علي عبد الجواد
الخميس 924السنة التاسعة عشرة /شهر رمضان / 1444هـ - 23 / 3 / 2023م
اعتنى الله سبحانه وتعالى بتخصيص شهر مميّز بين الشهور في السنة، وهو شهر رمضان، وقد جعله بمقدار شهر من الشهور الاثني عشر في السنة؛ لأن جزءاً من حاجة الإنسان إلى التبصّر والتزوّد والتزكيّة والتهذيب يحتاج أحياناً إلى دورة متّصلة، ولا يكفي المساعي المتفرّقة في اليوم أو في الأسبوع، فيحتاج الإنسان أحياناً إلى أن يشدّ نفسه شدّةً واحدةً لمدّة ثلاثين يوماً، فيهتم فيها بمزيد خصوصية في التهذيب والتزكية، وهذا شهر سنوي ميّزه الله سبحانه وتعالى بين الأشهر، ووعد فيه بمزيد من البركات والتوفيقات والخيرات لمن اعتنى بهذا الشهر وسعى إلى التزوّد والتبصّر فيها.
وإنّ هذا نظير ما ورد في بعض الأحاديث: (مَن أخلص لله أربعين صباحاً أنار الله قلبه وبثّ فيه نور الحكمة)*، ولكن في صيام شهر رمضان يتمثّل الاهتمام بثلاثين يوماً، وهو شهر أيضاً، وهو من الوحدات المؤثرة في النفس الإنسانيّة للغاية.
ثم خصّ الله سبحانه في ضمن شهر رمضان الفضيل والمميّز ليلةً من الليالي في السنة للمحاسبة التّامة لما سبق من الإنسان في تلك السنة ويخطط لما يستقبله الإنسان في السنة المقبلة.
فلذلك جعل الله سبحانه وتعالى ليلة القدر فكانت حساباً لما سبق وليلة تأمّل في ما يأتي ورتّب المقادير الإلهيّة في هذه اللية ترتيباً اقتضائيّاً.
فعلى المؤمن أن يلتفت إلى حكمة الله سبحانه وتعالى في هذه الحياة وتشريعاته التي أراد فيها للإنسان أن يتبصّر ويتزّود من المعرفة والعمل الصالح وينتفع برأسماله، وهو عمره الذي قدّر له في هذه الحياة في أن ينال درجةً أعلى.
فلكلّ من الناس درجة عند الله سبحانه وتعالى في الدار الآخرة فيما بعد هذه الحياة بحسب خصاله وبحسب طيبته وإيمانه وخلقه، وبحسب روح الذكر والتقدير لله، وروح حبّ الخير للنّاس وروح محاسبة النفس والالتفات إلى العيوب وروح الكرم والجود وروح المواساة، وجميع خصال الإنسان وأعماله الصالحة وبناه النفسيّة تؤخذ بنظر الاعتبار بالدرجة التي يتحلّى بها بعد هذه الحياة.
فمن النّاس مَن يفِد على الله سبحانه ويلقاه محتفّاً بكرامته وكرامة أوليائه، ومنهم (نعوذ بالله) مَن يلقى الله تعالى ويكون أشبه بالإنسان الهارب من العدالة عندما يُقبَض عليه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الحقائق في محاسن الأخلاق، الفيض الكاشاني، ص ٤٢٨