عن أبي عبدالله عليه السلام قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعِيسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: ( يَا عِيسَى هَبْ لِي مِنْ عَيْنَيْكَ اَلدُّمُوعَ وَمِنْ قَلْبِكَ اَلْخَشْيَةَ وَقُمْ عَلَى قُبُورِ اَلْأَمْوَاتِ فَنَادِهِمْ بِالصَّوْتِ اَلرَّفِيعِ فَلَعَلَّكَ تَأْخُذُ مَوْعِظَتَكَ مِنْهُمْ وَقُلْ إِنِّي لاَحِقٌ فِي اَللاَّحِقِينَ يَا عِيسَى صُبَّ لِي مِنْ عَيْنَيْكَ اَلدُّمُوعَ وَ اِخْشَعْ لِي بِقَلْبِكَ)[1]
البكاء حال الدعاء، وهو سيد الآداب وذروة سنامها للأسباب التالية:
أولا: لدلالته على رقة القلب الذي هو دليل الإخلاص الذي عنده تحصل الإجابة. قال الصادق عليه السلام: (إِذَا اِقْشَعَرَّ جِلْدُكَ وَ دَمَعَتْ عَيْنَاكَ فَدُونَكَ دُونَكَ فَقَدْ قُصِدَ قَصْدُكَ)[2]
ثانياً: فلما فيه من الانقطاع إلى الله تعالى وزيادة الخشوع. قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ (صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) : (إِذَا أَحَبَّ اَللَّهُ عَبْداً نَصَبَ فِي قَلْبِهِ نَائِحَةً مِنَ اَلْحُزْنِ فَإِنَّ اَللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ وَ إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ اَلنَّارَ مَنْ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اَللَّهِ حَتَّى يَعُودَ اَللَّبَنُ إِلَى اَلضَّرْعِ وَ إِذَا أَبْغَضَ اَللَّهُ عَبْداً جَعَلَ فِي قَلْبِهِ مِزْمَاراً مِنَ اَلضَّحِكِ وَ إِنَّ اَلضَّحِكَ يُمِيتُ اَلْقَلْبَ وَ اَللَّهُ لاَ يُحِبُّ اَلْفَرِحِينَ)[3].
ثالثاً: فلموافقته أمرَ الحق سبحانه وتعالى في وصاياه لأنبيائه حيث يقول لعيسى عليه السلام: ( يَا عِيسَى هَبْ لِي مِنْ عَيْنَيْكَ اَلدُّمُوعَ وَ مِنْ قَلْبِكَ اَلْخَشْيَةَ وَ قُمْ عَلَى قُبُورِ اَلْأَمْوَاتِ فَنَادِهِمْ بِالصَّوْتِ اَلرَّفِيعِ فَلَعَلَّكَ تَأْخُذُ مَوْعِظَتَكَ مِنْهُمْ - وَ قُلْ إِنِّي لاَحِقٌ فِي اَللاَّحِقِينَ صُبَّ لِي مِنْ عَيْنَيْكَ اَلدُّمُوعَ وَ اِخْشَعْ لِي بِقَلْبِكَ - يَا عِيسَى اِسْتَغِثْ بِي فِي حَالاَتِ اَلشِّدَّةِ فَإِنِّي أُغِيثُ اَلْمَكْرُوبِينَ وَ أُجِيبُ اَلْمُضْطَرِّينَ وَ أَنَا أَرْحَمُ اَلرَّاحِمِينَ)[4].
رابعاً: لما فيه من الخصوصيات والفضائل التي لا توجد في غيره من أصناف الطاعات.
وقد روى أن بين الجنة والنار عقبة لا يجوزها إلا البكّاؤون من خشية الله تعالى.
وروى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (ان ربى تبارك وتعالى أخبرني فقال: وعزتي وجلالي ما أدرك العابدون مما أدرك البكاؤون (درك البكاء) عندي شيئاً، واني لأَبْنِي لهم في الرفيع الأعلى قصراً لا يشاركهم فيه غيرهم). وفِيمَا أَوْحَى اَللَّهُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ واِبْكِ عَلَى نَفْسِكَ مَا دُمْتَ فِي اَلدُّنْيَا وتَخَوَّفِ اَلْعَطَبَ واَلْمَهَالِكَ ولاَ تَغُرَّنَّكَ زِينَةُ اَلْحَيَاةِ اَلدُّنْيَا وزَهْرَتُهَا )[5].
والى عيسى عليه السلام: ( يَا عِيسَى اِبْنَ اَلْبِكْرِ اَلْبَتُولِ اِبْكِ عَلَى نَفْسِكَ بُكَاءَ مَنْ وَدَّعَ اَلْأَهْلَ وقَلَى اَلدُّنْيَا وتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا وصَارَتْ رَغْبَتُهُ فِيمَا عِنْدَ إِلَهِهِ)[6].
وعَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ لَمَّا كَلَّمَ اَللّٰهُ مُوسىٰ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: (إِلَهِي مَا جَزَاءُ مَنْ دَمَعَتْ عَيْنَاهُ مِنْ خَشْيَتِكَ قَالَ يَا مُوسَى أَقِي وَجْهَهُ مِنْ حَرِّ اَلنَّارِ وَ آمنه [أُومِنُهُ] يَوْمَ اَلْفَزَعِ اَلْأَكْبَرِ)[7].
وقَالَ اَلْبَاقِرُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ: (كُلُّ عَيْنٍ بَاكِيَةٌ يَوْمَ اَلْقِيَامَةِ إِلاَّ ثَلاَثَ عُيُونٍ عَيْنٌ سَهِرَتْ فِي سَبِيلِ اَللَّهِ وعَيْنٌ فَاضَتْ مِنْ خَشْيَةِ اَللَّهِ وعَيْنٌ غُضَّتْ عَنْ مَحَارِمِ اَللَّهِ)[8].
نصيحة وإذا وفقت للدعاء وساعدتك العينان على البكاء وجادت لك بإرسال الدموع السجام عند تذكارك الذنوب العظام والفضائح في يوم القيامة، وإشفاق الخلائق من الملك العلام وتمثل ما يحل بالخلائق وقد خرست الألسن وخمدت الشقاشق وكانت الجوارح هي الشاهد والناطق وعظم هنالك الرخام، فألجمهم العرق وبلغ شحوم الآذان يوم تبلى السرائر وتظهر فيه الضمائر وتنكشف فيه العورات ويؤمن فيه النظر والالتفات وكيف وأنى لهم بالنظر؟ ومنهم المسحوب على وجهه والماشي على بطنه ومنهم من يوطئ بالأقدام مثل الذر ومنهم المصلوب على شفير النار حتى يفرغ الناس من الحساب، ومنهم المطوق بشجاع في رقبته تنهشه حتى يفرغ الناس من الحساب، ومنهم من تسلط عليهم الماشية ذوات الأخفاف فتطأه بأخفافها، وذوات الأظلاف فتنطحه بقرونها وتطأه بأظلافها.
[1] وسائل الشیعة، ج7، ص76.
[2] الکافي، ج2، ص478.
[3] وسائل الشیعة، ج7، ص76.
[4] عدة الداعي، ج1، ص168.
[5] عدة الداعي، ج1، ص169.
[6] الکافي، ج8، ص131.
[7] عدة الداعي، ج1، ص169.
[8] وسائل الشیعة، ج15، ص252.