شيء...؟
[1] الخصال، ج 1، ص 7.
[2] أصول الكافي، ج، ص:303.
[3] جامع الأحاديث، ج13، ص:469.
[4] جامع السعادات ج1، ص: 34.
[5] تاج العروس، ج2، ص: 282.
[6] التعريفات، ص: 209.
[7] سورة الشورى، الآية :37.
[8] سورة آل عمران، الآيتان:133 و134.