نحن نعلم أنّ للناس حساباتهم واعتباراتهم في مبدأ السنة وآخرها. وأنّ هناك من يعتمد تاريخاً بعينه ليكون بداية سنته ونهايتها. ولذلك كان عندنا التقويم الغربي الذي يعتمد حركة الشمس معياراً في حسابه، والتقويم الإسلامي الذي يعتمد يوم الهجرة النبوية مبدأ للسنة ومن المسلمين من يعتمد القمر فتسمى سنتهم أو تقويمهم بالهجري القمري، ومنهم من يعتمد الشمس وتسمى سنتهم أو تقويمهم بالهجري الشمسي. وهناك تقويمات أخرى تعتمد اعتبارات مختلفة.
وبحسب ما ورد من الروايات فإن لله تعالى حساباً خاصّاً يعتمده ومعياراً مختلفاً في مبدأ السنة ونهايتها. فإن المعيار هو تقدير الأمور التي شاء الله لها بحسب حركة الحياة، أن تقع في خلال مدّة سنة. والحساب الذي يعتمده الله تعالى مبدأ هو ليلة خاصة جعل لها سبحانه، مكانة ومنزلة خاصّة. وجعل للعمل بها والتفرّغ له فيها أجراً خاصاً وثمرة خاصّة. هذه الليلة هي ليلة القدر.
فعن رفاعة، عن الصادق عليه السلام أنه قال: "ليلة القدر هي أول السنة وآخرها"[1].
وفي حديث آخر عن رفاعة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: "رأس السنة ليلة القدر، يكتب فيها ما يكون من السنة إلى السنة"[2].
وفي حديث ثالث عن عمر الشامي، عن أبي عبد الله عليه السلام: "إنّ عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض، فغرّة الشهور شهر رمضان، وقلب شهر رمضان ليلة القدر..."[3].
ليلة تقرير المصير:
عن علي بن إبراهيم عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن الفضيل بن يسار وزرارة ومحمد بن مسلم، عن قمران، أنّه سأل أبا جعفر الباقر عليه السلام عن قول الله عزّ وجلّ: "﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾[4]؟ قال: نعم، ليلة القدر، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان، في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلا في ليلة القدر. قال الله عزّ وجلّ: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾[5]. قال: يقدّر في ليلة القدر كلّ شيء يكون في السنة إلى مثلها من قابل، من خير وشرّ، وطاعة ومعصية، ومولود وأجل أو رزق. فما قدر في تلك السنة وقضي فهو المحتوم، ولله عزّ وجلّ فيه المشيّة. قال: قلت: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾[6]. أيّ شيء عنا بذلك؟ فقال: العمل الصالح فيها من الصلاة والزكاة وأنواع الخير خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر. ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا، ولكن الله يضاعف الحسنات"[7].
وفي حديث آخر للكليني، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن الحسين بن سعيد الأهوازي، عن فضالة بن أيوب، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أحدهما الباقر أو الصادق عليهما السلام قال: "... وسُئِل عن ليلة القدر؟ فقال: تنزّل فيها الملائكة والكَتَبَة إلى السماء الدنيا، فيكتبون ما يكون في أمر السنة، وما يصيب العباد، وأمره عنده موقوف له وفيه المشيئة، فيقدم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء، ويمحو ويثبت وعنده أمّ الكتاب"[8].
وفي رواية أبي حمزة الثمالي، قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام... فقال له أبو بصير: "جعلت فداك الليلة التي يُرجى فيها ما يرجى؟... فقال: يا أبا محمد أبو بصير، يا أبا محمد، وفد الحاج يُكتب في ليلة القدر، والمنايا والبلايا، والأرزاق، وما يكون إلى مثلها من قابل..."[9].
زاد العاملين في شهر الله، دار المعارف الإسلامية الثقافية
[1] الكافي، ج4، ص160، ح11، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، ج2، ص151، ح452.
[2] التهذيب للشيخ الطوسي، ج4، ص332، ح1042.
[3] فضائل الأشهر الثلاثة للشيخ الصدوق، ص87، ح66. والوسائل للشيخ محمد بن الحسن الحرّ العاملي، ج15، ص353، باب 31 من استحباب الجدّ والاجتهاد في ليلة القدر.
[4] سورة الدخان، الآية 3.
[5] سورة الدخان، الآية 4.
[6] سورة القدر، الآية 3.
[7] الكافي للكليني، ج4، ص157، ح6. والفقيه، ج2، ص151، ح455 وعنه الوسائل، ج10، ص351.
[8] الكافي، ج4، ص157، ح3، الفقيه، ج2 ص102، ح458. وعنها الوسائل، ج10، ص350.
[9] الكافي الكليني، ج4، ص156. والفقيه، ج2، ص102، ح459، والتهذيب، ج3، ص258.