إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حكاية عمو حسن

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حكاية عمو حسن



    تحضرني اليوم حكاية شهدتُ بعض مراحلها، لكني لم اطلعْ على دقة التفاصيل؛ فالحاج عباس جاسم عبد الله (ابو تحسين) هو احد الذين عرفتهم عن قرب خلال سنوات طويلة، لكن لم تأتِ يوما فرصة أن نتطرقَ فيها الى تفاصيل هذه الحكاية التي اشتهرت وقتها بين ابناء قريته، ثم انتشرت عند العشائر الباقية... كنا في جلسة من جلسات عاشوراء نتنادم بها بعد تعب عاشورائي لذيذ، نشرب الشاي في (التكية) أخذنا (ابو تحسين) الى عوالم عشت تفاصيلها.. فما أجمل تلك الحكايات التي نستحضر بها حكايا أيام زمان، وذكريات المواكب والتكايا، يقول (أبو تحسين): ما إن تبدأ حركة الزائرين الى كربلاء حتى تحتضن القرى الطريق لخدمة الزائرين، هذا ما ورثناه أبا عن جد... كنا نسعى بفخر لطبخ زاد الحسين ع، نجمع المؤونة قبل أيام... البعض يحضر الخراف، والبعض يحضر القدور والحطب، والبعض يحضر القدور والدهن والسكر، وباقي المواد... في سنة من السنين شهدت أجدبت الأرض وحلّت مجاعة غير عادية، فجاع من جاع ومات من مات ورحل من رحل بحثاً عن الكلأ والعشب وعن الحياة.
    وحين أقبل موسم الزيارة أصبحت مهموما وحزينا فلا شيء لديّ لأستقبل به زائري الحسين ع أعددت القدور والحطب، وقررت أن آخذ مؤونة العيال التي تسبب محنة كبيرة، وقد تغضب زوجتي ويجوع أطفالي، نحن قوم أبعدتنا المسافات ولا تربطنا بالمدن سوى ضلع شارع هزيل، لكني المهم أعددت القدور وأعددت الحطب وكأني أنتظر معجزة، فما أن شاهدت أول زائر في الطريق حتى جنّ جنوني فقمت صارخا ابكي لا شيء لدي سوى البكاء، رفعت رأسي الى السماء وأنا أصرخ: يالله وفقني لأجتاز محنتي... يالله وفقني لخدمة مولاي الحسين... سأموت لو لم أطبخ لسيدي الحسين ع... وإذا بهاجس يصرخ بي: قم أشعل الحطب على الماء، هاجسي يصرخ: لا تخشَ... فصرت كأني أنتظر معجزة تنقذ حيرتي، جلست وحين يئست نظرت الى مؤونة العائلة أخذتها والمرأة تصرخ: مجنون المؤونة قليلة، لا تكفي لعشرة زائرين، وأنت تركت أطفالك دون مؤونة سيجوع الاطفال.
    أخذت المؤونة وأنا أتحدى غضب الزوجة وشبح الجوع، هاجس داخلي يقول: لا تخشَ على شيء وسط هذا الغضب والانفعال، ارتبكت تماما وإذا بي أضع كمية التمن القليلة في هذا القدر الكبير من الماء، اندهشت فعلا وعندها أحسست بالخطأ الكبير الذي فعلته: ماذا تفعل هل تطبخ الحساء؟ رفعت اللوم غاضباً على زوجتي التي أربكتني ورحت اركض صوب المرابع البعيدة، كي لا أرى زائرا يمر في طريقنا ولا أدعوه، وإذا المرأة تصيح خلفي: إلحق لقد تم طهو الطعام، وهاجس يصيح بي: إرجع كي تشرف على المأدبة، واذا بالسفرة عامرة وشبع الزائرين وبقى الفائض بركة يكفي ضعف من أكلوا...
    انتهت القضية وتفرغنا بعدها لمشكلة؛ كيف سنعيش؟ قلت لزوجتي: لا يعجبني هذا التذمر يا امرأة، وهي تقول: لا يرضى الله تعالى أن تترك أطفالي يجوعون، وازداد سعير الجدال، فتركت البيت ورحلت الى عمق المرابع زعلان، وكأني قررت أن لا أبقى في بيت يجمعني مع امرأة لا تعرف ما يعني الحسين ع. رفعت رأسي الى حيث كربلاء: ياحسين نحن لسنا مجانين حين نرجو بنصرتك الخير... نحن لسنا مجانين كي نطمع بكرامة المروءة الهاشمية... يا الله ساعدني على اجتياز محنتي، وإذا بهاجس يصحو: إرجع... عد الى بيتك. :- كيف أرجع.. حيرة.. هل أستميحها عذراً بدل أن أعنفها؟ التفت وإذا بها تركض وأبنائي والمرأة تصرخ: وصلت المؤونة التي أرسلتها جمال كثيرة محملة بالتمن والطحين، وأنواع الحبوب... فقالت زوجتي وهي تبتسم: لما لم تخبرني بأنك رجل غني، ولك مال كثير تقدر أن تشتري به هذه المؤونة التي تشبع قرى بحالها!! قلت وأنا أمسح الدموع: يا إمرأة الى متى ستجهلين بركات سيدي ومولاي أبي عبد الله... إنها بركات الحسين... إنها بركات الحسين.
    أعجبني
    تعليق


    اكتب تعليقًا...

    نشط
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X