بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قَالَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (يَا مَعْشَرَ اَلْحَوَارِيِّينَ لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ اِقْضُوهَا لِي قَالُوا:قُضِيَتْ حَاجَتُكَ يَا رُوحَ اَللَّهِ فَقَامَ فَغَسَلَ أَقْدَامَهُمْ فَقَالُوا: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا يَا رُوحَ اَللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ اَلنَّاسِ بِالْخِدْمَةِ اَلْعَالِمُ إِنَّمَا تَوَاضَعْتُ هَكَذَا لِكَيْمَا تَتَوَاضَعُوا بَعْدِي فِي اَلنَّاسِ كَتَوَاضُعِي لَكُمْ ثُمَّ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: بِالتَّوَاضُعِ تُعْمَرُ اَلْحِكْمَةُ لاَ بِالتَّكَبُّرِ وَكَذَلِكَ فِي اَلسَّهْلِ يَنْبُتُ اَلزَّرْعُ لاَ فِي اَلْجَبَلِ)[1].
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾[2].
كان اليهود ينتظرون مجيء عيسى المسيح بعدما بشرهم به موسى عليه السلام قبل ان يولد، وعندما ولد وبعث فيهم نبيا، أعلن دعوته وأثبتها بالأدلة الكافية، وعندما تعرضت مصالح بني إسرائيل للخطر، وقفوا ضده واخذوا يصرون على المعارضة والعصيان والمعاندة والانحراف، فنادى فيهم: من أنصاري الى الله، فاستجاب لندائه نفر قليل، كانوا مؤمنين واطهارا سماهم القرآن الكريم بـ «الحواريين» لبوا نداء المسيح ووقفوا معه لنشر أهدافه وشريعته المقدسة.
أعلن الحواريون استعدادهم لتقديم كل عون ومساعدة للمسيح وقالوا: نحن أنصار الله آمنا بالله، لم يقولوا نحن انصارك، بل قالوا: نحن أنصار الله، يريدون ان يعربوا عن منتهى ايمانهم بالتوحيد ويؤكدوا اخلاصهم، ولا يشم منهم أي رائحة للشرك، نحن أنصار الله ننصر دينه ونريدك ان تكون شاهدا علينا.
و«حواريون» جمع حوري من مادة «حور» بمعنى الغسل والتبييض، وقد تطلق على الشيء الأبيض، لذلك يطلق العرب على الطعام الأبيض «الحواري»، و «حور» جمع حوراء وهي البيضاء البشرة.
اما سبب تسمية تلاميذ المسيح بالحواريين فقد ذكرت له احتمالات كثيرة منها: كانوا فضلا عن طهارة قلوبهم وصفاء ارواحهم، كانوا دائبين السعي في تطهير الناس وتنوير أفكارهم وغسلهم من ادران الذنوب.
اما أسماؤهم كما جاءت في انجيل متّى ولوقا، الباب السادس، فهي: 1 ـ بطرس 2 ـ اندرياس 3 ـ يعقوب 4 ـ يوحنا 5 ـ فيلوبس 6 ـ برتولولما 7 ـ توما 8 ـ متّى 9 ـ يعقوب بن حلفا 10 ـ شمعون 11 ـ يهوذا أخو يعقوب 12 ـ يهوذا الاسخريوطي الذي خان المسيح .
يذكر المرحوم الطبرسي في تفسير «مجمع البيان» ان الحواريين كانوا يرافقون المسيح في رحلاته، وكلما عطشوا او جاعوا راوا الماء والطعام مهيئا امامهم بأمر الله، فكانوا يرون في ذلك فخرا لهم أيّ فخر، وسالوا المسيح: اهناك من هو أفضل منا؟ فقال: نعم، أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه.
وعلى إثر ذلك اشتغلوا بغسل الملابس للناس لقاء اجر وانشغلوا بذلك.
التواضع من السجايا التي تسهم في خلق التوازن الاجتماعي، وتحقيق السعادة والاستقرار، ومن تواضع لله رفع قدره، وذُكر: أن كل فضيلة وسط له طرفان مذمومان، فأحد طرفي التواضع الكبر، وهو من جهة الإفراط، والآخر الذلّة، وهو من جهة التفريط، وأحب الأمور الى الله أوسطها.[3]
والتواضع (أن لا تجعل لنفسك مرتبة على من هو دونك في الجاه علوا)[4].
ويعتبر من المقومات المهمة للمجتمع لانتشاله من آفة الكبر. وقيل ان التواضع هو: (انكسار للنفس يمنعها من أن يرى لذاتها مزية على الغير، وتلزمه أفعال وأقوال موجبة لاستعظام الغير وإكرامه. والمواظبة عليها أقوى معالجة لإزالة الكبر)[5].
وقد ورد في شرح أصول الكافي: (من أعاظم جنود العقل ومكارم الأخلاق الإنسانية ومحاسن الأوصاف النفسانية، التي يرتقي بها الإنسان إلى أعلى مدارج القرب والكمال، ويصعد إلى أقصى معارج العزّ والجلال، التواضع لله ولعباده المؤمنين)[6].
أما حقيقة التواضع فهي (هيئة نفسانية تحصل من تصور الإنسان نفسه أذل من غيره وأخس رتبة منه، ثم الإذعان به إذعانا جازما لا يشوبه شيء من الشكوك والأوهام)[7].
ومن الروايات الواردة عن رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): (إِنَّ اَلتَّوَاضُعَ يَزِيدُ صَاحِبَهُ رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمُ اَللَّهُ)[8].
و قَالَ الإمامُ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : (اَلتَّوَاضُعُ أَصْلُ كُلِّ شَرَفٍ وَ خَيْرٍ وَ نَفِيسٍ وَ مَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ وَ لَوْ كَانَ لِلتَّوَاضُعِ لُغَةٌ يَفْهَمُهَا اَلْخَلْقُ لَنَطَقَ عَنْ حَقَائِقِ مَا فِي مَخْفِيَّاتِ اَلْعَوَاقِبِ)[9].
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: (مِنَ اَلتَّوَاضُعِ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَقِيتَ)[10].
تعطينا آيات القرآن درس عن التواضع، ومن أجلى مصاديق التواضع ما جاء في سيرة الأنبياء والمعصومين وأولياء الله الصالحين من سلوك متواضع مع الله ومع الناس، يجسده هذا المقطع من قصة نبي الله موسى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) والعبد الصالح (الخضر):
أمر الله تعالى نبيّه موسى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) أن يشدّ الرحال الى مجمع البحرين ليلتقي العبد الصالح الذي يحمل من العلم ما ليس لديه، وبعد الجهد والنصب من وعثاء المسير هو وفتاه الذي رافقه، التقى ذلك العبد المخلص العارف بالله، الذي أفاض عليه ربه علما لَدُنّيا، وهذا العلم لا يُتحصل عليه إلا بالتواضع للتعلم والصبر على تعليمه للوصول الى الحكمة الإلهية، فقال تعالى في الكتاب العزيز:
﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً... ﴾[11].
ومن التواضع عدم ازدراء أيّ رأي مخالف لرأيه، وعدم السخرية أو الاستخفاف بأيّ فكرة، خصوصاً أنّ بعض الباحثين يظنّ أنّ ارتفاع منزلته العلمية يكون بمقدار ما يعارض ويجادل غيره من الباحثين المشهورين، ويكثر الطعن في أفكارهم وآرائهم، وهذا خط، لأنّ الباحث الحقيقي هو من يبتعد عن الغرور والتكبّر، ويتواضع أمام العلم والحكمة.
[1] الکافي، ج 1، ص37.
[2] سورة آل عمران، الآية: 52.
[3] جامع السعادات، محمد مهدي النراقي: 273.
[4] مقدمة في علم الأخلاق، ص: 66.
[5] جامع السعادات، ج 1، ص 271.
[6] شرح أصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، ج 1، ص: 236.
[7] نفس المصدر، ص 237.
[8] الكافي، الكليني، ج 2، ص121، باب التواضع.
[9] مستدرك الوسائل، ج11، ص298.
[10] وسائل الشیعة، ج12، ص61.
[11] سورة الكهف، الآيات: 65-73.
اللهم صل على محمد وآل محمد
قَالَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: (يَا مَعْشَرَ اَلْحَوَارِيِّينَ لِي إِلَيْكُمْ حَاجَةٌ اِقْضُوهَا لِي قَالُوا:قُضِيَتْ حَاجَتُكَ يَا رُوحَ اَللَّهِ فَقَامَ فَغَسَلَ أَقْدَامَهُمْ فَقَالُوا: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا يَا رُوحَ اَللَّهِ فَقَالَ: إِنَّ أَحَقَّ اَلنَّاسِ بِالْخِدْمَةِ اَلْعَالِمُ إِنَّمَا تَوَاضَعْتُ هَكَذَا لِكَيْمَا تَتَوَاضَعُوا بَعْدِي فِي اَلنَّاسِ كَتَوَاضُعِي لَكُمْ ثُمَّ قَالَ عِيسَى عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ: بِالتَّوَاضُعِ تُعْمَرُ اَلْحِكْمَةُ لاَ بِالتَّكَبُّرِ وَكَذَلِكَ فِي اَلسَّهْلِ يَنْبُتُ اَلزَّرْعُ لاَ فِي اَلْجَبَلِ)[1].
قال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾[2].
كان اليهود ينتظرون مجيء عيسى المسيح بعدما بشرهم به موسى عليه السلام قبل ان يولد، وعندما ولد وبعث فيهم نبيا، أعلن دعوته وأثبتها بالأدلة الكافية، وعندما تعرضت مصالح بني إسرائيل للخطر، وقفوا ضده واخذوا يصرون على المعارضة والعصيان والمعاندة والانحراف، فنادى فيهم: من أنصاري الى الله، فاستجاب لندائه نفر قليل، كانوا مؤمنين واطهارا سماهم القرآن الكريم بـ «الحواريين» لبوا نداء المسيح ووقفوا معه لنشر أهدافه وشريعته المقدسة.
أعلن الحواريون استعدادهم لتقديم كل عون ومساعدة للمسيح وقالوا: نحن أنصار الله آمنا بالله، لم يقولوا نحن انصارك، بل قالوا: نحن أنصار الله، يريدون ان يعربوا عن منتهى ايمانهم بالتوحيد ويؤكدوا اخلاصهم، ولا يشم منهم أي رائحة للشرك، نحن أنصار الله ننصر دينه ونريدك ان تكون شاهدا علينا.
و«حواريون» جمع حوري من مادة «حور» بمعنى الغسل والتبييض، وقد تطلق على الشيء الأبيض، لذلك يطلق العرب على الطعام الأبيض «الحواري»، و «حور» جمع حوراء وهي البيضاء البشرة.
اما سبب تسمية تلاميذ المسيح بالحواريين فقد ذكرت له احتمالات كثيرة منها: كانوا فضلا عن طهارة قلوبهم وصفاء ارواحهم، كانوا دائبين السعي في تطهير الناس وتنوير أفكارهم وغسلهم من ادران الذنوب.
اما أسماؤهم كما جاءت في انجيل متّى ولوقا، الباب السادس، فهي: 1 ـ بطرس 2 ـ اندرياس 3 ـ يعقوب 4 ـ يوحنا 5 ـ فيلوبس 6 ـ برتولولما 7 ـ توما 8 ـ متّى 9 ـ يعقوب بن حلفا 10 ـ شمعون 11 ـ يهوذا أخو يعقوب 12 ـ يهوذا الاسخريوطي الذي خان المسيح .
يذكر المرحوم الطبرسي في تفسير «مجمع البيان» ان الحواريين كانوا يرافقون المسيح في رحلاته، وكلما عطشوا او جاعوا راوا الماء والطعام مهيئا امامهم بأمر الله، فكانوا يرون في ذلك فخرا لهم أيّ فخر، وسالوا المسيح: اهناك من هو أفضل منا؟ فقال: نعم، أفضل منكم من يعمل بيده ويأكل من كسبه.
وعلى إثر ذلك اشتغلوا بغسل الملابس للناس لقاء اجر وانشغلوا بذلك.
التواضع من السجايا التي تسهم في خلق التوازن الاجتماعي، وتحقيق السعادة والاستقرار، ومن تواضع لله رفع قدره، وذُكر: أن كل فضيلة وسط له طرفان مذمومان، فأحد طرفي التواضع الكبر، وهو من جهة الإفراط، والآخر الذلّة، وهو من جهة التفريط، وأحب الأمور الى الله أوسطها.[3]
والتواضع (أن لا تجعل لنفسك مرتبة على من هو دونك في الجاه علوا)[4].
ويعتبر من المقومات المهمة للمجتمع لانتشاله من آفة الكبر. وقيل ان التواضع هو: (انكسار للنفس يمنعها من أن يرى لذاتها مزية على الغير، وتلزمه أفعال وأقوال موجبة لاستعظام الغير وإكرامه. والمواظبة عليها أقوى معالجة لإزالة الكبر)[5].
وقد ورد في شرح أصول الكافي: (من أعاظم جنود العقل ومكارم الأخلاق الإنسانية ومحاسن الأوصاف النفسانية، التي يرتقي بها الإنسان إلى أعلى مدارج القرب والكمال، ويصعد إلى أقصى معارج العزّ والجلال، التواضع لله ولعباده المؤمنين)[6].
أما حقيقة التواضع فهي (هيئة نفسانية تحصل من تصور الإنسان نفسه أذل من غيره وأخس رتبة منه، ثم الإذعان به إذعانا جازما لا يشوبه شيء من الشكوك والأوهام)[7].
ومن الروايات الواردة عن رسول الله(صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): (إِنَّ اَلتَّوَاضُعَ يَزِيدُ صَاحِبَهُ رِفْعَةً فَتَوَاضَعُوا يَرْفَعْكُمُ اَللَّهُ)[8].
و قَالَ الإمامُ اَلصَّادِقُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : (اَلتَّوَاضُعُ أَصْلُ كُلِّ شَرَفٍ وَ خَيْرٍ وَ نَفِيسٍ وَ مَرْتَبَةٍ رَفِيعَةٍ وَ لَوْ كَانَ لِلتَّوَاضُعِ لُغَةٌ يَفْهَمُهَا اَلْخَلْقُ لَنَطَقَ عَنْ حَقَائِقِ مَا فِي مَخْفِيَّاتِ اَلْعَوَاقِبِ)[9].
وعَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: (مِنَ اَلتَّوَاضُعِ أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى مَنْ لَقِيتَ)[10].
تعطينا آيات القرآن درس عن التواضع، ومن أجلى مصاديق التواضع ما جاء في سيرة الأنبياء والمعصومين وأولياء الله الصالحين من سلوك متواضع مع الله ومع الناس، يجسده هذا المقطع من قصة نبي الله موسى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) والعبد الصالح (الخضر):
أمر الله تعالى نبيّه موسى (عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ) أن يشدّ الرحال الى مجمع البحرين ليلتقي العبد الصالح الذي يحمل من العلم ما ليس لديه، وبعد الجهد والنصب من وعثاء المسير هو وفتاه الذي رافقه، التقى ذلك العبد المخلص العارف بالله، الذي أفاض عليه ربه علما لَدُنّيا، وهذا العلم لا يُتحصل عليه إلا بالتواضع للتعلم والصبر على تعليمه للوصول الى الحكمة الإلهية، فقال تعالى في الكتاب العزيز:
﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْداً قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِراً وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْراً قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً قَالَ لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْراً... ﴾[11].
ومن التواضع عدم ازدراء أيّ رأي مخالف لرأيه، وعدم السخرية أو الاستخفاف بأيّ فكرة، خصوصاً أنّ بعض الباحثين يظنّ أنّ ارتفاع منزلته العلمية يكون بمقدار ما يعارض ويجادل غيره من الباحثين المشهورين، ويكثر الطعن في أفكارهم وآرائهم، وهذا خط، لأنّ الباحث الحقيقي هو من يبتعد عن الغرور والتكبّر، ويتواضع أمام العلم والحكمة.
[1] الکافي، ج 1، ص37.
[2] سورة آل عمران، الآية: 52.
[3] جامع السعادات، محمد مهدي النراقي: 273.
[4] مقدمة في علم الأخلاق، ص: 66.
[5] جامع السعادات، ج 1، ص 271.
[6] شرح أصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني، ج 1، ص: 236.
[7] نفس المصدر، ص 237.
[8] الكافي، الكليني، ج 2، ص121، باب التواضع.
[9] مستدرك الوسائل، ج11، ص298.
[10] وسائل الشیعة، ج12، ص61.
[11] سورة الكهف، الآيات: 65-73.