قد كان لظهور الخوارج أثر بارز في حدوث الفتن وظهور الحوادث الأُخر في المجتمع الإسلامي ، وقد نجمت المرجئة من تلك الناحية حيث إنّ الإرجاء بمعنى التأخير قال سبحانه : ( أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ). (٦)
ولهذه الفرقة « المرجئة » آراء خاصة نشير إليها في محلّها ،
غير أنّ اللبنة الأُولى لظهورها هي اختلافهم في أمر علي وعثمان ،
فهؤلاء « الخوارج » كانوا يحترمون الخليفتين أبا بكر وعمر ويبغضون عليّاً وعثمان ،
على خلاف أكثريّة المسلمين ،
ولكن المرجئة الأُولى لما لم يوفقوا لحلّ هذه المشكلة التجأوا إلى القول بالإرجاء فقالوا : نحن نقدّم أمر أبي بكر وعمر ، ونؤخّر أمر الآخرين إلى يوم القيامة ، فصارت المرجئة فرقة نابتة من خلاف الخوارج في أمر الخليفتين ، مع فوارق بينهم وبين المرجئة التي تأتي في محلّها ، والعامل لتكوّنها كأصلها ، هو سوء الفهم واعوجاج التفكير.
هذا هو أصل الإرجاء ، ولبنته الأُولى ، ولكنّه قد نسي في الآونة الأخيرة ; وأخذ الأصل الآخر مكانه ، وهو كون العمل داخلاً في الإيمان أو لا ؟ وبعبارة أُخرى : هل مرتكب الكبيرة مؤمن أو لا ؟
ذهبت الخوارج إلى دخول العمل في صميم الإيمان ، فصار مرتكب الكبيرة كافراً.
واختارت المعتزلة كون مرتكب الكبيرة غير مؤمن ولكنّه ليس بكافر ، بل هو في منزلة بين المنزلتين.
وذهبت المرجئة الأُولى إلى خروج العمل من الإيمان ، وأنّ إيمان مرتكب الكبيرة ، كإيمان الملائكة والأنبياء بحجّة عدم دخالة العمل في الإيمان. فاشتهروا بالقول : « قدّموا الإيمان وأخّروا العمل » فصار هذا أصلاً وأساساً ثانوياً للمرجئة. فكلّما أطلقت المرجئة لا يتبادر منها إلّا هؤلاء.
إنّ الاكتفاء في تفسير الإيمان بالشهادة اللفظية أو المعرفة القلبية ، وأنّ عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلاً ، وانّ النار للكافرين (۷) واقتحام الكبائر لا يضرّ أبداً ، فكرة خاطئة تسير بالمجتمع وخصوصاً الشباب فيه إلى الخلاعة والانحلال الأخلاقي وترك القيم.
وعلى كلّ تقدير إنّ نظرية الإرجاء في كلا الموضعين نظرية باطلة نشأت من الاعوجاج في فهم المعارف والانحراف في تفسير الذكر الحكيم ، والحديث المأثور عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
ولما كان مذهب الإرجاء لصالح السلطة الأموية أخذت تروّجه وتسانده حتى لم يلبث أن فشا في الإرجاء ، ولم تبق كورة إلّا وفيها مرجئي ، كما سيوافيك ذلك عند البحث عن عقائد هذه الفرقة.
وليس ظهور الخوارج أو المرجئة وحدهما نتاج الإعوجاج الفكري ، بل هناك مذاهب أُخرى نجمت من هذا المنشأ. عصمنا اللّه جميعاً من الزلل في القول والعمل.
____________________________
1- سورة الأعراف، الآية: 111.
2-شرح المقاصد للتفتازاني، ج 2، ص 229، ولاحظ أيضاً ص 238.
ولهذه الفرقة « المرجئة » آراء خاصة نشير إليها في محلّها ،
غير أنّ اللبنة الأُولى لظهورها هي اختلافهم في أمر علي وعثمان ،
فهؤلاء « الخوارج » كانوا يحترمون الخليفتين أبا بكر وعمر ويبغضون عليّاً وعثمان ،
على خلاف أكثريّة المسلمين ،
ولكن المرجئة الأُولى لما لم يوفقوا لحلّ هذه المشكلة التجأوا إلى القول بالإرجاء فقالوا : نحن نقدّم أمر أبي بكر وعمر ، ونؤخّر أمر الآخرين إلى يوم القيامة ، فصارت المرجئة فرقة نابتة من خلاف الخوارج في أمر الخليفتين ، مع فوارق بينهم وبين المرجئة التي تأتي في محلّها ، والعامل لتكوّنها كأصلها ، هو سوء الفهم واعوجاج التفكير.
هذا هو أصل الإرجاء ، ولبنته الأُولى ، ولكنّه قد نسي في الآونة الأخيرة ; وأخذ الأصل الآخر مكانه ، وهو كون العمل داخلاً في الإيمان أو لا ؟ وبعبارة أُخرى : هل مرتكب الكبيرة مؤمن أو لا ؟
ذهبت الخوارج إلى دخول العمل في صميم الإيمان ، فصار مرتكب الكبيرة كافراً.
واختارت المعتزلة كون مرتكب الكبيرة غير مؤمن ولكنّه ليس بكافر ، بل هو في منزلة بين المنزلتين.
وذهبت المرجئة الأُولى إلى خروج العمل من الإيمان ، وأنّ إيمان مرتكب الكبيرة ، كإيمان الملائكة والأنبياء بحجّة عدم دخالة العمل في الإيمان. فاشتهروا بالقول : « قدّموا الإيمان وأخّروا العمل » فصار هذا أصلاً وأساساً ثانوياً للمرجئة. فكلّما أطلقت المرجئة لا يتبادر منها إلّا هؤلاء.
إنّ الاكتفاء في تفسير الإيمان بالشهادة اللفظية أو المعرفة القلبية ، وأنّ عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلاً ، وانّ النار للكافرين (۷) واقتحام الكبائر لا يضرّ أبداً ، فكرة خاطئة تسير بالمجتمع وخصوصاً الشباب فيه إلى الخلاعة والانحلال الأخلاقي وترك القيم.
وعلى كلّ تقدير إنّ نظرية الإرجاء في كلا الموضعين نظرية باطلة نشأت من الاعوجاج في فهم المعارف والانحراف في تفسير الذكر الحكيم ، والحديث المأثور عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله).
ولما كان مذهب الإرجاء لصالح السلطة الأموية أخذت تروّجه وتسانده حتى لم يلبث أن فشا في الإرجاء ، ولم تبق كورة إلّا وفيها مرجئي ، كما سيوافيك ذلك عند البحث عن عقائد هذه الفرقة.
وليس ظهور الخوارج أو المرجئة وحدهما نتاج الإعوجاج الفكري ، بل هناك مذاهب أُخرى نجمت من هذا المنشأ. عصمنا اللّه جميعاً من الزلل في القول والعمل.
____________________________
1- سورة الأعراف، الآية: 111.
2-شرح المقاصد للتفتازاني، ج 2، ص 229، ولاحظ أيضاً ص 238.
تعليق