إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أنفاسكم فيه تسبيح

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أنفاسكم فيه تسبيح

    أزل ضياء
    في الواقع إن شهر رمضان المبارك هو محطة تربوية، بل دورة مركّزة ومكثّفة للتربية النفسية والروحية، ومن خلال هذه الدورة ستتحّصن النفس وتتربّى على الأخلاق السامية وتتلبّس بها وتكوّن مسارها الذي ينبغي أن تسير عليه لتنشد الرقي والسمو نحو الكمال.
    لقد جعل الله تعالى بكرمه -الذي لا حدّ له- هذا الشهر متميزاً بكل شيء! حتى وصل الأمر إلى أن جعل نَفَس الصائم -الذي لابد منه على أي حال- تسبيحاً، كما جاء في خطبة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) قوله: « أنفاسكم فِيهِ تَسْبِيحٌ»[1]، فهل استشعرنا هذا الكرم اللا محدود؟!
    لذا ينبغي علينا أن نحسب لكل نَفَس نتنفسه أن يكون مرضياً لله تعالى، لا أن نتنفس وجذور أنفسنا لم تنظف بعد! فعندما نتكلّم أو نعمل أو نتحرّك.. فذلك كلّه يكون مصحوباً بذلك النَّفَس، فإذا كان كلامنا أو عملنا أو أي حركة من حركاتنا ليس لله فيها رضا! فأين التسبيح من ذلك؟ بل العكس سيكون وبالاً علينا؛ لأنّنا تنَفّسنا بنَفَس الشيطان وائتمرنا بأمر النفْس الأمارة بالسوء، فأين الفائدة من صيامنا؟ وكيف سيكون نَفَسنا تسبيحاً؟ بعبارة أخرى، ما وجه التغيير الذي ننشده من خلال هذه الدورة التربوية الروحية؟!
    وعلى الرغم من أنّ الشياطين مغلولة، وأبواب النيران مغلقة في هذا الشهر الكريم، إلا أنّ ذلك يكون لمن يعمل ويسعى، لمن يريد التغيير لنفسه وتحصينها، أما من خبُثت نفسه! فبالتأكيد هو الذي يستدعي الشياطين ويحلّ أغلالها، فالذي يرتكب الذنوب والمعاصي وتراكمت على قلبه كالجبال وهو مستأنس بها، كيف له أن يرى نور الإيمان؟ بل كيف يكون صائماً؟ إذن القرار بيدك أنت، يمكنك أن تبقي تلك الشياطين مغلولة أو تفكها من قيدها!
    لذلك على الإنسان ألّا يغترّ ويقول إنّي صائم وهو لم يسع للتخلّص من تلك الحواجب والرواسب العالقة بالنفس، فعليه أن يعيد برمجة نفسه وفق المنهج الإلهي المعدّ، وخاصة أنّ هذا الشهر المبارك هو خير وقت لذلك، فإذا لم يتقدّم ويتغيّر -في هذا الشهر- فمن الصعب جداً أن يجد وقتاً آخر غيره، أو قد لا يجد!
    لذا لابد من استثمار الوقت وتنظيم الذات، بتعزيز الدفاعات والمناعات داخل النفس لمواجهة الهجمات الداخلية والخارجية، وذلك بتربية النفس على حساب الجسد، فالنفس هي التي تشتهي وتريد، فتأمر الجسد بتلبية احتياجاتها ورغباتها، ويمكن أن تلبّى هذه الحاجات (على أتمّ وجه) وفق منهج الله تعالى، عندئذ ترقى إليه تعالى، ويمكن أن تلبّى (أسوأ تلبية) بخلاف منهج الله تعالى! وتتجلّى هذه الحقيقة عند الإفطار وبعده، فتتبين حقيقة تربية النفس!
    فإذا تركناها على هواها فكأنّ صيامنا لم يؤثّر في أنفسنا أبداً، كالطفل الذي تجلس معه ساعات تأدبه وتنهاه عن فعل، وهو يهزّ برأسه بالإيجاب والإذعان، ثمّ ما إن تتركه حتى يعود إلى سابق عهده، فتتأسف على الساعات التي أمضيتها من غير فائدة! فكذلك النفس التي تربيها طوال النهار ثم تراها بعد الإفطار تهيم على هواها فتنغمس في ملذاتها ومشتهياتها، فهذه النفس لم ترعوِ عن عجب أو غيبة أو كذب أو معاملة مشبوهة.. وكأنّ الصائم بعد الإفطار في فسحة وإجازة من الصيام! فالذي يستشعر وجود الله تعالى أثناء الصيام -وهذا دليل على إيمانه بالله تعالى وخوفه منه- فلماذا لا يستمر هذا الاستشعار بعد الإفطار كذلك؟! وخاصة أنّ المؤمن يعلم بأنّ الله تعالى يراه! لذلك تراه يمتنع عن المباحات (كالأكل والشرب)، فمن باب أولى أن يمتنع عن المحرمات أيضاً (سواء أثناء النهار أم بعده)، فالصيام ما جاء إلا لتقوية الإرادة لتستطيع التغلب على المحرمات، وهذا ما سأله أمير المؤمنين (عليه السلام) قائلاً: «يا رسول الله، ما أفضل الأعمال في هذا الشهر؟ فقال: يا أبا الحسن، أفضل الأعمال في هذا الشهر الورع عن محارم الله عزّ وجلّ» [2]
    ولم يكتف الباري عزّ وجلّ من جعل النَّفَس تسبيحاً في هذا الشهر العظيم، بل زاد من كيل مكارمه علينا فجعل حتى النوم فيه عبادة، كما جاء في خطبة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) قوله: «وَنَوْمُكُمْ فِيهِ عِبَادَةٌ )[3] هذا النوم الذي عادة لا يكون إلا راحة للبدن، وبالرغم من إطلاق كلمة (نوم) -التي تؤكد على عدم تقييد ساعات النوم- إلا أنّه ينبغي أن نتدارك هذا الشهر بكثرة العبادات والطاعات، وألّا تزيد هذه الساعات عن المعدل الطبيعي، التي تعيننا على عملنا وتأدية واجباتنا تجاه خالقنا، لا أن نقضي أغلب ساعات هذا الشهر المبارك بالنوم فقط فيضيع علينا الثواب والأجر العظيم.

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    الخميس 924السنة التاسعة عشرة / رمضان / 1444هـ - 23 / 3 / 2023م

    [1] - الأمالي، الشيخ الصدوق، ص154
    [2] - إقبال الأعمال للسيد ابن طاووس 1/ 27
    [3] - بحار الأنوار93/ 358


المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X