إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الشعورية في نهج البلاغة

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الشعورية في نهج البلاغة



    التعبير: مصطلح لغوي يشمل كل صورة لفظية، ذات دلالة موحية، ويرى معظم النقاد عدم صلاحيته أدبيا إلا حين يتناول التجربة الشعورية، فكان الامام علي (ع) يدوِّن معظم رسائله بصيغة (من عبد الله علي امير المؤمنين...) وهذه سمة العبودية التي حملها شعورا نبيلا، هو ذوبان في الذات الالهية، وقمة في الشعورية التعبيرية، والتعبير عن الانفعال الوجداني، من حيث كم الاحاسيس يدل على غنى التجربة، وهنا يأتي دور الايحاء، كقوله عليه السلام: (مَنْ أَبْطَأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ)، فنجد الإثارة، والتأثير، لإبعاد الخطابية التقليدية عن المنجز.
    يرى الناقد (هشام منور): ان الشعورية قيمة أدائية، من الممكن ان تضيف الى الموضوعية مديات تأثيرية، تمنحنا سمات المنشأ، وتكشف لنا خصوصية تفاعله مع العوامل النفسية، من خلال معاملة القيمة الشعورية، كخصيصة فنية، كقوله عليه السلام: (لِسَانُ الْعَاقِلِ وَرَاءَ قَلْبِهِ وقَلْبُ الأَحْمَقِ وَرَاءَ لِسَانِهِ).
    ويشير السيد قطب في كتابه (النقد الادبي): ان التجربة الشعورية ترتبط بالمخزون الثقافي المدعوم بتصورات المبدع عن الحقائق الكونية، والعلاقات الانسانية المرتبطة بمنظور عقائدي... وهذا ما ركز عليه السيد حسن الشيرازي في كتابه (العمل الادبي)، كقوله عليه السلام: (عَجِبْتُ لِمَنْ يَقْنَطُ ومَعَهُ الاسْتِغْفَارُ) اي: التوبة.
    فنصل الى حقيقة، ان التجربة الشعورية، تجربة تأثيرية مؤثرة، تنتج لنا تعبيرات ذهنية، تفاعلت شعوريا، وكونت رؤى فكرية، ترجمتها الالفاظ، كقوله عليه السلام، يصف رسالة وصلته من معاوية: (أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ أَتَتْنِي مِنْكَ مَوْعِظَةٌ مُوَصَّلَةٌ ورِسَالَةٌ مُحَبَّرَةٌ نَمَّقْتَهَا بِضَلالِكَ وأَمْضَيْتَهَا بِسُوءِ رَأْيِكَ وكِتَابُ) أي وقعت الرسالة بسوء الرأي.
    ومن تلك التجارب، ما يكون تجربة ذاتية، ينبع منها الموقف الخاص، اي تلك المواقف التي تعرّض لها المبدع، وعاشها معايشة ذات طابع يتمتع بخصوصية الموقع والمكانة، كقوله عليه السلام: (صِرْتُ يُقْرَنُ بِي مَنْ لَمْ يَسْعَ بِقَدَمِي) أي قدمي التي جرت وثبتت في الدفاع عن الدين. واخرى تشكل تجربة انسانية عامة، ينبع منها موقف عام، تعرّضت له الامة، تحدد (التجربة الشعورية، الوجدان العاطفي، الفكرة، الصور التعبيرية، ذات المنحى المتنوع...) فهو واضح يتخذ من الوضوح وسيلة الافهام العام، ومنها ما يتميز بعمق معنوي من اجل حصول المتعة، ومثل هذه المحفـّزات الشعورية، جعلت الدكتور الناقد (عزت عمر) يرى ان أي نص تعبيري، انما هو تجربة شعورية، ومثل هذه الرؤية تقلل من شأن المواقف التفاعلية والرؤيوية، التي يسعى المبدع لترجمتها الى لغة تعبيرية، كقوله عليه السلام، وهو يوبخ احد عماله: (وَ إِنِّي أُقْسِمُ بِالله قَسَماً صَادِقاً لَئِنْ بَلَغَنِي أَنَّكَ خُنْتَ مِنْ فَيْ‏ءِ الْمُسْلِمِينَ شَيْئاً صَغِيراً أَوْ كَبِيراً لاشُدَّنَّ عَلَيْكَ شَدَّةً تَدَعُكَ قَلِيلَ الْوَفْرِ ثَقِيلَ الظَّهْرِ ضَئِيلَ الأَمْرِ والسَّلامُ).
    ذهب النقاد الى وجود العديد من العناصر التكوينية، كالوجدان العاطفي، وما يرتكز منها على اللذة، الالم، كقوله عليه السلام: (مَنْ أَحَبَّنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَسْتَعِدَّ لِلْفَقْرِ جِلْبَاباً). والفرح، كقوله عليه السلام: (إِنَّ لِلْقُلُوبِ شَهْوَةً وإِقْبَالاً وإِدْبَاراً فَأْتُوهَا مِنْ قِبَلِ شَهْوَتِهَا وإِقْبَالِهَا فَإِنَّ الْقَلْبَ إِذَا أُكْرِهَ عَمِيَ ). الحزن، الحب، الكراهية،.
    والعنصر الثاني: هو عنصر الفكرة التي تعبر عن امتزاج وجداني، كقوله عليه السلام، للمعقل بن قيس، قائد جيش ارسله الى صفين، كمقدمة للجيش: (ولا يَحْمِلَنَّكُمُ شَنَآنُهُمْ عَلَى قِتَالِهِمْ قَبْلَ دُعَائِهِمْ والإِعْذَارِ إِلَيْهِمْ) الشنآن: البغضاء والاعذار اليهم، تقديم مايقدرون به دفع قتالهم.
    ومن ثم العنصر الابداعي، تلك الصور التعبيرية بألفاظ موجزة، كقوله عليه السلام: (الْهَمُّ نِصْفُ الْهَرَمِ). وعبارات مترادفة فيها موسيقى الجرس الداخلي للكلمات، كقوله عليه السلام: (وَبُؤْسَى لِمَنْ خَصْمُهُ عِنْدَ الله الْفُقَرَاءُ والْمَسَاكِينُ والسَّائِلُونَ والْمَدْفُوعُونَ والْغَارِمُونَ وابْنُ السَّبِيلِ). والبؤس: تعني اشتداد الحاجة، لمن كان خصمه الفقراء عند الله، فلابد أن ييأس لأنهم لايعفون، ولا يتسامحون عن حقهم، لتفرح قلوبهم من المنع عند الحاجة.
    واعتبر اهل النقد: ان الصدق هو من اهم العناصر الشعورية المؤثرة، من معايشة، وانفعال صادق، وصدق تعبيري، كقوله عليه السلام، في مسألة اجتماعية: (غَيْرَةُ الْمَرْأَةِ كُفْرٌ وغَيْرَةُ الرَّجُلِ إِيمَانٌ).
    ولو ذهبنا الآن الى مساحة أبعد لنتجاوز بها (فرويد) ومكبوتاته اللاشعورية، ونقف عند (يونج) الذي يرى: ان الشعورية موروث جمعي، يورث في انسجة الاذهان، وكلاهما اتفقا على ان الشعورية تمثل النماذج الابداعية العليا.
    وقد يتساءَل المرء: هل ان شعورية نهج البلاغة، مكتسبة من الواقع المعاش، ام انها تكوينية، وصلته عبر وصايا، ونبوءات رسالية؟ لنستدل من خلالها الى ان التكوينية التي ربطها (فرويد) بالمكبوت اللاشعوري، تصبح في نهج البلاغة الى موروث مقدس ديني واع، بعضها ابقاها الامام علي عليه السلام في منزلته التكوينية، وخاصة عندما يتوسم الشعورية الغيبية الحسية، وبعضها اعتمد المكتسب الحياتي لاظهار المعتبر الواقعي.
    وكما نجده قد سخـّر (التكويني) لصالح (المكتسب) لإظهار حكمة واقعية مرتبطة بتكوينات مدروسة واعية، ذات مرجعية رسالية، وهذه كما نراها هي المنزلة العليا لشعورية الارتقاء الابداعي، وهي من افضل مميزات نهج البلاغة.

    ك
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X