لماذا المقبرة باردة؟ وإذا بجدي واقفاً خلفي يقول: كم أنت جميل يا ولدي، أرى فيك أباك، حين كان صغيراً أقوده إلى المدرسة، فيسألني: لماذا المدرسة باردة يا أبي؟ ويبدو أن الجدَ أسس في هذا التداخل البسيط بين الموضوعتين، وأثارت ذاكرة الشهداء، قال أحدهم: هل تعلم أن المدارس في كربلاء كانت تصرف عليها مخصصات من الأهالي، وتمنح لطلابها مساعدات مالية. سألت: في أي زمان أنت تتحدث؟ عقب أحدُ الشهداء: قبل الانقلاب العثماني. قاطعه صديق جدي الشيخ الوقور: وما بعد الانقلاب العثماني، كانت المدارس تُشيّد من قبل رجالات كربلاء... قلت: هل صحيح يا جد كان الناس يرفضون قيام المدارس؟ فأجاب الجد: نعم يا بني لقد اعتبروها من المنكر!!
فسألت: هل هذا هو رأي رجال الدين في كربلاء؟ فقال: لا يا بني بالعكس تماماً، فرجال الدين شجعوا العلم ونشروا المعرفة. قلت: طيب وموقف الحكومات؟ قال: بعد قيام ثورة العشرين الكبرى، وتأسيس الدولة العراقية، أولت وزارة المعارف اجتماعا ملحوظا في دعمها، فوفرت للمدارس ما تحتاجهُ، وتم رصد مبالغ مناسبة لتمويلها وسد احتياجاتها. فسألني أحد الشهداء وكأنه يختبرني: هل تعرف أول مدرسة في كربلاء؟ قلت: حسبما أعرف إنها المدرسة الحسينية، والتي كانت تسمى (مكتب حسيني) ولكن الذي أجهله هو في أي سنة افتتحت هذه المدرسة؟ فقال صديق جدي الشيخ الوقور: سنة 1327هـ. فقلت: صرفها بالميلادي يا جد؟ ابتسم الجد وقال: سنة 1907م. قال الجد: وبعدها أسست المدرسة الجعفرية التي أسسها رعايا الهنود. عقبت لأبين لهم أننا قد تدارسنا الموضوع في زيارة سابقة، قلت: وقد أغلقَ العثمانيون هذه المدرسة سنة 1913م أي بعد سنة واحدة، لكون الهند كانت تابعة للحكومة البريطانية، وأعرف يا جد أن هناك المدرسة الرشدية والمدرسة الابتدائية والمدرسة الابتدائية النموذجية في العباسية الغربية، ولقد تحدثنا عن مدرسة السادة الأيتام التي احترقت من قبل الزوار حيث افتتحت بعد الاحتلال العثماني بأربعة صفوف في دار شمس الدولة قرب مرقد ابن فهد الحلي، والتي أغلقت بعد الثورة العراقية، وأصبحت مدرسة كاملة سنة 1922م حسبما أعلم.
فقال الجد: يا بني صحيح أننا تحاورنا في الموضوع، لكن لا يعني أننا استوعبناه، فهل تعرف المدرسة الابتدائية الأولى التي أسست سنة 1918م ما أسمها الآن؟ قلت: لا أعرف أسمها؟ فقال لي الجد: هي مدرسة الحسين عليه السلام، وهل تعلم يا ولدي أن هناك مدرسة كانت في داخل الصحن الحسيني، أنشئت بتبرع من (طالب باشا النقيب) وزير الداخلية فتبرع لها ألف روبية، وبعدها المدرسة الرضوية في باب السدرة. فعقب الجد: يا بني هذه المسائل التراثية المهمة لمدينة كربلاء، لابد أن نحفظها على ظهر قلب، وهل نملك سوى هذا التاريخ، ماذا لو سألتك يا ولدي عن المدرسة الفيصلية؟ قلت: أعتقد أنها تلك المدرسة الأهلية التي زارها الملك فيصل الأول، وأعطاها صفة الرسمية. فعقب الجد: وقد تولت ادارتها وزارة المعارف سنة 1925م وبعدها افتتحت المدرسة الجعفرية التي هي السبط والمدرسة العباسية والهاشمية ومدارس كثيرة أخرى كالعلقمي والمخيم والخزرجية، وبعدها مدارس القرية الـﮔنطرة، الحر، الكمالية، العطيشي، الأبيتر...
ابتسم أحد الشهداء: أما مدارس البنات في كربلاء، فهناك كانت مدرسة أولى ابتدائية تأسست سنة 1910م لكنها أغلقت بعد إحدى عشرة سنة لقلة الإقبال عليها، وأعيد فتحها بعد حصول العراق على الحكم الوطني مدرسة الأحداث الحسينية ومدرسة الأحداث العباسية، ومدرسة أم سلمة. قلت: يا جد متى تأسست أول متوسطة للبنات؟ قال: سنة 1930م وهي متوسطة المنار حاليا. قلت: والله يا جد إنها معلومات جيدة. فقال: ألم أقل لكَ يا ولدي أن هذه المعلومات لابد أن نحفظها على ظهر قلب، انزل إلى الشارع الكربلائي واسألهم: متى أسست دار المعلمين الابتدائية في كربلاء، ستجد حتما هناك صعوبة في فهم القضية. قلت: يا جد شوقتني لمعرفة الإجابة؟ فأجاب أحد الشهداء: عام 1957م. قلت: يا جد يبدو أن المدارسَ المهنية لم تشمل زمانكم. ضحك الجد وقال: وإن لم تشمل فنحن نعرف أخبارها يا بني، ولو تسأل الجميع عن إعدادية زراعة كربلاء مثلاً لقالوا لك إنها أسست سنة 1967م وفي نفس السنة افتتحت إعدادية كربلاء المهنية وعام 1974م إعدادية صناعة كربلاء، وتجارة كربلاء وفي 1979م تم افتتاح إعدادية صناعة الهندية، وإعدادية زراعة الهندية. وصاح الجد: يكفي لهذا الحد كي لا يطول غيابه علينا.
أعجبني
تعليق