كان يفاخر بهدوئه وصمته العالي ويدعي بان هذا الهدوء هو وراثة ورثته من ابي ومن عائلتي ومن بيتنا ، أرى حسنة ان تقاتل وأنت هادىء / المعارك تحب الهادئين ، هو رجل ضخم بدين كنت أقول له دائما ان تركيبة جسده الضخم لاتتجانس مع الهدوء ، متزوج ولديه طفل اسمه علي يقول عنه انه حسن طفل في العالم لالكونه ابن مقاتل في الحشد ، بل لأنه حلم مقاتل ، الشيء الغريب الذي أثار استغرابه أنه قطة صغيرة تموء قرب الموضع وكأنها تترخص بالدخول ، ما الذي أتى بقطة صغيرة إلى موضعه ، هل تدرك القطط معنى الحرب والقتال ؟ هل تدرك معنى السلاح وهي تغازل البندقية وكأنها عثرت على لعبة جميلة ومسلية ، عند إطلالة كل صباح تأتي من أطراف المزرعة لتشاركه الحضور حتى أصبحت سلوته ، داعبه يوما أحد المقاتلين ( محسن صلاح ) أخشى أن تكتشف يوما أنها من الدواعش ، نظر اليه بهدوئه المعهود وقال :ـ ليس في العالم داعشي واحد يمتلك هذه البراءة ، القطة تمتلك مشاعر جياشة وهدوء فطن ، حتى حين تقاتل ، الغريب ان القطة معتادة على أصوات الرصاص لا يخيفها زعيق الهاونات ولا يفزعها صخب المدافع ، كنت أراها خلسة تفرح حين اصوب بندقيتي لأرمي ، اشعر وكأنها تصفق لي أو ربما اسمعها تقول لي أحسنت ، كان يبتسم وهو يقول حتى القطط ترفض الدواعش وتطالب تحرير أرض الله منهم ، ومن اغرب الأمور التي رأيناها في هذه القطة التي أصبحت جزأ من حياة الموضع حين يردنا اتصال يخبرنا بهجوم ، أراها وكأنها هي الأخرى تستعد معه للمواجهة ، كانت لا تنام الا حين ينام وتبقى تداعب نوباته في الواجب ، وتراقب معه أي تجاوز يحصل هنا أو هناك ، كنا نخشى أن تبعد التركيز عنه وهو يقاتل لكنه كان يقول ( فطنة ) وهذا اسم أطلقه على قطته الذكية مقاتلة تعرف كيف تتصرف أثناء المواجهات ، كان هو يداعبها ويخاف عليها أكثر مما يخاف على نفسه ، هي الألفة، كانت تغيب عنا أثناء إجازته وكأنها هي الأخرى تأخذ أجازة أيضا ، وتلتحق معه وكأنها تعرف موعد التحاقه ،لا اعتقد أن مثل هذه الحالات موجودة في الجبهة أو ربما هي عشرة نادرة ولهذا دونت في مفكرتي الكثير عن هذه العلاقة ، وكلما اقرأ في المفكرة أبتسم لبعض الحالات الغريبة التي كانت تحدث ، القطة فطنة او الفطنة كما يحب ان يسميها صاحب الشأن هي تألف الجميع ولا تستغرب من اللعب معهم ، الا انها تسكن تماما بقربه واختيار اسم الفطنة هو ناتج من رشاقة الهدوء وجمال الشكل ، القضية التي كانت تشغل اذهاننا إمكانية الفطنة على أمتلاكها نبوءات تسبق الاحداث ، ربما يتوقد الحدس عندها لاحظنا الفطنة لم تنم الليل وتظل تدور حول الموضع وتتقافز بحرقة حتى انتبهنا وكأن القطة تريد تخبرنا بشيء وفعلا وصلتنا رسالتها هجوم كبير يخططه الدواعش لمحاصرتنا مع ساعات الفجر الاولى ،كلنا صار يدرك قوة حدسها وإحساساتها وصرنا نتابعها ونأخذ الأستعدادات عند اي نبوءة ، بدأ الهجوم الكبير الذي توقعته الفطنة ، هذه القطة تقاتل معنا بطريقتها الخاصة تتقافز في الموقع مبتهجة لتبعد عنا الخوف والوحدة والقلق وكأنها تطالبنا بان نعطيها سلاحا لتقاتل ، رغم حلاوة النصر أصابنا غضب شديد حين صرخت فطنة من الألم ، أصيبت بفخذها حضنها احمد على وركض صوب المفرزة الطبية وعالجوها ، كانت مجرد شظايا سببت كسر قدمها ، جبرت لها القدم وبقيت القطة برعاية المقاتل أحمد علي وجميع المقاتلين حتى تعافت واصبحت بكامل عافيتها ونشاطها احتفلنا بشفائها وصار احمد يشكر الله على سلامة الفطنة ، يعيش كل وقته معها ـ ويصطحبها معه في بعض المهمات الصعبة كالاستطلاع والحراسة والهجوم ، لا يذوق طعم الراحة إلا بعد ان يتأكد على راحتها وطعامها ، صرنا نؤمن تماما بمصداقية الحدس ، نقلق حين تظهر أي حركة غير متوقعة هي الرادار الكاشف او مرقب الفوج، مرقب حراري متطور هي الفطنة ، وصحت ذات صباح وهي تتقافز بحركات مذبوحة قال المقاتل راسم عبد الحسين وهو صاحب طرفه اراهنكم انها تبحث عن عريس ، قلت انتبهوا لأول مرة اشعر بأنها خائفة وكان خوفها في محله هجوم مباغت كاد يكتسح الفوج لولا حنكة المقاتلين ودفاعهم المستميت وانتهى الهجوم بشيء أخطر منه باستشهاد المقاتل أحمد علي وما ان سقط ارضا حتى هاجت الدنيا بالقطة المسكينة أول مرة في حياتي اسمع بكاء قطة ونشيجها المؤلم الذي يقطع أنياط القلب ، كانت تتقافز من شدة الالم وفجأة سكتت ، فارقت الحياة لم تحتمل الفراق فرحلت معه الى رحمة رب كريم
أعجبني
تعليق