الاسلام دين الرحمة، وقد حثنا ديننا على التعامل بإنسانية مع الحيوان، فكيف بحق الانسان على الإنسان. وفي موضوع التنمّر المدرسي، نتطرق لبعض الشواهد والحالات الملموسة في الواقع:
بينما كانت إحدى الأمهات تنتظر ابنتها في الصف الأول الابتدائي تخرج من المدرسة لتصطحبها الى البيت، سمعت طفلة تقول لوالدها وهي تشير إلى ابنتها حين كانت تخرج من الباب الداخلي للمدرسة:
- أبي أنظر إلى تلك الطفلة.
أجاب الأب: ماذا بها؟
- اليوم كانت هناك مجموعة من الطلبات يركضن وراءها، وهي تهرب منهن وتبكي، وهم يضحكون وتتعالى أصواتهم قائلين:
دبة حميسة (بمعنى سمينة مثل الدب).
استغربت الأم، وحاولت أن تسأل ابنتها لعلها تبادر بالحديث:
الأم:ــ ابنتي، هل حدث لك شيء غريب اليوم، هل آذاك أحد.
الطفلة:ــ لا.
فأخبرتها الأم بما سمعت.
الطفلة:ــ نعم فعلوا هكذا .
الأم:ــ سأذهب غدا الى المديرة وأبلغها بالأمر.
الطفلة أجابت بثقة: انسي الموضوع.
سارعت الأم وتحدثت مع إدارة المدرسة، وعلموا أنها لم تكن تتعرض إلى التنمر اللفظي فقط، بل الأذى الجسدي بالضرب من قبل ثلاث طالبات، اثنتين في الصف السادس الابتدائي، وواحدة معها في نفس الصف، وتم إنقاذ هذه الطفلة في الوقت المناسب، وذلك وفقا للإجراءات التي اتخذتها المدرسة مشكورة.
توجهنا أولًا بطرح السؤال على الكاتبة والمعلمة السيدة فرح تركي، التي لديها واحد وعشرون عامًا ممارسة عملية بمهنة التعليم:
- لابد أنك امتلكت خبرة ومعرفة عن ظاهرة التنمر المدرسي، كيف تعاملتِ مع ضحايا التنمّر خلال سنوات التدريس مع المتنمّرين والمتنمّرات؟
التنمّر ظاهرة سلبية، القصد منها هو التقليل من قيمة الشخص المقابل وتجريحه والانتقاص منه بالإساءة منه لفظياً، وقد يكون التجريح بسبب شكله، أو ملابسه، أو مستواه، أو حتى تصرفاته وطريقة لفظه للأحرف، أو طريقة الكلام.
ومن خلال مسيرتي التربوية، كان لي نهج معين في محاولة توجيه المتنمرين بأن تصرفهم هذا خطأ كبير من ناحية الأدب والأخلاق والدين، فدومًا أكرّر لهم قوله تعالى في سوره الحجرات:
«وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ» [الحجرات/11]، وأقوم بشرح الآية الكريمة لهم، بالرغم من كوني متخصصة في اللغة الانكليزية، لكن من واجب المربي أن يتحسس الخطأ ويشخصه ويعالجه، وقد وجدت تجاوباً ملموساً بنسبة كبيرة، فكلما رُصدت الحالة مبكراً كان العلاج أسهل وأسرع؛ لأن الطفولة غرس غض يحتاج الاعتناء، وبذات الوقت، فإني أجد أن واجبي يحتّم عليّ دعم الضحية التي وقعت تحت التنمّر بالتشجيع وإضفاء الثقة لكل مزاياها؛ لأنها بذرة أساسية، وأي كسر قد يؤثر في نفسيتها في المستقبل.
وسألنا المدرب المعتمد في التنمية البشرية الأستاذ علي غسان المسعودي، عن وجهة نظره في ظاهرة التنمّر، وما هي أسبابها، وما السبيل لعلاجها، فقال؟
إذا أردت أن تبني مجتمعًا صالحًا، عليك أن تبني أسرة صالحة، وموضوع التنمر يمكن إجماله في ثلاثة محاور:
المحور الأول: ما هو التنمر؟
التنمّر: صفة سلبية تكاد تكون مستحدثة، حيث لم تكن دارجةً بشكل واضح في الماضي، وهذا يجرنا الى المحور الثاني ألا وهو أسباب التنمر، حيث الجانب المظلم من التطور الكبير والتكنولوجيا والانفتاح، وإذا أردنا أن نأخذ مثالًا جليًّا نتكئ عليه ممكن ان نتطرق الى السوشيال ميديا التي جعلت من الشخص يعبر عن الطاقة السلبية كالانتقاص من الشخص المقابل والتجريح به أو التقليل من قيمة أفعاله أو السخرية على بعض ألفاظه، وبصورة سهلة ومن دون الحاجة الى مقدمات، وهذا الأمر انعكس على الحياة الواقعية حيث أصبح الموضوع متداولًا بكثرة .
ولاشك بأن هنالك المزيد من الأسباب الأخرى التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة، كقِلة الوعي والثقافة والجهل بخطورة الموضوع على الشخص المُتنمّر عليه، وهناك أسباب اجتماعية أخرى.
وهنا من السهولة أن نقول أن إيجاد الحلول ليس بالمشكلة المستعصية وهذا هو المحور الثالث، وهو تسليط الضوء على مواقع التواصل الاجتماعي من قبل الدولة ومراقبتها بطريقة مرنة، وكذلك توجيه الرأي العام الى أهمية نشر الوعي والبحوث بخصوص هذا الموضوع.
كما أؤكد أن الأسرة هي جزء أساسي في اللعبة، ومن ثم تأتي المدرسة، فالطبقة التعليمية لها دور تربوي كبير في معالجة هذا الموضوع ومن ثم المجتمع.
وأخيرًا توجهنا بالسؤال لإحدى الطالبات، وهي خريجة جامعة الآداب قسم اللغة الإنكليزية، وقد تعرضت للتنمّر في صغرها، فقالت:
طوال فترة دراستي الابتدائية تنمّرت عليّ طالبة حتى وصلت إلى صف السادس الابتدائي رفعت يدها أرادت ضربي، نظرت في عينيها وصببت جام غضبي عليها، وأمسكت يدها بقوة، وقلت: إذا ضربتِني مرة أخرى سوف أكسر رأسك، وهذا بالطبع كان مجرد تهديد خطر في ذهني، ولم أكن أفكر في ضربها حقًّا، والذي حدث بعدها أن الطالبة خافت وتركتني بسلام.
الطالب باقر سجاد علي حسن - الأول متوسط:
على الأهل والمعلمين والجهات المسؤولة والمؤسسات المجتمعية التعامل بجدية مع هذه الظاهرة، فواحد من عشرة طلاب يتركون المدرسة؛ بسبب التنمر وصولًا إلى الانتحار. وقد أثبتت الدراسات أن (٥٧%) من حالات التنمر توقفت عند تدخل الآخرين.