(القلب الاول )
(الواثق بالله )
في أحدى ليالي البردِ القارسِ التي تسقطُ فيها اوراقُ الأرضِ ذعرًا، سقطَ رجلٌ عجوزٌ على زاويةِ الرصيفِ وتمزقتَ ثياب أمله حتى غدا لا يحملُ في جعبتهِ ما يجعلُهُ يواصلُ العيشَ ، حاولَ النهوضَ فاشتكت ملابسهُ عقمَ الدفء وتمزقَتْ هي الآخرى وبقيَ وحيدًا في أحشاءِ الشارعِ وعلى رئتيه البرد.
حاولَ الاقترابَ من المنازلِ طلبا لبعض الدفء العالق بين ثناياها، يغلبه لينامَ. ولكنهُ لم يجدْ. شعرَ بأنَّ جسدَهُ بدأ بالتهالك ولم يعدْ يشعرُ بأطرافِه حاولَ تهدئة نفسه ولكن البرد يحضر لمن لا ماوى لهُ كسلطانِ الموتِ لا يخفيه شي حينَ يقررُ الحضورَ.. قررَ حينَها الاستسلام لقدره وركنَ جسدَه الثقيلَ في أحدِ ممراتِ المدينةِ وباتَ يفكرُ في أحلامِ طفولتِه الصغيرةِ التي حلمَ بها حين خرج من ظلمةِ بطنِ أمهِ إلى نورِ الحياةِ، تمتم ها أنا أخيرا تأكدتُ بأنّ الظلمةَ التي كانتْ في بطنِ والدتي هي الأمانُ الحقيقي وما بعدها ليس إلا جرم في حقِ أنفسِنا. ،جلسَ يتذكرُ ويتذكرُ كمن يحاولُ أن يشعلَ ذكرياتَهُ ليدفئ نفسَهُ...
وفي النهايةِ أخذَ يرددُ أحدَ الادعيةِ، ويقولُ يا الله في نهايةِ عمري أعيش صغيرًا احلمُ وكبيراّ أتسول في المباني والأسواقِ ولكني لم اشتك يوماً لأنني ايقنت أنك تعلم من أنا بالرغمِ من صغرِ حجمي إلّا إنكَ خلقتني ولنْ تُضيعني.أن كان هذا اخرَ يومٍ لي في الحياةِ فأسالُكَ النورَ والسكينةَ ويكفي عثورَ أحدَهم على جثتي ويكرمني بدفنٍ يليقُ بي كإنسان ويرحم عمري الذي أفنيته وانا ابحثُ عن بريقِ السعادةِ... انا احبُكَ يا الله لذلك لا أخافُ ابدًا...
وأغمضَ عينيه إلى الأبد...
لم تشعرْ المدينة بالخسارة من موتِ أحدِ متسوليها؛ ولكن الذي حدثَ بأنّ شابة في الثلاثينات رأت جثمانَهُ بعد يومين وحملتْهُ إلى المستشفى ومن ثم قامتْ بمراسيمِ الدفنِ كأنها ابنته، تعجبَ الجميع منها ، أدعت بانها طبيبة اتتْ من القريةِ لتعملَ هنا ورأت هذا الرجلُ في هذا المكانُ في منامِها يوصيها بدفنِه كطلبٍ أخير في حياتِه وهرولتْ نحوه مسرعةٍ.
تلك هي الثقةُ باللهِ، رحلِ وهو واثقٌ أن اللهَ لن يجعلَ جثمانَه يهتري في أحدِى الممراتِ كما اهترأت روحه أمامَ الحشودِ. كان واثقا من الله فبعثَ اللهُ من وضعه في تابوتٍ ويدفنه في قبره مطمئنا يشعرَ بالسكينةِ والرضا ،
&&&&
( القلب الثاني )
(هذيان عاقل)
يرتد طرف الليل فتمتلأ العيون بالظلمة الحالكة ،يُقال أنجب الصمت كلمات مُعاقة حتى أنهُ ركل خيباته على زنزانة الحياة فاصدرت صوتًا من حديد..
-متى تصبح الكلمات بكماء؟
-حين يصم العالم عن سماع الحقيقة
-وهل تظنين الأوطان تشعر بالغربة كما نشعر نحن؟
-في جوف القذائف اكثر من يشعر بالغربة هي الأوطان..
-رأيت طفلاً يحمل أقدامه ويجري هربًا من الحياة، باغتته الدقائق فاذا به شابًا في منتصف العمر ..
- تجولين في نفس الزوايا بقدم مبتورة
-صلب قلبي حين رايت رجلاً كبير في السن يبحث عن غذائه من بطن الأرض امام اعين الباعة ..
- لأن الجوع يفضح البطون يتمنى الكثيرمن الجياع الموت
لا نور يضيء العتمة والليل يستولي على النهار،
-قالت لي نجمة بأن في كبد كُل ظلام نور
-ونسيت بأن أخبرها بأن لولا السواد لما ظهر النور
-في مدينتي تهمس الجدران ويصاب السكان بالبكم
هل تسللت الالسنة خلسة إلى افواه المباني؟
-الرياح تحمل عطرًا يهدا من شجني لا أعلم هل تزور القبور؟
صدقني الموت ليس النهاية أنت بداية كل شيء تعيش فيّ،
قالوا بأن الكفن يحتوي الجسد بعد الموت ولكني أشعر بأنهم يقصدون قلبي
في الفلاة تتحدث ذرات التراب بماذا تشعر به المدن المزدحمة بالناس؟
-أجيبها وما فائدة الزحام إن كانت الوحدة تسكن الروح؟
-في حنجرتي جرح قديم هل دفنت الكلمات الملكومة هُناك
-لا فائدة من الفجر إن سكن المساء تحت اجفاني
-اراك تمر من امامي فابتسم فيقولون لي
مسها طيفًا من الجنون ولهذا كثرت هذياناتي
انظر إليهم أشعر بأن نظراتهم تتسلل الى قلبي ونسوا بأن الأحبة فيه
المذياع القيب يرتل :ـ ما صاحبكم بمجنون ..
قلت :ـ مع هذا هم لا يؤمنون بأن الاموات في قلوب احبتهم أحياء يرزقون
رزنة صالح