بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال نبي الله عيسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام: (بحق أقول لكم: يا عبيد الدنيا! ما الدنيا تحبون، ولا الآخرة ترجون، لو كنتم تحبون الدنيا أكرمتم العمل الذي به أدركتموها، ولو كنتم تريدون الآخرة عملتم عمل من يرجوها)[1].
البعض يتصور أن الإسلام في دعوته إلى الزهد يدعو إلى ترك الدنيا واحتقارها، وهذا تصور خاطئ، الزهد لا يعني ترك الدنيا وإنما يعنى ترك حب الدنيا، وهنالك فرق بين فعل كسب الدنيا وبين صفة حب الدنيا، ولو استعرضنا الروايات التي تحدثت عن حقيقة الزهد لوقفنا على أن الزهد لا يعني ترك التملك، وإنما يعني أن يملك الإنسان الأشياء وألا تملكه الأشياء.
عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: (اَلزُّهْدُ قَصْرُ اَلْأَمَلِ وَتَنْقِيَةُ اَلْقَلْبِ وأَنْ لاَ يَفْرَحَ بِالثَّنَاءِ ولاَ يَغْتَمَّ بِالذَّمِّ ولاَ يَأْكُلَ طَعَاماً ولاَ يَشْرَبَ شَرَاباً ولاَ يَلْبَسَ ثَوْباً حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ أَصْلَهُ طَيِّبٌ وأَنْ لاَ يَلْتَزِمَ اَلْكَلاَمَ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ وأَنْ لاَ يَحْسُدَ عَلَى اَلدُّنْيَا وأَنْ يُحِبَّ اَلْعِلْمَ واَلْعُلَمَاءَ وأَنْ لاَ يَطْلُبَ اَلرِّفْعَةَ واَلشَّرَفَ)[2].
ويقول عليه السلام: الزهد كله كلمة بين كلمتين في القرآن ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ فمن لم يفرح بالآتي ولم ييأس بالماض فقد أدرك الزهد بطرفيه.
ويقول الإمام الصادق عليه السلام: (لَيْسَ اَلزُّهْدُ فِي اَلدُّنْيَا بِإِضَاعَةِ اَلْمَالِ وَ لاَ بِتَحْرِيمِ اَلْحَلاَلِ بَلِ اَلزُّهْدُ فِي اَلدُّنْيَا أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ)[3].
الخلاصة: القسم الأول من نظر الإنسان إلى الدنيا أن ينظر الإنسان إليها نظرة آلية وهذه النظرة يباركها الإسلام ويدعو إليها.
القسم الثاني: من نظر الإنسان إلى الدنيا أن ينظر إليها نظرة استقلالية، والمراد بالنظرة الاستقلالية: أن ير ى الإنسان الدنيا غاية وهدف يسعى من أجل تحقيق ملذاتها، وهذه النظرة يحتقرها الإسلام وينهى عنها، ذلك لأن الإنسان الذي يعتبر الدنيا أكبر هم يتحول إلى وحش مفترس يرتكب الذنوب ويقتحم المحرمان ويسفك الدماء ويهتك الأعراض من أجل تحقيق مصالحه الشخصية.
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ حُبُّ اَلدُّنْيَا)[4].
ويقول صلى الله عليه وآله: (مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ ومَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى)[5].
ويقول الإمام الصادق عليه السلام: (مَثَلُ اَلدُّنْيَا مَثَلُ مَاءِ اَلْبَحْرِ كُلَّمَا شَرِبَ مِنْهُ اَلْعَطْشَانُ اِزْدَادَ عَطَشاً حَتَّى يَقْتُلَهُ)[6].
وفي الحديث القدسي أوحى الله إلى نبيه موسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام: (أَنْ يَا مُوسَى لاَ تَرْكَنَنَّ إِلَى حُبِّ اَلدُّنْيَا فَلَنْ تَأْتِيَنِي بِكَبِيرَةٍ هِيَ أَشَدُّ مِنْهَا)[7].
الإمام الصادق عليه السلام: (مَرَّ عيسَى بنُ مَريَمَ عليه السلام عَلى قَريَةٍ قَد ماتَ أهلُها وطَيرُها ودَوابُّها، فَقالَ: أما إنَّهُم لَم يَموتوا إلاّ بِسَخطَةٍ حديث، ولَو ماتوا مُتَفَرِّقينَ لَتَدافَنوا. فَقالَ الحَوارِيّون: يا روح اللّه وكَلِمَتَهُ، ادعُ اللّه َ أن يُحيِيَهُم لَنا فَيُخبِرونا ما كانَت أعمالُهُم فَنَجتَنِبَها.
فَدَعا عيسى عليه السلام رَبَّهُ فَنودِيَ مِنَ الجَوِّ: أن نادِهم، فَقامَ عيسى عليه السلام بِاللَّيلِ عَلى شَرَفٍ حديث مِنَ الأَرضِ، فَقالَ: يا أهلَ هذِهِ القَريَةِ! فَأَجابَهُ مِنهُم مُجيبٌ: لَبَّيكَ يا روحَ اللّه ِ وكَلِمَتَهُ
فَقالَ: وَيحَكُم ما كانَت أعمالُكُم؟
قالَ: عِبادَةُ الطّاغوتِ وحُبُّ الدُّنيا، مَعَ خَوفٍ قَليلٍ، وأمَلٍ بَعيدٍ، وغَفلَةٍ في لَهوٍ ولَعِبٍ.
فَقالَ: كَيفَ كانَ حُبُّكُم لِلدُّنيا؟
قالَ: كَحُبِّ الصَّبِيِّ لاِمِّهِ؛ إذا أقبَلَت عَلَينا فَرِحنا وسُرِرنا، وإذا أدبَرَت عَنّا بَكَينا وحَزَنّا.
قالَ: كَيفَ كانَت عِبادَتُكُم لِلطّاغوتِ؟
قالَ: الطّاعَةُ لأهلِ المَعاصي.
قالَ: كَيفَ كانَ عاقِبَةُ أمرِكُم؟
قالَ: بِتنا لَيلَةً في عافِيَةٍ، وأصبَحنا فِي الهاوِيَةِ.
فَقالَ: ومَا الهاوِيَةُ؟
فَقالَ: سِجّينٌ.
قالَ: وما سِجّينٌ؟
قالَ: جِبالٌ مِن جَمرٍ توقَدُ عَلَينا إلى يَومِ القِيامَةِ.
قالَ: فَما قُلتُم وما قيلَ لَكُم؟
قالَ: قُلنا: رُدَّنا إلَى الدُّنيا فَنَزهَدَ فيها، قيلَ لَنا: كَذَبتُم.
قالَ: وَيحَكَ، كَيفَ لَم يُكَلِّمني غَيرُكَ مِن بَينِهِم؟!
قالَ: يا روحَ اللّه، إنَّهُم مُلجَمونَ بِلِجامٍ مِن نارٍ بِأَيدي مَلائِكَةٍ غِلاظٍ شِدادٍ، وإنّي كُنتُ فيهِم ولَم أكُن مِنهُم، فَلَمّا نَزَلَ العَذابُ عَمَّني مَعَهُم، فَأَنَا مُعَلَّقٌ بِشَعرَةٍ عَلى شَفيرِ حديث جَهَنَّمَ، لا أدري اُكَبكَبُ فيها أم أنجو مِنها.
فَالتَفَتَ عيسى عليه السلام إلَى الحَوارِيّين ، فَقالَ : يا أولِياءَ اللّه ِ ، أكلُ الخُبزِ اليابِسِ بِالمِلحِ الجَريشِ حديث وَالنّومُ عَلَى المَزابِلِ ، خَيرٌ كَثيرٌ مَعَ عافِيَةِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ)[8].
[1] تحف العقول، ص: 511.
[2] مستدرك الوسائل، ج12، ص50.
[3] وسائل الشیعة، ج16، ص15.
[4] الکافي، ج2، ص315.
[5] وسائل الشیعة، ج16، ص 9.
[6] تحف العقول، ج1، ص383.
[7] مجموعة ورّام، ج1، ص134.
[8] الکافي، ج2، ص318.
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال نبي الله عيسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام: (بحق أقول لكم: يا عبيد الدنيا! ما الدنيا تحبون، ولا الآخرة ترجون، لو كنتم تحبون الدنيا أكرمتم العمل الذي به أدركتموها، ولو كنتم تريدون الآخرة عملتم عمل من يرجوها)[1].
البعض يتصور أن الإسلام في دعوته إلى الزهد يدعو إلى ترك الدنيا واحتقارها، وهذا تصور خاطئ، الزهد لا يعني ترك الدنيا وإنما يعنى ترك حب الدنيا، وهنالك فرق بين فعل كسب الدنيا وبين صفة حب الدنيا، ولو استعرضنا الروايات التي تحدثت عن حقيقة الزهد لوقفنا على أن الزهد لا يعني ترك التملك، وإنما يعني أن يملك الإنسان الأشياء وألا تملكه الأشياء.
عَنْ أَمِيرِ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: (اَلزُّهْدُ قَصْرُ اَلْأَمَلِ وَتَنْقِيَةُ اَلْقَلْبِ وأَنْ لاَ يَفْرَحَ بِالثَّنَاءِ ولاَ يَغْتَمَّ بِالذَّمِّ ولاَ يَأْكُلَ طَعَاماً ولاَ يَشْرَبَ شَرَاباً ولاَ يَلْبَسَ ثَوْباً حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ أَصْلَهُ طَيِّبٌ وأَنْ لاَ يَلْتَزِمَ اَلْكَلاَمَ فِيمَا لاَ يَعْنِيهِ وأَنْ لاَ يَحْسُدَ عَلَى اَلدُّنْيَا وأَنْ يُحِبَّ اَلْعِلْمَ واَلْعُلَمَاءَ وأَنْ لاَ يَطْلُبَ اَلرِّفْعَةَ واَلشَّرَفَ)[2].
ويقول عليه السلام: الزهد كله كلمة بين كلمتين في القرآن ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ فمن لم يفرح بالآتي ولم ييأس بالماض فقد أدرك الزهد بطرفيه.
ويقول الإمام الصادق عليه السلام: (لَيْسَ اَلزُّهْدُ فِي اَلدُّنْيَا بِإِضَاعَةِ اَلْمَالِ وَ لاَ بِتَحْرِيمِ اَلْحَلاَلِ بَلِ اَلزُّهْدُ فِي اَلدُّنْيَا أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَا فِي يَدِكَ أَوْثَقَ مِنْكَ بِمَا فِي يَدِ اَللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ)[3].
الخلاصة: القسم الأول من نظر الإنسان إلى الدنيا أن ينظر الإنسان إليها نظرة آلية وهذه النظرة يباركها الإسلام ويدعو إليها.
القسم الثاني: من نظر الإنسان إلى الدنيا أن ينظر إليها نظرة استقلالية، والمراد بالنظرة الاستقلالية: أن ير ى الإنسان الدنيا غاية وهدف يسعى من أجل تحقيق ملذاتها، وهذه النظرة يحتقرها الإسلام وينهى عنها، ذلك لأن الإنسان الذي يعتبر الدنيا أكبر هم يتحول إلى وحش مفترس يرتكب الذنوب ويقتحم المحرمان ويسفك الدماء ويهتك الأعراض من أجل تحقيق مصالحه الشخصية.
يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ حُبُّ اَلدُّنْيَا)[4].
ويقول صلى الله عليه وآله: (مَنْ أَحَبَّ دُنْيَاهُ أَضَرَّ بِآخِرَتِهِ ومَنْ أَحَبَّ آخِرَتَهُ أَضَرَّ بِدُنْيَاهُ فَآثِرُوا مَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى)[5].
ويقول الإمام الصادق عليه السلام: (مَثَلُ اَلدُّنْيَا مَثَلُ مَاءِ اَلْبَحْرِ كُلَّمَا شَرِبَ مِنْهُ اَلْعَطْشَانُ اِزْدَادَ عَطَشاً حَتَّى يَقْتُلَهُ)[6].
وفي الحديث القدسي أوحى الله إلى نبيه موسى على نبينا وآله وعليه أفضل الصلاة والسلام: (أَنْ يَا مُوسَى لاَ تَرْكَنَنَّ إِلَى حُبِّ اَلدُّنْيَا فَلَنْ تَأْتِيَنِي بِكَبِيرَةٍ هِيَ أَشَدُّ مِنْهَا)[7].
الإمام الصادق عليه السلام: (مَرَّ عيسَى بنُ مَريَمَ عليه السلام عَلى قَريَةٍ قَد ماتَ أهلُها وطَيرُها ودَوابُّها، فَقالَ: أما إنَّهُم لَم يَموتوا إلاّ بِسَخطَةٍ حديث، ولَو ماتوا مُتَفَرِّقينَ لَتَدافَنوا. فَقالَ الحَوارِيّون: يا روح اللّه وكَلِمَتَهُ، ادعُ اللّه َ أن يُحيِيَهُم لَنا فَيُخبِرونا ما كانَت أعمالُهُم فَنَجتَنِبَها.
فَدَعا عيسى عليه السلام رَبَّهُ فَنودِيَ مِنَ الجَوِّ: أن نادِهم، فَقامَ عيسى عليه السلام بِاللَّيلِ عَلى شَرَفٍ حديث مِنَ الأَرضِ، فَقالَ: يا أهلَ هذِهِ القَريَةِ! فَأَجابَهُ مِنهُم مُجيبٌ: لَبَّيكَ يا روحَ اللّه ِ وكَلِمَتَهُ
فَقالَ: وَيحَكُم ما كانَت أعمالُكُم؟
قالَ: عِبادَةُ الطّاغوتِ وحُبُّ الدُّنيا، مَعَ خَوفٍ قَليلٍ، وأمَلٍ بَعيدٍ، وغَفلَةٍ في لَهوٍ ولَعِبٍ.
فَقالَ: كَيفَ كانَ حُبُّكُم لِلدُّنيا؟
قالَ: كَحُبِّ الصَّبِيِّ لاِمِّهِ؛ إذا أقبَلَت عَلَينا فَرِحنا وسُرِرنا، وإذا أدبَرَت عَنّا بَكَينا وحَزَنّا.
قالَ: كَيفَ كانَت عِبادَتُكُم لِلطّاغوتِ؟
قالَ: الطّاعَةُ لأهلِ المَعاصي.
قالَ: كَيفَ كانَ عاقِبَةُ أمرِكُم؟
قالَ: بِتنا لَيلَةً في عافِيَةٍ، وأصبَحنا فِي الهاوِيَةِ.
فَقالَ: ومَا الهاوِيَةُ؟
فَقالَ: سِجّينٌ.
قالَ: وما سِجّينٌ؟
قالَ: جِبالٌ مِن جَمرٍ توقَدُ عَلَينا إلى يَومِ القِيامَةِ.
قالَ: فَما قُلتُم وما قيلَ لَكُم؟
قالَ: قُلنا: رُدَّنا إلَى الدُّنيا فَنَزهَدَ فيها، قيلَ لَنا: كَذَبتُم.
قالَ: وَيحَكَ، كَيفَ لَم يُكَلِّمني غَيرُكَ مِن بَينِهِم؟!
قالَ: يا روحَ اللّه، إنَّهُم مُلجَمونَ بِلِجامٍ مِن نارٍ بِأَيدي مَلائِكَةٍ غِلاظٍ شِدادٍ، وإنّي كُنتُ فيهِم ولَم أكُن مِنهُم، فَلَمّا نَزَلَ العَذابُ عَمَّني مَعَهُم، فَأَنَا مُعَلَّقٌ بِشَعرَةٍ عَلى شَفيرِ حديث جَهَنَّمَ، لا أدري اُكَبكَبُ فيها أم أنجو مِنها.
فَالتَفَتَ عيسى عليه السلام إلَى الحَوارِيّين ، فَقالَ : يا أولِياءَ اللّه ِ ، أكلُ الخُبزِ اليابِسِ بِالمِلحِ الجَريشِ حديث وَالنّومُ عَلَى المَزابِلِ ، خَيرٌ كَثيرٌ مَعَ عافِيَةِ الدُّنيا وَالآخِرَةِ)[8].
[1] تحف العقول، ص: 511.
[2] مستدرك الوسائل، ج12، ص50.
[3] وسائل الشیعة، ج16، ص15.
[4] الکافي، ج2، ص315.
[5] وسائل الشیعة، ج16، ص 9.
[6] تحف العقول، ج1، ص383.
[7] مجموعة ورّام، ج1، ص134.
[8] الکافي، ج2، ص318.