تبقى المرأة أحجية تنتقل على السنة الكتاب والشعراء بحلو أو مر الكلام، لكن تبقى في الأخير صورتها المشرقة التي أشارت لها آيات القرآن الكريم، فهي الحجر وهي الدفء والأمان، وهي الشريكة التي ترافق الرجل أفراحه والأحزان، وهي الأخت الحانية التي تحتوي الأهل ساعات الخصام، وتهب سريعاً لاحتضان الإخوان ولملمة المشاعر أوقات الاختلاف والنزاعات.
ومع اختلاف الآراء من نثر وشعر وقصائد مغناة، راح الحكيم لقمان يحكي بلسان واعظ يصف به حال النساء، ويوصي بشديد الاحتراز عند الاختيار، كل تلك الوصايا يلقيها لابنه وهو يعظه قائلاً:
"يا بني: النساء أربع، ثنتان صالحتان وثنتان ملعونتان، فأما إحدى الصالحتين فهي الشريفة في قومها، الذليلة في نفسها، التي إن أعطت شكرت، وان ابتليت صبرت، القليل في يديها كثير.
أما الثانية، فهي الولود الودود، تعود بخير على زواجها، وهي كالأم الرحيم تعطف على كبيرهم، وترحم صغيرهم، وتحب ولد زوجها، وان كانوا من غيرها، جامعة الشمل، مرضية البعل، مصلحة في النفس والأهل والمال والولد، فهي كالذهب الأحمر، طوبى لمن رزقها، ان شهد زوجها أعانته، وان غاب عنها حفظته.
وأما إحدى الملعونتين، فهي العظيمة في نفسها، الذليلة في قومها، التي ان أعطت سخطت، وإن منعت عتبت وغضبت، فزوجها منها في بلاء، وجيرانها منها في عناء، فهي كالأسد إن جاورته أكلك، وإن هربت منه قتلك.
أما الملعونة الثانية، فهي ملعونة عند زوجها وأهلها وجيرانها، وإنما هي سريعة السخطة، سريعة الدمعة، ان شهد زوجها لم تنفعه، وان غاب عنها فضحته، فهي بمنزلة الأرض النشاشة، إن أسقيت أفاضت الماء وغرقت، وإن تركتها عطشت، وإن رزقت منها ولداً لم تنتفع به.
يا بني: لا تتزوج بأمة فيبتاع ولدك بين يديك وتهلك بنفسك.
يا بني: لو كانت النساء تذاق كما تذاق الخمر ما تزوج رجل امرأة سوء أبداً.
يا بني: إنهَ النفس عن هواها، فانك ان لم تنهِ النفس عن هواها لن تدخل الجنة، ولن تراها، واعلم أن من جاور إبليس وقع في دار الهوان، لا يموت فيها ولا يحيا".
ورغم مضي الحقب والأعوام والهوة الكبيرة بين زماننا هذا وزمان الحكيم لقمان، لكن آن لتلك الحكمة أن تخترق المد الهائل من السنين لتصلنا اليوم بهذه المواعظ الخالدات.
اندرس قبر لقمان وتلاشى تراباً في تراب، ولم يبقَ له اثر سوى كلماته التي راحت تسافر سحرا وبيانا، وفي هذا ابلغ العبر في ان يحتل كل منا مكانه، ونكون ذا اثر قبل انقضاء فرصة الحياة، والانتقال لدار الختام.
أعجبني
تعليق