الموسوم بـ(بين منهج الاقصاء والاحتواء)
للباحث الدكتور عبد القادر يوسف
لجنة البحوث والدراسات
حمل الخطاب الإسلامي مناهج منفتحة، ورؤى فكرية تتواءم مع روح كل عصر، وتنفتح مع كل تعدد، والاختلاف وتأسيس لهوية قوامها التنوع والتمايز والمشاركة من داخل الوحدة. ويرى الدكتور عبد القادر يوسف أستاذ الجامعة اللبنانية في بحثه الموسوم الخطاب الديني (بين منهج الاقصاء والاحتواء) والذي قدمه في مهرجان ربيع الشهادة العالمي الرابع عشر أن اجتماعات المسلمين بالصلاة والخطب لها إمكانية مطواعة لصناعة أجيال صالحة، بواسطة التخطيط السليم المدعم بالحكمة والوعي والثقافة، والتمهيد لمجتمع متماسك مبني على أسس العدالة والحرية التي توجهه الى الخير.
العقل الإسلامي المؤمن يمتلك كلام الله ومنهجه قواعد المنهج القرآني العلمي الذي يحمل الحقيقة الإسلامية وايجابياتها، لتبين للعالم الفارق بين الإسلام الحقيقي من المتغير بأهداف مرسومة لحكام خالفوا شريعة الله قسراً، وأذلوا المجتمعات الإنسانية، وهذا هو مدخل من مداخل وعي الذات الجمعية من اجل استنهاض قيم الإسلام (لا إكراه في الدين) التي ذبحتها أثواب الجاهلية من استباحة دماء الأبرياء، وأول الدماء المستباحة هي دماء آل البيت (عليهم السلام).
والمتأمل في هذا الواقع التاريخي المتردي، يجعلنا أمام أسئلة فكرية محصت ظهور الوعي، فالوعي يفعل بالإجابة عن تلك الأسئلة المحور، اذا تذرعت الامة بخطاب استقصائي، وألبستها لبوس الإسلام، وعجزت عن الخروج من دائرة العصبية الجاهلية، ولم تراعِ حرمة المعصوم، فهي أكيداً لم تستطع ان تراعي حرمة الانسان الذي يخالفها الرأي والعقيدة، وستستغل اسم الإسلام في تحقيق اطماعها.
علينا أن نركز على البعد التاريخي للواقع كمنظور لفهم الواقع العربي, هناك أمة استغلت انتقال النبي محمد (ص) الى ربه، وألغت عهوده، واعتدت على فلذة كبده، ومهدت لقتل وصيه وسبطيه..! هذا العجز الأول انغرس في نفوس أبناء الامة وخط خطوطاً عريضة لخطاب اقصائي كان من أهم أهدافه أن يلغي الصورة الحقيقة للإسلام.
وعلى منهاج العاجزين، سلكت الأمة الطريق، واتخذت من منهاج الأولين سلفاً يجب اتباعهم والاقتداء بآثارهم، والإنسان الذي يخالف منهاجهم يكون خارجاً عن دين الله تعالى. سعى الكثير من المفكرين الى اظهار سلبيات الاتباع وتقليد التخلف الفكري, والعمل على دراسة الخطاب الديني وابراز مرونته التي تدعو الى تقبل الآخر، وتعترف به، ليلتقي على الخط الإنساني الجامع.
يعيب علينا البعض اننا نعتبر الحقائق كشفت في نقطة معينة وحاسمة من التاريخ, جذر الفكر القويم يدلنا على الصحوة الروحية الإنسانية التي بعثها النبي (ص) في مكة 13 عام حين كان يدعو الناس الى الإسلام سلماً ويحتويهم، وقريش تعامله بلغة الاقصاء.
وكان النبي (ص) يعرف كل منافق انتقل من مكة الى المدينة، لكنه يعاملهم بلغة الاحتواء. يرى اغلب المفكرين ان المعتقد الديني نظام متماسك وأي ثلمة في الموقف الإنساني يعني الخروج عن المنهج الرسالي, ثلث الجيش انهزم في معركة احد، انهزم في ساحات الوغى ليلاقي النبي حتفه والموت ونبينا صمد في وجه الموت، ليعلم العالم بأن شريعة الإسلام تبذل دونها الدماء.
وعلى هذا الأساس، بذل آل البيت (عليهم السلام) دماءهم, كل قوانين العالم تنص على ان من اتهم بالخيانة العظمى جزاؤه الإعدام، لكن النبي محمد (ص) عفا عنهم, فدعوة جهاد مبنية على العنف والاجرام وعلى القتل والاشلاء والدماء ليست دعوة محمدية بحال من الأحوال، انما هي دعوة جاهلية منعت وصيه وباب علمه من ان يمارس الحق الشرعي، وطعنوا خاصرة الغدير، وصوت النبي (ص): ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذله من خذله)). فكيف تم طعن هذه المنظومة الرسالية..؟
يرى علماء الفكر والثقافة أن سيطرة اتجاه سياسي سلطوي على بنى الفكر الأساسية لا يعني ان هذا التيار قد امتلك الحقيقة، والا ما قال من تقلد الخلافة: ((وددت لو انني لم اكشف بيت فاطمة))..!
وقد تحمل الامام علي ما لم يتحمله بشر، كما تحمل نبينا الكريم، احتواهم علهم يرجعون الى دين الله، هو الفارق الموجود بين سياسة معاوية الذي استولى على الفرات وحرم المسلمين منه، وحين سيطر الامام على الفرات كشف لهم الماء..! والحسين (عليه السلام) يسقي الجيش المعادي الماء ويموت هو عند مصرعه محروماً من الماء..! هذا الخطاب الرسالي.. هو عملية فهم لروحية الدين الإسلامي المبارك.