الحَمْدُ لِلهِ الَّذي هَدانا لِحَمْدِهِ، وَجَعَلَنا مِنْ أَهْلِهِ لِنَكُونَ لإِحْسانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَلِيَجْزِيَنا عَلى ذَلِكَ جَزاءَ المُحْسِنِين، وَالحَمْدُ لِلهِ الَّذي حَبانا بِدِينِهِ، وَاخْتَصَّنا بِمِلَّتِهِ، وَسَبَّلَنا في سُبُلِ إِحْسانِهِ لِنَسْلُكَها بِمَنِّهِ إِلى رِضْوانِهِ، حَمْداً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا، وَيَرْضى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدعاء الرابع والأربعون
الشرح
وكان من دعائه () إذا دخل شهر رمضان
(الحمد لله الذي هدانا لحمده) أي: لأن نحمده ونذكره بالجميل (وجعلنا من أهله) أي: من أهل الحمد، وهم الحامدون (لنكون لإحسانه من الشاكرين) فإن الحامد شاكر لإحسان الله تعالى (وليجزينا على ذلك) الحمد (جزاء المحسنين) فمن حمد أحسن، ومن أحسن جوزي خيراً.
(والحمد لله الذي حبانا) أي: أعطانا الحبوة وهي العطية الخاصة (بدينه) أي: الإسلام فإنه عطية من الله تعالى للناس (واختصنا بملته) أي: جعلنا من أهل الطريقة التي اختارها للبشر (وسبلنا) أي: أدخلنا (في سبل إحسانه) أي: الطرق التي قررها تفضلاً وإحساناً (لنسلكها) ونسير فيها (بمنه) ولطفه، فننتهي (إلى رضوانه) أي: رضاه (حمداً يتقبله منا) إذ لا يشوبه رياء ونحوه (ويرضى به) أي: بسبب ذلك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِهِ عَنَّا، وَالحَمْدُ لِلهِ الَّذي جَعَلَ مِنْ تِلكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضانَ شَهْرَ الصِّيامِ، وَشَهْرَ الإسْلامِ، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ التَّمْحيص، وَشَهْرَ القِيامِ الَّذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ، فَأبانَ فَضِيلَتَهُ عَلى سائِرِ الشُّهُورِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحمد (عنا) فلا سخط له علينا.
(والحمد لله الذي جعل من تلك السبل) والطرق المؤدية إلى رضاه (شهره) الإضافة للتشريف، نحو بيت الله، وإلا فكل شهر لله تعالى (شهر رمضان، شهر الصيام وشهر الإسلام) الإضافة إلى الإسلام، لأن الإسلام قرر فيه الصيام (وشهر الطهور) لأن الإنسان يطهر فيه من أدران المعصية (وشهر التمحيص) أي: الابتلاء والاختبار، لأنه يظهر فيه المطيع من العاصي (وشهر القيام) الذي يستحب فيه قيام الليالي بالعبادة (الذي أنزل فيه القرآن) جملة واحدة إلى البيت المعمور ثم نزل منجماً إلى الرسول () في ظرف ثلاث وعشرين سنة (هدىً للناس) أي: كان نزوله لأجل إرشاد الناس (وبينات) أي: والحال أن القرآن آيات واضحات، وأدلة قوية، من البينة بمعنى الشاهد والدليل (من الهدى) أي: من جنس الهداية، لا من جنس البينة التي للمرافعات وما أشبه (والفرقان) أي: أن القرآن فارق بين الحق والباطل (فأبان) الله تعالى أي: أظهر (فضيلته) أي: أفضلية شهر الصيام (على سائر الشهور)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بِما جَعَلَ لَهُ مِنَ الحُرُماتِ المَوْفُورَةِ، وَالفَضائِلِ المَشْهُورَةِ فَحَرَّمَ فِيهِ ما أَحَلَّ في غَيْرِهِ إِعْظاماً، وَحَجَرَ فيهِ المَطَاعِمَ وَالمَشارِبَ إِكْراماً، وَجَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لا يُجِيزُ جَلَّ وَعَزَّ أنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ وَلا يَقْبَلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ، ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيالِيهِ عَلى لَيالِي أَلْفِ شَهْرٍ، وَسَمَّاها لَيْلَةَ القَدْرِ تَنَزَّلُ المَلائِكَةُ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأحد عشر (بما جعل) سبحانه (له) أي: لشهر رمضان (من الحرمات) جمع حرمة، بمعنى الشيء الموجب للاحترام والإكرام (الموفورة) أي: الوافرة الكثيرة (والفضائل المشهورة) لدى الناس (فحرم فيه ما أحل في غيره) الأكل والشرب والجماع وسائر المفطرات (إعظاماً) لهذا الشهر الشريف (وحجر) أي: منع (فيه المطاعم والمشارب) أي: أنواع الأطعمة والأشربة (إكراماً) لهذا الشهر (وجعل له وقتاً بيناً) أي: واضحاً هو الشهر التاسع من شهور السنة القمرية (لا يجيز جل وعز أن يقدم) الشهر (قبله) أي: قبل ذلك الوقت (ولا يقبل أن يؤخر عنه) كأن يصوم الإنسان في رجب أو في شوال عوض شهر رمضان (ثم فضل) سبحانه (ليلة واحدة من لياليه) التاسعة عشرة أو الحادية والعشرين أو الثالثة والعشرين (على ليالي ألف شهر) فالعبادة في تلك الليلة أفضل من العبادة في ألف شهر، كما قال سبحانه في القرآن الكريم: (ليلة القدر خير من ألف شهر) (وسماها ليلة القدر) لأن في هذه الليلة تقدر أمور الخلائق إلى العام القابل (تنزل الملائكة) أصله تتنزل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَالرُّوحُ فيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ، دائِمُ البَرَكَةِ إلى طُلوُعِ الفَجْرِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ بِما أَحْكَمَ مِنْ قَضائِهِ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ وَإجْلالَ حُرْمَتِهِ، وَالتَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فيهِ، وَأَعِنَّا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حذف إحدى تاءيه على ما قرر في الصرف من القاعدة (والروح) وهو ملك عظيم جليل (فيها) أي: في تلك الليلة (بإذن ربهم) وأمره تعالى (من كل أمر) أي: في حال كونهم آتين ببعض من كل الأمور، كالرزق، والإعطاء، والمنع، والبقاء، والموت (سلام) هذه الليلة، فيما يقدر الله تعالى للخلق سلام، أي: سلامة فإن الله لا يقدر الشر الموجب للعذاب وإنما يفعل الناس ذلك بأنفسهم من سوء أعمالهم (دائم البركة) أي: مبارك هذه الليلة (إلى طلوع الفجر) فإن نزول الملائكة من كل أمر من أول الليل إلى الصبح (على من يشاء من عباده) أي: أن نزول الملائكة على الإمام الذي جعله سبحانه خليفة في الأرض ـ كما في الأحاديث ـ (بما أحكم من قضائه) أي: أن المأتي إلى الإمام بواسطة الملائكة هي أنواع القضاء والقدر التي أحكمها الله تعالى ولا بد أن يجريها في السنة الجديدة، فهو كالمنهج الوزاري الذي يلقيه رئيس الوزراء إلى حكومته مما يبين في خططه التي يريد أن يجريها في البلاد.
(اللهم صلِّ على محمد وآله وألهمنا) بالإلقاء في قلوبنا (معرفة فضله) أي: فضل شهر رمضان (وإجلال حرمته) بأن تعظم احترامه (و) ألهمنا (التحفظ مما حظرت فيه) بأن تحفظ أنفسنا عن المحرمات (وأعنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عَلى صِيامِهِ بِكَفِّ الجَوارِحِ عَنْ مَعاصيكَ، وَاسْتِعْمالِها فيهِ بِما يُرْضيكَ، حَتّى لا نُصْغِيَ بِأَسْماعِنا إلى لَغْوٍ، وَلا نُسْرِعَ بِأَبْصارِنا إلى لَهْوٍ، وَحَتّى لا نَبْسُطَ أَيْدِيَنا إلى مَحْظُورِ وَلا نَخْطُوَ بِأَقْدامِنا إِلى مَحْجُورٍ، وَحَتَّى لا تَعِيَ بُطُونُنا إلاّ ما أَحْلَلْتَ، وَلا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنا إلاّ بِما قُلْتَ، وَلا نَتَكَلَّفَ إِلاّ ما يُدني مِنْ ثَوابِكَ وَلا نَتَعاطى إِلاّ الَّذي يَقي مِنْ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
على صيامه بكف الجوارح عن معاصيك) أي: تحفظ أعضاءنا عن عصيانك فإن حفظ الجوارح عن العصيان من آداب الصوم، وإن كانت بعض المعاصي لا توجب بطلانه حتى يجب القضاء والكفارة (واستعمالها) أي: الجوارح (فيه) أي: في شهر رمضان (بما يرضيك) أي: في طاعتك (حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو) من الكلام (ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو) أي: ما يلهو عن أمرك (وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور) أي: إلى حرام كالسرقة والضرب بغير حق وما أشبه (ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور) أي: ما حجرته ومنعته كأن نذهب إلى محل المعاصي أو نمشي في الأرض المغصوبة (وحتى لا تعي) أي: لا تشتمل (بطوننا إلا ما أحللت) فلا نأكل الحرام (ولا تنطق ألسنتنا إلا بما قلت) أي: حدثت، والمراد: قراءة القرآن وما أشبه (ولا نتكلف) أي: لا نعمل (إلا ما يدني) ويقرب (من ثوابك) من الطاعات والعبادات (ولا نتعاطى) التعاطي: الأخذ والإعطاء والمراد هنا العمل (إلا الذي يقي) يحفظ (من
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عِقابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِئاءِ المُرائِينَ وَسُمْعَةِ المُسْمِعينَ لا نُشْرِكُ فيهِ أَحَداً دُونَكَ وَلا نَبْتَغي فيهِ مُراداً سِواكَ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَقِفْنا فيهِ عَلى مَواقيتِ الصَّلَواتِ الخَمْسِ بِحُدُودِها الَّتِي حَدَّدْتَ، وَفُروُضِها الَّتِي فَرَضْتَ، وَوَظائِفِهَا الَّتِي وَظَّفْتَ ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عقابك) ونارك بأن نترك المحرم ونأتي بالواجب ونتوب (ثم خلص ذلك) الذي نعمله (كله) حتى يكون كله خالصاً (من رياء المرائين) حتى لا تكون أعمالنا الصالحة لأجل رؤية الناس فإنه يذهب بالثواب ويوجب العقاب (وسمعة المسمعين) والسمعة: هي أن يعمل الإنسان صالحاً لأجل أن يسمع الناس به فيكبر في عيونهم، أي: لا أكون عاملاً لأجل أن أسمع الناس كما يعمل بعض الناس للسمعة (لا نشرك فيه) أي: في عملي (أحداً دونك) بأن نعمل لك ولغيرك (ولا نبتغي فيه مراداً سواك) فلا نطلب بعملنا رضا غيرك.
(اللهم صلِّ على محمد وآله وقفنا) من وقف يقف أي: اجعلنا نقف (فيه) أي: في شهر رمضان (على مواقيت الصلوات) بأن نصليها لوقتها (الخمس) الصبح والظهر والعصر والمغرب والعشاء (بحدودها التي حددت) من الآداب والشرائط (وفروضها) أي: واجباتها (التي فرضت ووظائفها التي وظفت) هذه العبادات من باب عطف البيان
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَوْقاتِهَا الَّتِي وَقَّتَّ، وَأَنْزِلْنا فيها مَنْزِلَةَ المُصيبين لِمَنازِلَها الحافِظينَ لأرْكانِها، المُؤَدِّينَ لَها في أوْقاتِها، على ما سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، في رُكُوعِها وَسُجُودِها وَجَميعِ فَواضِلِها عَلى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ، وَأَبْيَنِ الخُشوُعِ وَأَبْلَغِهِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للتأكيد (وأوقاتها التي وقت) فإن لكل صلاة وقتاً خاصاً بها (وأنزلنا فيها) أي: في الصلوات الخمس اليومية (منزلة المصيبين لمنازلها) بأن نكون نازلاً في المنزلة التي ينبغي أن ينزل الإنسان فيها (الحافظين لأركانها) أي: أجزائها الرئيسية أو المراد الأركان الخمس للصلاة من النية والقيام وتكبيرة الإحرام والركوع والسجود (المؤدين لها في أوقاتها) الخاصة بها حتى لا نؤخر الصلاة عن وقتها (على ما سنه) وبينه (عبدك ورسولك) محمد (صلواتك عليه وآله، في ركوعها وسجودها) متعلق بـ [المؤدين] أو بجميع ما سبق من الأفعال (وجميع فواضلها) جمع فاضلة حتى نأتي بأجزائها الفاضلة، بمعنى لها فضلاً، في حال كون أتياننا بها (على أتم الطهور) أي: الطهارة التامة (وأسبغه) إسباغ الوضوء: الإتيان به بماء كثير يغمر الأعضاء (وأبين الخشوع) حتى نكون خاشعين في الصلاة خشوعاً بيناً ظاهراً (وأبلغه) أي: البالغ منه الحد المرغوب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَوَفِّقْنا فِيهِ لأَن نَصِلَ أرْحامَنا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَأنْ نَتَعاهَدَ جِيرانَنا بِالإفْضالِ وَالعَطِيَّةِ، وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوالَنا مِنَ التَّبِعاتِ، وَأَنْ نُطَهِّرَها بِإِخْراجِ الزَّكَواتِ، وَأَنْ نُراجِعَ مَنْ هاجَرَنا، وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنا، وَأَنْ نُسالِم مَنْ عَادانا حاشا مَنْ عُودِيَ فيكَ وَلَكَ، فَإِنَّهُ العَدُوُّ الَّذِي لا نُوالِيهِ، وَالحِزْبُ الَّذي لا نُصافِيهِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيه شرعاً (ووفقنا فيه) أي: في شهر رمضان (لأن نصل أرحامنا) فإن صلة الرحم واجبة ولها فضل في شهر رمضان (بالبر) كإعطاء المال إليهم (والصلة) بالمراودة وما أشبه (وأن نتعاهد جيراننا) جمع جار (بالإفضال) بأن نتفضل عليهم بالزيارة ونحوها (والعطية) أي: إعطائهم المال ونحوه (وأن نخلص أموالنا من التبعات) بإعطاء حقوق الناس إليهم، وتبعات جمعه تبعة وهي ما يبقى من المال مما يوجب بقائه الإثم (وأن نطهرها بإخراج الزكوات) قال سبحانه: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم) فإن الزكاة تطهر المال (وأن نراجع من هاجرنا) وابتعد عنا، فإن الهجرة وإن كانت منه، لكن الإنسان الخير هو الذي يبتدئ بالمراجعة (وأن ننصف من ظلمنا) بأن لا نتعدى عليه فإنه كثيراً ما يعتدي المظلوم على الظالم أو قول أو عمل (وأن نسالم من عادانا) بأن لا نعاديه (حاشا من عودي فيك) أي: استثني الذي نعاديه لأجلك لأنه خلاف الدين (ولك) أي: لأجلك (فإنه العدو الذي لا نواليه) أي: لا نصادقه ولا نسالمه (والحزب الذي لا نصافيه) أي: أنه من الحزب والجمع الذي لا نتمكن من الصداقة معه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إِلَيْكَ فيهِ مِنَ الأَعْمالِ الزّاكِيَةِ بِما تُطَهِّرُنا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَتَعْصِمُنا فيهِ مِمَّا نَسْتَأنِفُ مِنَ العُيوُبِ، حَتّى لا يُورِدَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ مَلائِكَتِكَ إلاّ دُونَ ما نُوْرِدُ مِنْ أَبْوابِ الطَّاعَةِ لَكَ، وَالقُرْبَةِ إِلَيكَ، اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هذا الشَّهْرِ، وَبِحَقِّ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فيهِ مِنِ ابْتِدائِهِ إلى وَقْتِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(وأن نتقرب إليك فيه) أي: في شهر رمضان (من الأعمال الزاكية) أي: واجبة الزكاة والنماء: والمراد بها الأعمال الصالحة (بما تطهرنا به من الذنوب) أي: الأعمال التي تسبب طهارتنا من الآثام، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وعلى هذا (بما) يكون للبيان، أو أن الباء للسبب، أي: أن التقرب إليك بسبب الطهارة التي نحصلها، فإن الإنسان الطاهر النفس يقترب من الله تعالى (وتعصمنا فيه) أي: تحفظنا في هذا الشهر (مما نستأنف) أي: نريد تجدده واستئنافه (من العيوب) الشرعية وهي الآثام (حتى لا يورد عليك أحد من ملائكتك) الحاملين لطاعات العباد (إلا دون ما نورد من أبواب الطاعة لك) فتكون طاعتنا أكثر من طاعة الجميع، أو المراد: أن طاعتنا تكون أكثر من طاعة الملائكة (والقربة إليك) أي: ما يوجب قرب الإنسان إلى جنابك، والمراد بالقرب: المعنوي لتنزهه سبحانه عن القرب الجسمي.
(اللهم إني أسألك بحق هذا الشهر) أي: شهر رمضان (وبحق من تعبد لك فيه) أي: أطاعك في هذا الشهر (من ابتدائه إلى وقت
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فَنائِهِ مِنْ مَلَكٍ قَرَّبْتَهُ، أَو نَبِيٍّ أرْسَلْتَهُ أَوْ عَبْدٍ صالِحٍ اخْتَصَصْتَهُ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَهِّلْنا فيهِ لِما وَعَدْتَ أَوْلِيائَكَ مِنْ كَرامَتِكَ، وَأوْجِبْ لَنا فيهِ ما أَوْجَبْتَ لأَهْلِ المُبالَغَةِ في طاعَتِكَ، وَاجْعَلْنا في نَظْمِ مَنْ اسْتَحَقَّ الرَّفيعَ الأَعْلى بِرَحْمَتِكَ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَجَنِّبْنَا الإِلْحادَ في تَوْحيدِكَ، وَالتَّقْصِيرَ في تَمْجِيدِكَ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فنائه) أي: انتهائه (من ملك قربته) إلى ذاتك الكريمة و[من] بيان [من تعبد] (أو نبي أرسلته) ومن المعلوم أن المرسل من الأنبياء أفضل من غيرهم (أو عبد صالح اختصصته) بكرامة من عندك، لكثرة صلاحه وطاعته (أن تصلي على محمد وآله وأهلنا فيه) أي: اجعلنا أهلاً في هذا الشهر (لما وعدت أوليائك من كرامتك) حتى نكون كأحدهم (وأوجب لنا فيه) أي: في هذا الشهر (ما أوجبت لأهل المبالغة في طاعتك) أي: الذين يكثرون في الطاعة ويبالغون فيها (واجعلنا في نظم) أي: عداد (من استحق الرفيع الأعلى) أي: الرفعة التي ليس فوقها درجة (برحمتك) أي: افعل ذلك لنا برحمتك وفضلك لا باستحقاق منا.
(اللهم صلِّ على محمد وآله وجنبنا الإلحاد) أي: الميل (في توحيدك) كأن نعمل رياءً أو سمعة مما هو شرك له سبحانه في العمل، أو المراد الأعم من الشرك الجلي والشرك الخفي (والتقصير في تمجيدك) أي: مدحك
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَالشَّكَّ في دينكَ، وَالعَمى عَنْ سَبِيلِكَ، وَالإغْفالَ لِحُرْمَتِكَ وَالانْخِداعَ لِعَدُوِّكَ الشَيْطانِ الرَّجِيمِ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَإذا كانَ لَكَ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيالي شَهْرِنا هذا رِقابٌ يُعتِقُها عَفْوُكَ، أَوْ يَهَبُها صَفْحُكَ فَاجْعَلْ رِقابَنا مِنْ تِلْكَ الرِّقابِ واجْعَلْنا لِشَهْرِنا مِنْ خَيْرِ أَهْلٍ وَأَصْحابٍ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(والشك في دينك) حتى لا نشك فيه (والعمى عن سبيلك) بأن لا نراه فنسلك غيره، كالأعمى الذي يسلك غير الطريق (والإغفال لحرمتك) فلا نحترم ما جعلته محترماً، كمن يغفل عن المشي، (والانخداع) أي: بأن ننخدع (لعدوك الشيطان الرجيم) أي: المطرود، أو المرجوم باللعن كما يرجم الشخص بالحجارة.
(اللهم صلِّ على محمد وآله وإذا كان لك في كل ليلة من ليالي شهرنا هذا رقاب) جمع رقبة: والمراد بها الإنسان، وإنما أطلق عليها الرقبة لأن الذنب ينسب إليها، كأنه ثقل، من باب التشبيه بالغل ونحوه الذي يجعل في العنق (يعتقها) من النار (عفوك) وغفرانك (أو يهبها) جرائمها (صفحك) أي: عفوك، والأصل أن الإنسان إذا عفا عن شخص أعطاه صفحه كأنه لم ير ما ارتكب (فاجعل رقابنا) أي: رقبة الداعي ومن يهمه أمره (من تلك الرقاب) التي تعفو عنها (واجعلنا لشهرنا من خير أهل وأصحاب) حتى نكون خير شخص صحب الشهر، يقال أهل شهر رمضان وأصحابه للذين يعملون بوظائفه، ويكفي في الإضافة أدنى مناسبة كما ذكر في البلاغة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَامْحَقْ ذُنُوبَنا مَعَ امِّحاقِ هِلالِهِ، وَاسْلَخْ عَنَّا تَبِعاتِنا مَعَ انْسِلاخِ أَيَّامِهِ، حَتّى يَنْقَضِيَ عَنَّا وَقَدْ صَفَّيْتَنا فيهِ مِنَ الخَطيئاتِ، وَأَخْلَصْتَنا فيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَإِنْ مِلْنا فيهِ فَعَدّلْنا، وَإِنْ زُغْنا فيهِ فَقَوِّمْنا، وَإِنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنا عَدُوُّكَ الشَّيطانُ فَاسْتَنْقِذْنا مِنْهُ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(اللهم صلِّ على محمد وآله وامحق) أي: امح (ذنوبنا مع امحاق هلاله) أي: دخول هلال شهر رمضان في المحاق، وهو ثلاثة أو إثنان أو ليلة واحدة في آخر الشهر حيث لا يظهر القمر لا ليلاً ولا نهاراً (واسلخ) يقال: سلخ ثوبه، إذا نزعه (عنا تبعاتنا) أي: ذنوبنا (مع انسلاخ أيامه) أي: مع تمام أيام الشهر حتى يخرج الشهر ولا ذنب لنا (حتى ينقضي) ويتم الشهر (عنا وقد صفيتنا فيه من الخطيئات) فلا خطيئة لنا (وأخلصتنا فيه من السيئات) فلا سيئة علينا.
(اللهم صلِّ على محمد وآله وإن ملنا) من مال يميل بمعنى الميل عن الطاعة إلى المعصية (فيه) أي: في شهر رمضان (فعدلنا) حتى لا نميل مع الهوى (وإن زغنا فيه) الزيغ: الميل والانحراف (فقومنا) حتى لا نزيغ، والعطف للبيان وللتأكيد وكذا في كثير من أمثال هذه الفقرات (وإن اشتمل علينا عدوك الشيطان) أي: استحوذ كأنه شيء يغشى الإنسان من جميع جوانبه (فاستنقذنا منه) وخلصنا من وسوسته وكيده.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
اللّهُمَّ اشْحَنْهُ بِعِبادَتِنا إِيَّاكَ، وَزَيِّنْ أَوْقاتَهُ بِطاعَتِنا لَكَ وَأَعِنَّا في نَهارِهِ عَلى صِيامِهِ، وَفي لَيْلِهِ عَلَى الصَلاةِ وَالتَّضَرُّعِ إِلَيْكَ وَالخُشُوعِ لَكَ، وَالذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتّى لا يَشْهَدَ نَهارُهُ عَلَيْنا بِغَفْلَةٍ، وَلا لَيْلُهُ بِتَفْرِيطٍ، اللّهُمَّ وَاجْعَلْنا في سائِرِ الشُّهُورِ وَالأَيَّامِ كذلِكَ ما عَمَّرْتَنا وَاجْعَلْنا مِنْ عِبادِكَ الصَّالِحينَ الَّذينَ يَرِثوُنَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فيها خالِدُونَ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(اللهم اشحنه) أي: املأ شهر رمضان (بعبادتنا إياك) حتى يكون شهراً مليئاً بالعبادة (وزين أوقاته بطاعتنا لك) فإن الطاعة زينة الزمان والمكان (وأعنا في نهاره على صيامه) بأن نصوم بتوفيقك (وفي ليله على الصلاة والتضرع إليك) الضراعة: الاستكانة والبكاء وما أشبه (والخشوع) أي: الخضوع (لك والذلة بين يديك) أي: أمامك (حتى لا يشهد نهاره علينا بغفلة) أي: بأنا كنا غافلين عنك (ولا ليله بتفريط) بأن فرطنا ولم نكسب أجراً.
(اللهم واجعلنا في سائر الشهور والأيام) من شهور السنة الأحد عشر، وأيامها غير أيام رمضان (كذلك) في الطاعة والعبادة والخضوع وما أشبه (ما عمرتنا) أي: طيلة إبقائك لنا في دار الدنيا (واجعلنا من عبادك الصالحين الذين يرثون الفردوس) اسم من أسامي الجنة أو قسم خاص منها (هم فيها خالدون) أي: باقون دائماً، وكأن إطلاق الإرث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وَالَّذينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ، وَمِنَ الَّذينَ يُسارِعُونَ في الخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ، اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلهِ، في كُلِّ وَقْتٍ وَكُلِّ أَوَانٍ وَعَلى كُلّ حالٍ، عَدَدَ ما صَلَّيْتَ عَلى مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ، وَأَضْعافَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالأَضْعافِ الَّتي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لشباهته له في كونه مالا يأتي الإنسان بدون أن كدّ له كداً معتداً به (الذين يؤتون ما آتوا) أي: يعطون من الأموال في سبيل الله، أو شامل لكل عمل صالح (وقلوبهم وجلة) أي: خائفة، لأنهم يعلمون (أنهم إلى ربهم) أي: جزائه وحسابه (راجعون) فيخافون من سوء الحساب، وسوء الجزاء لما قصروا وفرطوا (ومن الذين يسارعون في الخيرات) فيأتون بها بكل سرعة خوفاً من فوات الأوان (وهم لها سابقون) أي يسبقون غيرهم في الإتيان بها.
(اللهم صلِّ على محمد وآله في كل وقت وكل أوان) جمع آن: بمعنى الوقت القصير (وعلى كل حال) من أحوال المصلي أو من أحوال الدنيا: والمراد استمرار الصلوات (عدد ما صليت على من صليت عليه) من جميع خلقك، كالأنبياء الذين يصلي عليهم الله تعالى، فإن الصلاة من الله الرحمة الخاصة ومن المعلوم أن رحمته الخاصة شاملة لكثير من الناس كالأنبياء ومن إليهم أو الملائكة وهكذا (وأضعاف ذلك كله) حتى تكون صلواتك للرسول وحده أضعاف صلواتك لغيره جميعاً (بالأضعاف التي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يُحْصيها غَيْرُكَ، إِنَّكَ فَعَّالٌ لِما تُرِيدُ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يحصيها غيرك) لكثرتها، حتى يكون فوق ملايين الأضعاف (إنك) يا رب (فعال لما تريد) أي: كثير الفعل لكل ما تريده من الأشياء وهذا تشبه استعطاف من الداعي فإن مدح الطرف بالقدرة، استعطاف له حتى يجيب حاجة الداعي.
[1] ـ سورة الإسراء، آية: 44.
من كتاب شرح ادعية الصحيفة السجادية
تعليق