كل الوجوه صارت عيونا ترنو صوب وجع مجهول الهوية، لا تعرف أبجديته القلوب بعد،
: ما الذي يجري؟
تحتشد الناس عند منعطف السؤال: ماذا هناك؟
وازدهى الكون حينها بعنفوان حسرته، قال: حين تمخض الوجد سبيلا، حفرت وحدي زمزما، وكان ابني الحارث فقط معي، لا أحد منكم يمد اليد ليروي هذي البقاع بوجدان السبيل، سال حينها الدمع سخيا، فرفعت اليد الى السماء أناجيه: يا إلهي، إن رزقتني بعشرة ذكور سأذبح أحدهم قربة لوجه الله تعالى، وها أنا أحمل الآن وجعي الغيور، نذري المؤجل، بعدما تحقق المراد.
حضوري يتقد اليوم بعيونهم بوجودهم هذا هو الحارث، الزبير، عبد مناف ابو طالب، عبد الله، حمزة، ابو لهب، والغيداق والمقوم وضرار والعباس، ومن عمق هذا الصمت المضرج بالقلق، صاح: فليتقدم لي أحبهم إلي، لأقدم لله جمرة القلب، تقدم يا عبد الله عند شمائل الكعبة، سيسيل دمك القربان رضابا تحتفي به الدهور، همت قريش من فرط حزنها، لتقف امام هذا المشهد، تحمل لهفتها ندى يسري في عروق الرفض، توحدت (اللا) وانبرى بنو مخزوم ليحملوا ابن اختهم كي لا تهلك الرؤى، يبرق الحنو رحمة كي لا يئن الليل حزينا في مرابع قريش، دون ان يكذب النذر صدقه، ماذا افعل بنذري يا قريش، رددت الصحارى الواسعة، تنهدات هذا السؤال، واذا بامرأة تقطع رقاب الذهول، اقرع بينه وبين عشرة من الأبل...
: وان خرجت على ابني عبد الله ولدي؟
: زدها عشرة، فوقعت القرعة على عبد الله، فلم يزل حتى بلغت مائة ابل وحينها، وبعدها بسلام، وقف امام وهيب بن عبد مناف، يا وهيب جئتك ومعي الضوء والياقوت، وزهرة الحياة، لأخطب ابنة أخيك آمنة بن وهب بن عبد مناف الى ولدي عبد الله بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، ابن شيبة الحمد، وأمه فاطمة بنت عمرو، وبعدها هلَّ ربيع الزفاف، ليقيم عندها ثلاثة ايام على عادة ذلك الزمان، يقال: انه كان يحمل في وجهه نورا ساطعا ما تخلى عنه الا بعد زواجه من آمنة بنت وهب، لينتقل هذا النور الى ولده النبي (ص)، لتلد بضياء هذا النور أمة تحمل فلذة الكون نهجا ساطع البهاء.