بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
قال تعالى:
(يا أيُّها الذينَ آمَنُوا إذا لقيتُم الذينَ كَفَروا زَحفاً فلا تُولُّوهُمُ الأدبارَ . ومَن يُولِّهِم يَومئذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتحرِّفاً لِقتالٍ أو مُتَحيِّزاً الى فئةٍ فقد باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ومأواهُ جَهنَّمُ وبِئسَ المصيرُ).
وخطاب الآية عام غير خاص بغزوة معينة، وهي تعلن عن حرمة الفرار من الزحف مقروناً بالوعيد الشديد. ومعناها، والخطاب للمؤمنين، بأنهم اذا دخلوا ساحة المعركة ولقوا الكافرين لقاء زحف وقتال، فينبغي ان لا يفرّوا منهم. ومن يفرّ منهم يومئذٍ فقد رجع ومعه غضبٌ من الله ومأواه جهنم. الا ان يكون فراراه للتحرف لقتال والانعطاف من جهة لاخرى للتمكّن من العدو، او التحيّز الى فئة كأن ينعطف المقاتل عن الانفراد بالعدو الى فئة من قومه فيلحق بهم ويقاتل معهم.
وقد امتحن الله سبحانه الصحابة بالتوالي والإدبار في القتال مرتين والنبي (صلى الله عليه وآله) موجود بينهم . المرة الاولى يوم اُحد، حيث
قال تعالى: (إنَّ الذينَ تَولَّوا مِنكُم يَومَ التقى الجَمعانِ إنَّما استزلَّهُمُ الشيطانُ بِبعضِ ما كَسَبُوا ولَقد عفا اللهُ عَنهُم إنَّ اللهَ غَفُورٌ حَليمٌ)_. والمرة الثانية يوم حنين، حيث قال تعالى: (لَقد نَصَرَكُمُ اللهُ في مواطِنَ كَثيرَةٍ ويَومَ حُنينٍ إذ أعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فلَم تُغنِ عنكُم شيئاً وضاقَت عليكُمُ الأرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ ولّيتُم مُدبِرينَ)
أقول : في يوم حُنين كان الصّابرون الثّابتون عشرة، من إثني عشر ألف صحابي وهي نسبة واحد من كل ألف ومائتين.
وإذا كانت معركة أحد في بداية الهجرة والنّاس لم يزالوا أقليّة وحديثي عهد بجاهلية، فما هو عذرهم في معركة حنين التي وقعت في آخر السنّة الثامنة للهجرة النبويّة
ولم يبق من حياة النبيّ معهم إلاّ عامين ورغم كثرة عددهم وعدّتهم فقد أطلقوا أرجلهم للرّيح وهربوا غير ملتفتين إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
فالقرآن الكريم يبيّن بوضوح مواقفهم المتخاذلة وهروبهم من الزّحف في تلك المعركة بقوله:
(ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين، فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنوداً لم تروها وعذّب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين) [التوبة: 26]
يبيّن سبحانه بأنّه قد ثبت رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم والذين صبروا معه على القتال بإنزال السكينة عليهم، ثم أمدّهم بجنود من الملائكة يحاربون معهم ونصرهم على الكافرين فلا حاجة للمرتدّين الذين يفرّون من العدوّ خوفاً من الموت، ويعصون بذلك ربّهم ونبيّهم، وكلّما امتحنهم الله وجدهم فاشلين.
ولمزيد البيان لا بدّ لنا من استعراض الرواية التي أخرجها البخاري بخصوص انهزام الصحابة يوم حنين.
أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الخامس في باب قول الله تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) . من كتاب المغازي.
أن أبا قتادة قال: لمّا كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختله من رواءه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها ثم أخذني فضمّني ضمّاً شديداً حتّى تخوّفت ثم ترك فتحلّل ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في النّاس، فقلت له: ما شأن النّاس؟ قال: أمر الله… (صحيح البخاري: ج 5 ص 101 ).
السيوطي - الدر المنثور في التفسير بالمأثور - آل عمران : 155
الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 355 )
[ النص طويل لذا استقطع منه موضع الشاهد ]
- .... أخرج ابن جرير ، عن كليب ، قال : خطب عمر يوم الجمعة فقرأ : آل عمران وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها ، فلما انتهى إلى قوله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ( آل عمران : 155 ) } قال : لما كان يوم أحد هزمناهم ففررت حتى صعدت الجبل فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى ، والناس ، يقولون : قتل محمد ، فقلت : لا أجد أحدا يقول : قتل محمد الا قتلته حتى اجتمعنا على الجبل فنزلت : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
( آل عمران : 155 ) } الآية كلها.
وهذه المصادر تبين هروب كبار الصحابة في معركة أحد وخيبر وحنين
فرار أبي بكر يوم أحد : راجع : شرح نهج البلاغة ج13 ص293 ، طبقات ابن سعد ج2 ص46 ـ 47 ، السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص58 ، تاريخ الخميس ج1 ص431 ، البداية والنهاية ج4 ص29 ، كنز العمال ج10 ص268 وص269.
فرار عمر يوم أحد :راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج15 ص20 وص23 وص24 ، حياة محمد لهيكل ص265 ، كنز العمال ج2 ص242 ، حياة الصحابة ج3 ص497 ، المغازي للواقدي ج1 ص199 ، الكامل في التاريخ ج2 ص148.
وقال الفخر الرازي في تفسيره ج9 ص50 في ذيل تفسير قوله تعالى : ( إنّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشيطانُ ببعض ما كسبُوا ) سورة آل عمران : الاية 155 ، قال : ومن المنهزمين ـ يعني يوم أُحد ـ عمر ، إلا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين...
ومنهم : عثمان ، انهزم مع رجلين من الانصار يقال لهما : سعد وعقبة ، انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ، ثمَّ رجعوا بعد ثلاثة أيّام ، فقال لهم النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : لقد ذهبتم فيها عريضة.(4) فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر :راجع : اُسد الغابة ج4 ص21 ، مسند أحمد ج6 ص353 ، البداية والنهاية ج4 ص186 ، مجمع الزوائد ج9 ص122 وص124 ، الكامل لابن الاثير ج2 ص216 ، المستدرك للحاكم ج3 ص37.
(5) فرار أبي بكر يوم حنين :راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج13 ص293 ، الصحيح من سيرة النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ج3 ص282.
والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
قال تعالى:
(يا أيُّها الذينَ آمَنُوا إذا لقيتُم الذينَ كَفَروا زَحفاً فلا تُولُّوهُمُ الأدبارَ . ومَن يُولِّهِم يَومئذٍ دُبُرَهُ إلاّ مُتحرِّفاً لِقتالٍ أو مُتَحيِّزاً الى فئةٍ فقد باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ ومأواهُ جَهنَّمُ وبِئسَ المصيرُ).
وخطاب الآية عام غير خاص بغزوة معينة، وهي تعلن عن حرمة الفرار من الزحف مقروناً بالوعيد الشديد. ومعناها، والخطاب للمؤمنين، بأنهم اذا دخلوا ساحة المعركة ولقوا الكافرين لقاء زحف وقتال، فينبغي ان لا يفرّوا منهم. ومن يفرّ منهم يومئذٍ فقد رجع ومعه غضبٌ من الله ومأواه جهنم. الا ان يكون فراراه للتحرف لقتال والانعطاف من جهة لاخرى للتمكّن من العدو، او التحيّز الى فئة كأن ينعطف المقاتل عن الانفراد بالعدو الى فئة من قومه فيلحق بهم ويقاتل معهم.
وقد امتحن الله سبحانه الصحابة بالتوالي والإدبار في القتال مرتين والنبي (صلى الله عليه وآله) موجود بينهم . المرة الاولى يوم اُحد، حيث
قال تعالى: (إنَّ الذينَ تَولَّوا مِنكُم يَومَ التقى الجَمعانِ إنَّما استزلَّهُمُ الشيطانُ بِبعضِ ما كَسَبُوا ولَقد عفا اللهُ عَنهُم إنَّ اللهَ غَفُورٌ حَليمٌ)_. والمرة الثانية يوم حنين، حيث قال تعالى: (لَقد نَصَرَكُمُ اللهُ في مواطِنَ كَثيرَةٍ ويَومَ حُنينٍ إذ أعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فلَم تُغنِ عنكُم شيئاً وضاقَت عليكُمُ الأرضُ بِما رَحُبَت ثُمَّ ولّيتُم مُدبِرينَ)
أقول : في يوم حُنين كان الصّابرون الثّابتون عشرة، من إثني عشر ألف صحابي وهي نسبة واحد من كل ألف ومائتين.
وإذا كانت معركة أحد في بداية الهجرة والنّاس لم يزالوا أقليّة وحديثي عهد بجاهلية، فما هو عذرهم في معركة حنين التي وقعت في آخر السنّة الثامنة للهجرة النبويّة
ولم يبق من حياة النبيّ معهم إلاّ عامين ورغم كثرة عددهم وعدّتهم فقد أطلقوا أرجلهم للرّيح وهربوا غير ملتفتين إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم.
فالقرآن الكريم يبيّن بوضوح مواقفهم المتخاذلة وهروبهم من الزّحف في تلك المعركة بقوله:
(ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً، وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين، فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنوداً لم تروها وعذّب الذين كفروا وذلك جزاء الكافرين) [التوبة: 26]
يبيّن سبحانه بأنّه قد ثبت رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم والذين صبروا معه على القتال بإنزال السكينة عليهم، ثم أمدّهم بجنود من الملائكة يحاربون معهم ونصرهم على الكافرين فلا حاجة للمرتدّين الذين يفرّون من العدوّ خوفاً من الموت، ويعصون بذلك ربّهم ونبيّهم، وكلّما امتحنهم الله وجدهم فاشلين.
ولمزيد البيان لا بدّ لنا من استعراض الرواية التي أخرجها البخاري بخصوص انهزام الصحابة يوم حنين.
أخرج البخاري في صحيحه من جزئه الخامس في باب قول الله تعالى: (ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً) . من كتاب المغازي.
أن أبا قتادة قال: لمّا كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختله من رواءه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني فضربت يده فقطعتها ثم أخذني فضمّني ضمّاً شديداً حتّى تخوّفت ثم ترك فتحلّل ودفعته ثم قتلته، وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في النّاس، فقلت له: ما شأن النّاس؟ قال: أمر الله… (صحيح البخاري: ج 5 ص 101 ).
السيوطي - الدر المنثور في التفسير بالمأثور - آل عمران : 155
الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 355 )
[ النص طويل لذا استقطع منه موضع الشاهد ]
- .... أخرج ابن جرير ، عن كليب ، قال : خطب عمر يوم الجمعة فقرأ : آل عمران وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها ، فلما انتهى إلى قوله : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ ( آل عمران : 155 ) } قال : لما كان يوم أحد هزمناهم ففررت حتى صعدت الجبل فلقد رأيتني أنزو كأنني أروى ، والناس ، يقولون : قتل محمد ، فقلت : لا أجد أحدا يقول : قتل محمد الا قتلته حتى اجتمعنا على الجبل فنزلت : { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
( آل عمران : 155 ) } الآية كلها.
وهذه المصادر تبين هروب كبار الصحابة في معركة أحد وخيبر وحنين
فرار أبي بكر يوم أحد : راجع : شرح نهج البلاغة ج13 ص293 ، طبقات ابن سعد ج2 ص46 ـ 47 ، السيرة النبوية لابن كثير ج3 ص58 ، تاريخ الخميس ج1 ص431 ، البداية والنهاية ج4 ص29 ، كنز العمال ج10 ص268 وص269.
فرار عمر يوم أحد :راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج15 ص20 وص23 وص24 ، حياة محمد لهيكل ص265 ، كنز العمال ج2 ص242 ، حياة الصحابة ج3 ص497 ، المغازي للواقدي ج1 ص199 ، الكامل في التاريخ ج2 ص148.
وقال الفخر الرازي في تفسيره ج9 ص50 في ذيل تفسير قوله تعالى : ( إنّ الّذين تولّوا منكم يوم التقى الجمعان إنّما استزلّهم الشيطانُ ببعض ما كسبُوا ) سورة آل عمران : الاية 155 ، قال : ومن المنهزمين ـ يعني يوم أُحد ـ عمر ، إلا أنه لم يكن في أوائل المنهزمين...
ومنهم : عثمان ، انهزم مع رجلين من الانصار يقال لهما : سعد وعقبة ، انهزموا حتى بلغوا موضعا بعيدا ، ثمَّ رجعوا بعد ثلاثة أيّام ، فقال لهم النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ : لقد ذهبتم فيها عريضة.(4) فرار أبي بكر وعمر يوم خيبر :راجع : اُسد الغابة ج4 ص21 ، مسند أحمد ج6 ص353 ، البداية والنهاية ج4 ص186 ، مجمع الزوائد ج9 ص122 وص124 ، الكامل لابن الاثير ج2 ص216 ، المستدرك للحاكم ج3 ص37.
(5) فرار أبي بكر يوم حنين :راجع : شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج13 ص293 ، الصحيح من سيرة النبي ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ج3 ص282.
بعد هذا الأستعراض للنصوص التي أثبتت فرار القوم
ننظر على اي شي بايعوا تحت الشجرة
وهذا صحيح مسلم
خرج في باب أستحابا الإمام مبايعة الجيش ج 6 ص 26 رقم الحديث
4924 - وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَعْرَجِ عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ لَقَدْ رَأَيْتُنِى يَوْمَ الشَّجَرَةِ وَالنَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يُبَايِعُ النَّاسَ وَأَنَا رَافِعٌ غُصْنًا مِنْ أَغْصَانِهَا عَنْ رَأْسِهِ وَنَحْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً قَالَ لَمْ نُبَايِعْهُ عَلَى الْمَوْتِ وَلَكِنْ بَايَعْنَاهُ عَلَى أَنْ لاَ نَفِرَّ.
وأخرج ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ج 6 ص 136
باب البيعة في الحرب أن لا يفروا وقال بعضهم على الموت لقول الله تعالى لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة
رقم الحديث :
2798 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جويرية عن نافع قال قال ابن عمر رضي الله عنهما رجعنا من العام المقبل فما اجتمع منا اثنان على الشجرة التي بايعنا تحتها كانت رحمة من الله فسألت نافعا على أي شيء بايعهم على الموت قال لا بل بايعهم على الصبر .
تعليق