اللهم صل على محمد وآل محمد
الآية الشريفة﴿34﴾ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ
﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا﴾
ان العبادة هي ان ينصب العبد نفسه في مقام العبودية، وان يقوم بما يثبت ذلك، والعبادة هي اظهار مولوية المولى في كل عمل وكلما كان هذا الاظهار اشد زادت العبودية تعينا ، واوضح مظاهر العبودية هو السجود. فسجود الملائكة لادم تلبية لامر الله وهو اعتراف منهم بعبوديتهم له.
بين سبحانه ما آتاه آدم عليه السلام من الإعظام والإجلال والإكرام فقال واذكر يا محمد { إذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم } والظاهر يقتضي أن الأمر بالسجود له كان لجميع الملائكة حتى جبرائيل وميكائيل لقولـه فسجد الملائكة كلهم أجمعون وفي هذا تأكيد للعموم.
وقال قوم إن الأمر كان خاصاً لطائفة من الملائكة كانوا مع إبليس طهر الله بهم الأرض من الجن.
واختلف في سجود الملائكة لآدم على أيّ وجه كان:
فالمروي عن أئمتنا عليهم السلام أنه على وجه التكرمة لآدم والتعظيم لشأنه وتقديمه عليهم وهو قول قتادة وجماعة من أهل العلم واختاره علي بن عيسى الرماني ولهذا جعل أصحابنا رضي الله عنهم هذه الآية دلالة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة من حيث إنه أمرهم بالسجود لآدم وذلك يقتضي تعظيمه وتفضيله عليهم .
وقال الجبائي وأبو القاسم البلخي وجماعة أنه جعله قبلة لهم فأمرهم بالسجود إلى قبلتهم وفيه ضرب من التعظيم وهذا غير صحيح لأنه لو كان على هذا الوجه لما امتنع إبليس من ذلك ولما استعظمته الملائكة وقد نطق القرآن بأن امتناع إبليس عن السجود إنما هو لاعتقاده تفضيله به وتكرمته .
﴿ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ﴾
رفض ابليس كان منافيا للعبودية واظهار للكفر.
ثم اُختلف في إبليس هل كان من الملائكة أم لا؟
فذهب قوم أنه كان من الملائكة وهو المروي عن ابن عباس وابن مسعود وقتادة واختاره الشيخ السعيد أبو جعفر الطوسي قدس الله روحه قال وهو المروي عن أبي عبد الله (عليه السلام) والظاهر في تفاسيرنا ، احتج بأنه لو كان من غير الملائكة لما كان ملوماً بترك السجود فإن الأمر إنما يتناول الملائكة دون غيرهم .
ثم اختلف من قال إنه من الملائكة فمنهم من قال إنه كان خازناً على الجنان.
ومنهم من قال كان له سلطان سماء الدنيا وسلطان الأرض.
ومنهم من قال إنه كان يسوس ما بين السماء والأرض.
وقال الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد ابن النعمان قدس الله روحه أنه كان من الجن ولم يكن من الملائكة قال وقد جاءت الأخبار بذلك متواترة عن أئمة الهدى عليهم السلام وهو مذهب الإمامية وهو المروي عن الحسن البصري وهو قول علي بن عيسى البلخي وغيره
ويؤيد هذا القول ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه رحمه الله في كتاب النبوة بإسناده عن ابن أبي عمير عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله (ع) قال: سألته عن إبليس أكان من الملائكة أو كان يلي شيئا من أمر السماء؟ فقال: لم يكن من الملائكة ولم يكن يلي شيئاً من أمر السماء وكان من الجن وكان مع الملائكة وكانت الملائكة ترى أنه منها وكان الله سبحانه يعلم أنه ليس منها فلما أمر بالسجود لآدم كان منه الذي كان, وكذا رواه العياشي في تفسيره.
وروى مجاهد وطاووس عنه أيضاً أنه قال كان إبليس قبل أن يرتكب المعصية ملكا من الملائكة اسمه عزازيل وكان من سكان الأرض وكان سكان الأرض من الملائكة يسمون الجن ولم يكن من الملائكة أشد اجتهاداً ولا أكثر علماً منه فلما تكبر على الله وأبى السجود لآدم وعصاه لعنه وجعله شيطاناً وسماه إبليس.
﴿ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾
معناه كان كافراً في الأصل وهذا القول يوافق مذهبنا في الموافاة.
وقيل أراد كان في علم الله تعالى من الكافرين.
وقيل معناه صار من الكافرين.
ان ابليس كان كافرا من قبل ، وان اباءه عن السجدة كان مرتبطا بذلك فقد كان مضمرا ، فكفر ابليس كان مكتوما من قبل ، فلما صدر امر السجود ظهر كفره.
----------------------------
مختصر تفسير الميزان
للعلامة السيد محمد حسين الطباطبائي رحمه الله.
تعليق