قراءة في مجموعة من بين طين وعشق لناقد الدكتور علي مجيد البديري
علي حسين الخباز
عندما يكتب الناقد الشعر فمن المؤكد أنه سيطوع القدرة الأسلوبية عبر
ثنائية (الجمالي – المضموني) داخل البنية النصية، والناقد الدكتور علي
مجيد البديري قدم الوعي القصدي في مجموعته الشعرية (من بين طين وعشق) التي تميزت بثراء ابداعي وبومضات شعرية عبارة عن قصائد قصيرة مقتصدة الحروف باذخة المعنى؛ ليتميز الاشتغال القصدي بمضمونية تكشف عن شعرية الواقع:
(كفر بعضهم البعض
كلّ وثني، متعصب، طائفي، إرهابي... في نظر الآخر..) ص 116
وقدم تقنيات لأساليب متنوعة للبنى تعبر عن التراكيب الدلالية إثر
انزياحية متمكنة ملأت المجموعة:
(حين أمشطها... بأضلع عينيّ.. اقطر عسوجا وكهولة) ص 7
أجد أولاً أن المجموعة برمتها دونت بمسعيين: الأول ميلانها الى
التغريبية العالية ومن ثم السردية الشعرية واحتواء المجموعة على
تراكيب انزياحية كثيرة، وهي تمر عبر قنوات السرد:
(المسافة.. بين مدخنة النحيب
وممرات الذهول..
مزلاج القبر)ص 11
نجوم باردة/ حلم مفخخ/ تلال الروح/ رغوة الحب البيضاء.
قدمت هذه التغريبة مواقف تخيلية تنزع الى اتجاهات تأويلية تنتج عند
التلقي معنى آخر:
(وحين يرتدي الليل،
حفيف قميصها،
اقشر الطريق الى مدائنها المترعة بالبرتقال) ص 24
فيصبح هذا الوجع الرؤيوي خطابا تأويليا يعدل الكثير من البنى الشكلية،
ويطوع الى الغوص في العديد من المعاني المتاحة، فنجد عند هذا
الشاعر يزهر الألم، حين يقترب من جنائن الصدى، أو نجد عنده السقوط
من كون الضحكة، ورغم هذه التغريبية العالية والبعيدة المنال، فهو يعمل
ليتقرب الى متلقيه في المسعى الثاني بسردية تأويلية:
(تعارك مرة عمود مع نثر،
وقف الحر والمفرّع، من غير جدوى حاجزا بينهما،
تبادلا الكلمات واللكمات
قبل أن يقفل العمود بيت القصيد
قرأ الفاتحة لروح ماغوط، ودمعت عين النثر لعين الجواهري) ص 115
ولكثرة الاشتغالات الشعرية في هذه المجموعة، يصعب الاستشهاد،
ويقسم الاسلوب الى منحيين: الاول محاولة الارتكاز على جمع القراءة الشمولية والنخبوية في مشروع شعري اتسمت القيمة الابداعية في هذه النصوص بأناقة المعروض سواء كان استفهاميا مثل قصيدة تساؤلات او
قصيدة (فضاؤك مطفأ) التي بدأت باستفهام:
(اسألك متى لسعتك الذكرى..
وأيقظت في غاية روحك قميص الينابيع؟)
وكذلك قصيدة سؤال والتي هي عبارة عن ومضة شعرية:
(إلامَ أخصف خجل طفولتي
امام شيخوخة عارية؟) ص 9
ومثل هذا السؤال يعزز فاعلية البوح في شعرية تبحث عن العمق
الوجداني، ومن ثم اختيار المنجز بمنحنين وفق محتواه المنجز الشعري
الأول أنه استمد خطابه الشعري ورؤاه الفكرية من الموروث (الديني – الدلالي) الى نبي الله موسى ص 102
والى عبدالله الحر الجعفي ص 99 ورموز اخرى...
والمنحى الثاني هو الاشتغال على القصيدة النثرية باعتبارها نسقا
يستوعب عددا من الاشكال الشعرية، فراح ينثر كلماته كرسوم معبرةعن أشكال، فنجده في جميع قصائده يحاول ان يرسم الشكل ففي قصيدة
الدحرجة:
(بلغ الهجير خرائطنا
وتذرفنا عيون المخالب رؤوسا سائغة في العراء) ص 42
وتتوضح تجربة رسم الكلمات في قصيدة توحد ان يرسم مفردة تفتت
هكذا يرسمها
ت
ت
ف
ت
وجوههم الداكنة) ص 52
ونجده يحاول رسم الانزلاق:
( أيها الموغل في الطفولة لقد انزلقت على ذراع المطر طائرتك
الورقية( ص 82)
مبارك للشاعر الدكتور علي مجيد البديري هذا المجهود الابداعي المميز
&&
علي حسين الخباز
أعجبني
تعليق