من الشخصيات التي أعطاها التاريخ حجماً أكبر من حجمها ، شخصية عبد الله بن سبأ ، حتى صار معروفاً بين أوساط المؤرخين بمؤسس السبئية والتي كان يقصد بها وفي غالب الأوقات الأشخاص الموالين لعلي عليه السلام أو أحد أبنائه أو أحفاده. الشيء الذي أكسبه شخصية محورية في أرتباطه بالتشيع. وأصبح هذا الشخص هو المدخل الرئيسي للهجوم على الشيعة ، وربط حركتهم بالأصول اليهودية.
لكن الأمانة العلمية التي يتطلبها التحقيق التأريخي تلزمنا أن ندرس هذه الشخصية من جميع الجوانب انطلاقاً من وجودها أو عدم وجودها ، وإن كانت موجودة فلا بد من معرفة مدى تأثيرها على الصعيد الثقافي والسياسي الاسلامي ، وهل فعلاً كان بالشكل الذي رسمه التاريخ الاسلامي.
ان مسألة عبدالله بن سبأ لم تكن محل اختلاف بين السنة والشيعة فقط بل حتى داخل المنظومة الفكرية الشيعية نفسها ، فقد نفى البعض وجود هذه الشخصية بالإطلاق بأعتبارها إحدى موضوعات سيف بن عمر بأعتباره هو الراوي الذي أورد له الطبري مروياته وبعدها كان تاريخ الطبري هو المرجع لكل المؤرخين فيما بعد. وقد مثل هذا الخط في أوجه العلامة مرتضى العسكري في كتابه أسطورة ابن سبأ ، وقد رأينا الإمام الخوئي رحمه الله أيضاً قد مال إلىٰ هذا القول في معجم الرجال (1).
وقد كان العلّامة التستري صاحب موسوعة الرجال من بين علماء الشيعة من أقر وجود هذه الشخصية لكل الفارق أنه وضعها في إطارها الحقيقي ، وسحب عنها تلك الخرافية التي أكسبها إياه سيف بن عمر الذي تلاعب بالرواية وأخرجه بالشكل الذي أصبح هو مؤسس المذهب الشيعي ، مع العلم أن الأئمة من آل البيت عليهم السلام قد لعنوه ويقول الإمام الخوئي في هذا الباب فعلى فرض وجوده ، فهذه الروايات تدل على أنه كفر وادعى الألوهية في علي عليه السلام لا أنه قائل بفرض امامته عليه السلام (2).
وقد سبق أن قلنا أن الأئمة قد لعنوه والروايات كثيرة ، فعن علي بن الحسين عليه السلام قال : (لعن الله من كذب علينا ! إني ذكرت عبد الله بن سبأ فقامت كل شعرة من جسدي ! لقد ادعى (3) أمراً عظيماً ، ما له لعنه الله) (4) ، وكذلك عن أبي عبد الله عليه السلام قال: (لعن الله عبدالله بن سبأ ، إنه ادعى الربوبية في أمير المؤمنين) (5) وهكذا يظهر لنا الموقف الحقيقي لخط الأمامة في شخصية عبد الله بن سبأ ، وهو اللعن والرفض لكل ما أدعاه.
ولا يمكن أن ننفي وجود حركة الغلاة والذين لعنوا من طرف الأئمة ومن علماء مذهب أهل البيت مما لا يجعل مصوغا للآخر ، الخلط بين التشيع الأصيل الذي بنا أسسه علىٰ اتباع أهل البيت وبين خط الغلو والانحراف ، وقد قال العلامة التستري في هذا الباب : ومن العجب أن الجماعة المتسمين بالعلماء من أهل السنة ، إذا تكلموا في كتبهم علىٰ المذاهب لا يذكرون الإمامية المستمسكين بأهل بيت العصمة بل يقتصرون على الغلاة من السبئية واضرابهم.
ومنه فإن أي قراءة لتاريخ التشيع يجب أن يتبع فيه البحث الدقيق حتى لا نعيد تلك القراءات البئيسة والتي ادت إلى تفريق وتمزيق الصف الإسلامي.
وقبل الانتهاء من هذه فإن علماء الشيعة لم يسقطوا حالات الغلو والتطرف التي ظهرت عند السنّة بل يقتصرونها علىٰ الحالات التي أنتجتها كالنواصب المعادين لآل البيت ولم تتهم كل المدرسة السنية بالنصب ، كما أنهم لم يتهموا السنة باليزيدية وهي إحدى الفرق التي خرجت من أهل السنة وأدعت الالوهية في يزيد بن معاوية وقد عرفوا علىٰ طول التاريخ بعبدة الشيطان. بل اقتصر الامر علىٰ أتباع تلك الطائفة.
________________________________________
1. السيد الخوئي : معجم الرجال، ج 11.
2. المصدر السابق ص 207.
3. العلامة التستري : قاموس الرجال، ج 6، ص 367.
4. المصدر السابق : ص 366.
5. المصدر السابق : ص 370.
تعليق