اللهم صل على محمد وآل محمد
الجهوزية:
عندما يُزيل المصلي الموانع، يتجهز للصلاة في مكان خال، عليه قبل الصلاة أن يستذكر عظمة اللّه وقدرته اللانهائية، وضعفه (المُصلّي) وهوانه.
يستذكر أنه واقفٌ أمام خالق الكون ومالك الملوك ويحدّثه، واقفٌ أمام قدرة عظيمة مُطّلعة على كل شيء وحتى الأفكار المخفية، يستذكر حساب الأعمال والجنة والنار
يحتملُ أن يكون موته قريباً، وأن تكون آخر صلاة يُصلّيها، يستمر بالتفكير هكذا حتى تهدأ نفسَه ويحصل له توجّه وحال.
عندها يبدأ بالأذان والإقامة مع التوجه وحضور القلب وبعد ذلك يقرأ دعاء التهيؤ: "اَللَّهُمَّ إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ، وَرِضَاكَ طَلَبْتُ، وَثَوَابَكَ اِبْتَغَيْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، اَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، وَاِفْتَحْ مَسَامِعَ قَلْبِي لِذِكْرِكَ، وَثَبِّتْنِي عَلَى دِينِكَ وَدِينِ نَبِيِّكَ، وَلاَ تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ اَلْوَهّٰابُ"
وعليه أن يلتفت للمعاني حال قراءة الدعاء ثم يقول: "يا مُحسِنُ قد آتاكَ المُسِيءُ، يَا مُحسِنُ أحْسِنْ إليَّ".
إذا حصلت له حالة خشوع، كبّر تكبيرة الإحرام وبدأ صلاته، ولكن إذا شعر بأنّه لم يستعد بعد ولم يشعر بتغيّر حاله، فليستعذ باللّه من الشيطان الرجيم ويستمر بما ذكر حتى يشعر بالجهوزية والاستعداد.
عندها فليكبّر تكبيرة الإحرام وليبدأ صلاته مع تكبيرة الإحرام.
لكن عليه أن يلتفت إلى من يُحدّث وماذا يقول؟ أن ينتبه لكون اللسان مرافقا للقلب... هل تعرف ما معنى "اللّه أكبر"؟ يعني "اللّه أكبر" من أن يُوصف، التفت جيّداً إلى ما تقول، هل أنت مؤمن حقّاً بما تقول؟
قال الصادق عليه السّلام: "إِذَا اِسْتَقْبَلْتَ اَلْقِبْلَةَ فَانْسَ اَلدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَاَلْخَلْقَ وَمَا هُمْ فِيهِ، وَاِسْتَفْرِغْ قَلْبَكَ عَنْ كُلِّ شَاغِلٍ يَشْغَلُكَ عَنِ اَللَّهِ، وَعَايِنْ بِسِرِّكَ عَظَمَةَ اَللَّهِ، وَاُذْكُرْ وُقُوفَكَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَوْمَ {تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ}، وَقِفْ عَلَى قَدَمِ اَلْخَوْفِ وَاَلرَّجَاءِ.
فَإِذَا كَبَّرْتَ فَاسْتَصْغِرْ مَا بَيْنَ اَلسَّمَاوَاتِ اَلْعُلَى وَاَلثَّرَى دُونَ كِبْرِيَائِهِ، فَإِنَّ اَللَّهَ تَعَالَى إِذَا اِطَّلَعَ عَلَى قَلْبِ اَلْعَبْدِ وَهُوَ يُكَبِّرُ وَفِي قَلْبِهِ عَارِضٌ عَنْ حَقِيقَةِ تَكْبِيرِهِ قَالَ: يَا كَاذِبُ أَتَخْدَعُنِي؟ وَعِزَّتِي وَجَلاَلِي لَأَحْرِمَنَّكَ حَلاَوَةَ ذِكْرِي وَلَأَحْجُبَنَّكَ عَنْ قُرْبِي وَاَلْمُسَارَّةِ بِمُنَاجَاتِي"
نعم فالتهيؤ والاستعداد قبل الصلاة وحال النية وتكبيرة الإحرام، له أثر كبير في حضور القلب، لكنّ الأهم منه الاستمرار على هذا الحال، إذا غفل قليلاً شردت النفس نحو هذه الناحية وتلك، وفقد حال التوجه وحضور القلب.
لذا يجب على المصلي أن يبقى مراقباً لنفسه طوال الصلاة، أن يغفل قلبه عن غير اللّه، وأن يمنع دخول الأفكار والخواطر المتفرقة، أن يرى نفسه في محضر اللّه دائماً، وأن يصلّي صلاته وكأنه يحدثه ويسجد ويركع أمامه، أن ينتبه لمعاني الأذكار حال قراءتها فيعرف ماذا يقول، ومع أي قدرة عظيمة يتحدّث ويستمر على هذه الحال حتى آخر الصلاة.
طبعا هذا عمل صعب، لكنه يُصبح أكثر سهولة مع المراقبة والجد والسعي {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا}، إذا لم يوفّق في البداية، عليه أن لا ييأس، بل يجب عليه أن يعمل بجد وثبات أكبر حتى يسيطر على نفسه.
عليه أن يُخرج الأفكار المتفرقة من باله ويوجهه نحو اللّه، وإذا لم يتحقق هذا الأمر في بضعة أيام أو أسابيع أو أشهر فعليه أن لا ييأس، لأنه ممكن على كل حال.
يوجد بين البشر أفراد مميزون يُصلون الصلاة من أولها إلى آخرها بحضور قلب، ولا يتوجهون للغير أصلاً حال الصلاة.
علينا أن لا نيأس من الوصول إلى هكذا مقام شامخ، وإذا لم نصل إلى المرتبة الكاملة فعلينا على الأقل أن نسعى لنصل إلى الحد الممكن، وهذا المقدار غنيمة.
------------------------
المصدر: كتاب "تزكية النّفس وتهذيبها" للشيخ إبراهيم الأميني (رض)
تعليق