بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
في محطة وداع شهر رمضان يجب أن نسأل أنفسنا ما هي الكمالات الروحية ودرجة الصفاء الروحي التي تحصلنا عليها خلال هذا الشهر الكريم وما هي تجليات أنوار الشهر الفضيل وما مدى إشراقاته في أرواحنا؟.
أوشكت أيام شهر رمضان أن تنتهي، فلم يتبق على انتهاء جنته إلا أوقات يسيرة، ولكي نتأمل كيف كان تعاملنا مع هذا الشهر العظيم، استشهد بأحد أبطال هذا الشهر، وهو العالم الرباني السيد ابن طاووس، قدس سره.
للسيد ابن طاووس – أعلى الله مقامه – مع شهر رمضان علاقة خاصة متميزة، فهو قد أضاء للناس كيفية التعامل مع الشهر العظيم من خلال ما نقله من تراث أهل بيت العصمة ، وانعكاس ذلك التراث العظيم على سلوكه قولا وفعلا.
كان السيد ابن طاووس إذا دخل شهر رمضان أحضر كتاب الأعمال الخاص بشهر رمضان المبارك فقبله، ثم جعله على عينيه ثم ضمه إلى صدره وقلبه، وهو في ذلك يستحضر نعمة إلهية كبيرة حيث أنه يرى في هذه الكنوز من الأدعية المتنوعة في أوقات الليل والنهار، وأوقات الصلاة والإفطار والسحر، نعمة إلهية عظيمة تستوجب شكر المنعم، وهو الله سبحانه وتعالى، لأن هذه الأدعية المتنوعة هي بوابة الاتصال بساحة عطاء الله سبحانه وتعالى، وهي تفتح أمام الإنسان الخير كل الخير؛ وهذا الخير العظيم الذي لا حد له يتطلب شكرا من الإنسان، ففي هذه الأدعية سبب صلاح الإنسان، لأن الإنسان عندما يقرأ هذه الأدعية بتوجه وإقبال على الله سبحانه وتعالى فإنه يسعى جاهدا لإصلاح عيوب نفسه خلال وقوفه على محطات التزود الضخمة التي تحتويها هذه الأدعية، وإليكم نص عبارة السيد ابن طاووس – قدس سره – كما جاءت في كتاب الإقبال:
”ثم إنني أحضر هذا الكتاب عمل شهر الصيام، وأقبله وأجعله على رأسي وعيني وأضمه إلى صدري وقلبي، وأراه قد وصل إلي من مالك أمري، ليفتح به على أبواب خيري وبري ونصري، وأتلقاه بحمدي وشكري وشكر الرسول الذي كان سبب صلاح أمري، كما اقتضى حكم الإسلام تعظيم المشاعر في البيت الحرام وتقبيلها بفم الاحترام والإكرام.“ [1]
يقول السيد ابن طاووس في موضع دخول شهر رمضان المبارك كما نقل عنه في كتاب الإقبال:
”ثم إنني أبدأ بالفعل، فأسأل الله جل جلاله العفو عما جرى من ظلمي له وحيفي عليه، وكلما هونت به من تطهير القلب وإصلاحه لنظر الله جل جلاله إليه والعفو عن كل جارحة أهملت شيئا من مهماتها وعباداتها والاجتهاد في التوبة النصوح من جناياتها والصدقة عن كل جارحة بما تهيأ من الصدقات لقول الله جل جلاله ﴿إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ﴾ ، وأتصدق عن أيام السنة المستقبلة عن كل يوم وليلة برغيف لأجل ما رويناه من فضل الصدقة وفائدته.“ [2]
هكذا كان السيد ابن طاووس يتعامل مع شهر رمضان منذ بداية دخوله.
وأنت أخي المؤمن…
وأنتِ أختي المؤمنة…
كيف كان تعاملك مع هذه الأدعية.
هل تشعر – تشعرين – نحوها بتلك القدسية والعظمة التي كانت متجلية في سلوك السيد ابن طاووس.
وماذا كان علاقتك واتصالك بهذا الكم العظيم من الأدعية المتنوعة.
هل كنت على اتصال بأدعية تعقيب الصلوات الخاصة وأدعية السحر وأدعية الإفطار والأيام، أم أنه لم يكن هناك مجال للاتصال بتلك الكنوز لأن أوقات الشهر العظيم قد صرفت في النوم الكثير والسهرات المطولة مع الأصدقاء ومعاينة برامج التلفاز من مسلسلات وغيرها.
وكيف كان توجهك الروحي والقلبي واعترافك بالذنب والتقصير إزاء الله سبحانه وتعالى وطلب عفوه سبحانه وتعالى عن كل جوانب التقصير والغفلة عنه سبحانه وتعالى، والاجتهاد في قراءة القرآن، والدعاء المصحوب بالتوجه القلبي الصادق، كي لا تشعر بالحسرة والندامة يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وكيف كان تنفيذك لجوانب خطبة الرسول الأعظم – ﷺ – وما تضمنته من معانٍ سامية.
ما هي الكمالات الروحية ودرجة الصفاء الروحي التي تحصلت عليها خلال هذا الشهر الكريم.
وفي محطة وداع شهر رمضان، يذكر السيد ابن طاووس: ”ما نورده من طبقات أهل الوداع لشهر الصيام فنقول:
إعلم أن الوداع لشهر رمضان يحتاج إلى زيادة بيان، والناس فيه على طبقات:
طبقة منهم كانوا في شهر رمضان على مراد الله جل جلاله وآدابه فيه في السر والإعلان، فهؤلاء يودعون شهر الصيام وداع من صاحب الصفاء والوفاء وحفظ الذمام كما تضمنه وداع مولانا زين العابدين.
وطبقة منهم صاحبوا شهر رمضان، تارة يكونون معه على مراد الله جل جلاله في بعض الأزمان، وتارة يفارقون شروطه بالغفلة أو بالعصيان، فهؤلاء إن اتفق خروج شهر رمضان وهم مفارقون له في الآداب والاصطحاب، فالمفارقون لا يودعون ولا هم يجتمعون.
وإنما الوداع لمن كان موفقا [مرافقا] وموافقا في مقتضى العقول والألباب، وإن اتفق خروج شهر رمضان وهم في حال حسن صحبته فلهم أن يودعوه على قدر ما عاملوه في حفظ حرمته، وأن يستغفروا ويندموا على ما فرطوا فيه من إضاعة شروط الصحبة والوفاء، ويبالغوا عند الوداع في التلهف والتأسف كيف عاملوه بوقت من الأوقات بالجفاء.
وطبقة ما كانوا في شهر رمضان مصاحبين له بالقلوب، بل كان فيهم من هو كاره لشهر الصيام، لأنه كان يقطعهم من عادتهم في التهوين ومراقبة علام الغيوب، فهؤلاء ما كانوا مع شهر رمضان حتى يودعوه عند الانفصال، ولا أحسنوا المجاورة له لما نزل بالقرب من دارهم، وتكرهوا به واستقبلوه بسوء اختيارهم، فلا معنى لوداعهم له عند انفصاله، ولا يلتفت إلى ما تضمنه لفظ وداعهم وسوء مقالهم.“ [3]
ويواصل السيد ابن طاووس قائلا:
أقول فلا تكن أيها الإنسان ممن نزل به ضيف غني عنه، وما نزل به ضيف منذ سنة أشرف منه وقد حضره للإنعام عليه، وحمل إليه معه تحف السعادات وشرف العنايات، وما لا يبلغه وصف المقال من الآمال والإقبال فأساء مجاورة هذا الضيف الكريم، وجفاه وهون به وعامل معه معاملة المضيف اللئيم فانصرف [الضيف] الكريم ذاما لضيافته، وبقي الذي نزل به في فضيحة تقصيره وسوء مجاورته، أو في عار تأسفه وندامته، فكن إما محسنا في الضيافة والمعرفة بحقوق ما وصل به هذا الضيف من السعادة والرحمة والرأفة والأمن من المخافة، أو كن لا له ولا عليه، فلا تصاحبه بالكراهة وسوء الأدب عليه، وإنما تهلك بأعمالك السخيفة نفسك الضعيفة وتشهرها بالفضائح والنقصان في ديوان الملوك والأعيان الذين ظفروا بالأمان والرضوان. [4]
وهكذا ينبغي لأرواحنا وقلوبنا أن تعيش هذه الحالة النورانية عند استقبال شهر رمضان وعند وداع شهر رمضان، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا هذا العمل بأعلى درجات القبول.
*************
[1] كتاب الإقبال للسيد العلم العامل رضي الدين علي بن موسى بن طاووس
[2] المصدر السابق
[3] المصدر السابق
[4] المصدر السابق
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركااته
في محطة وداع شهر رمضان يجب أن نسأل أنفسنا ما هي الكمالات الروحية ودرجة الصفاء الروحي التي تحصلنا عليها خلال هذا الشهر الكريم وما هي تجليات أنوار الشهر الفضيل وما مدى إشراقاته في أرواحنا؟.
أوشكت أيام شهر رمضان أن تنتهي، فلم يتبق على انتهاء جنته إلا أوقات يسيرة، ولكي نتأمل كيف كان تعاملنا مع هذا الشهر العظيم، استشهد بأحد أبطال هذا الشهر، وهو العالم الرباني السيد ابن طاووس، قدس سره.
للسيد ابن طاووس – أعلى الله مقامه – مع شهر رمضان علاقة خاصة متميزة، فهو قد أضاء للناس كيفية التعامل مع الشهر العظيم من خلال ما نقله من تراث أهل بيت العصمة ، وانعكاس ذلك التراث العظيم على سلوكه قولا وفعلا.
كان السيد ابن طاووس إذا دخل شهر رمضان أحضر كتاب الأعمال الخاص بشهر رمضان المبارك فقبله، ثم جعله على عينيه ثم ضمه إلى صدره وقلبه، وهو في ذلك يستحضر نعمة إلهية كبيرة حيث أنه يرى في هذه الكنوز من الأدعية المتنوعة في أوقات الليل والنهار، وأوقات الصلاة والإفطار والسحر، نعمة إلهية عظيمة تستوجب شكر المنعم، وهو الله سبحانه وتعالى، لأن هذه الأدعية المتنوعة هي بوابة الاتصال بساحة عطاء الله سبحانه وتعالى، وهي تفتح أمام الإنسان الخير كل الخير؛ وهذا الخير العظيم الذي لا حد له يتطلب شكرا من الإنسان، ففي هذه الأدعية سبب صلاح الإنسان، لأن الإنسان عندما يقرأ هذه الأدعية بتوجه وإقبال على الله سبحانه وتعالى فإنه يسعى جاهدا لإصلاح عيوب نفسه خلال وقوفه على محطات التزود الضخمة التي تحتويها هذه الأدعية، وإليكم نص عبارة السيد ابن طاووس – قدس سره – كما جاءت في كتاب الإقبال:
”ثم إنني أحضر هذا الكتاب عمل شهر الصيام، وأقبله وأجعله على رأسي وعيني وأضمه إلى صدري وقلبي، وأراه قد وصل إلي من مالك أمري، ليفتح به على أبواب خيري وبري ونصري، وأتلقاه بحمدي وشكري وشكر الرسول الذي كان سبب صلاح أمري، كما اقتضى حكم الإسلام تعظيم المشاعر في البيت الحرام وتقبيلها بفم الاحترام والإكرام.“ [1]
يقول السيد ابن طاووس في موضع دخول شهر رمضان المبارك كما نقل عنه في كتاب الإقبال:
”ثم إنني أبدأ بالفعل، فأسأل الله جل جلاله العفو عما جرى من ظلمي له وحيفي عليه، وكلما هونت به من تطهير القلب وإصلاحه لنظر الله جل جلاله إليه والعفو عن كل جارحة أهملت شيئا من مهماتها وعباداتها والاجتهاد في التوبة النصوح من جناياتها والصدقة عن كل جارحة بما تهيأ من الصدقات لقول الله جل جلاله ﴿إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ﴾ ، وأتصدق عن أيام السنة المستقبلة عن كل يوم وليلة برغيف لأجل ما رويناه من فضل الصدقة وفائدته.“ [2]
هكذا كان السيد ابن طاووس يتعامل مع شهر رمضان منذ بداية دخوله.
وأنت أخي المؤمن…
وأنتِ أختي المؤمنة…
كيف كان تعاملك مع هذه الأدعية.
هل تشعر – تشعرين – نحوها بتلك القدسية والعظمة التي كانت متجلية في سلوك السيد ابن طاووس.
وماذا كان علاقتك واتصالك بهذا الكم العظيم من الأدعية المتنوعة.
هل كنت على اتصال بأدعية تعقيب الصلوات الخاصة وأدعية السحر وأدعية الإفطار والأيام، أم أنه لم يكن هناك مجال للاتصال بتلك الكنوز لأن أوقات الشهر العظيم قد صرفت في النوم الكثير والسهرات المطولة مع الأصدقاء ومعاينة برامج التلفاز من مسلسلات وغيرها.
وكيف كان توجهك الروحي والقلبي واعترافك بالذنب والتقصير إزاء الله سبحانه وتعالى وطلب عفوه سبحانه وتعالى عن كل جوانب التقصير والغفلة عنه سبحانه وتعالى، والاجتهاد في قراءة القرآن، والدعاء المصحوب بالتوجه القلبي الصادق، كي لا تشعر بالحسرة والندامة يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وكيف كان تنفيذك لجوانب خطبة الرسول الأعظم – ﷺ – وما تضمنته من معانٍ سامية.
ما هي الكمالات الروحية ودرجة الصفاء الروحي التي تحصلت عليها خلال هذا الشهر الكريم.
وفي محطة وداع شهر رمضان، يذكر السيد ابن طاووس: ”ما نورده من طبقات أهل الوداع لشهر الصيام فنقول:
إعلم أن الوداع لشهر رمضان يحتاج إلى زيادة بيان، والناس فيه على طبقات:
طبقة منهم كانوا في شهر رمضان على مراد الله جل جلاله وآدابه فيه في السر والإعلان، فهؤلاء يودعون شهر الصيام وداع من صاحب الصفاء والوفاء وحفظ الذمام كما تضمنه وداع مولانا زين العابدين.
وطبقة منهم صاحبوا شهر رمضان، تارة يكونون معه على مراد الله جل جلاله في بعض الأزمان، وتارة يفارقون شروطه بالغفلة أو بالعصيان، فهؤلاء إن اتفق خروج شهر رمضان وهم مفارقون له في الآداب والاصطحاب، فالمفارقون لا يودعون ولا هم يجتمعون.
وإنما الوداع لمن كان موفقا [مرافقا] وموافقا في مقتضى العقول والألباب، وإن اتفق خروج شهر رمضان وهم في حال حسن صحبته فلهم أن يودعوه على قدر ما عاملوه في حفظ حرمته، وأن يستغفروا ويندموا على ما فرطوا فيه من إضاعة شروط الصحبة والوفاء، ويبالغوا عند الوداع في التلهف والتأسف كيف عاملوه بوقت من الأوقات بالجفاء.
وطبقة ما كانوا في شهر رمضان مصاحبين له بالقلوب، بل كان فيهم من هو كاره لشهر الصيام، لأنه كان يقطعهم من عادتهم في التهوين ومراقبة علام الغيوب، فهؤلاء ما كانوا مع شهر رمضان حتى يودعوه عند الانفصال، ولا أحسنوا المجاورة له لما نزل بالقرب من دارهم، وتكرهوا به واستقبلوه بسوء اختيارهم، فلا معنى لوداعهم له عند انفصاله، ولا يلتفت إلى ما تضمنه لفظ وداعهم وسوء مقالهم.“ [3]
ويواصل السيد ابن طاووس قائلا:
أقول فلا تكن أيها الإنسان ممن نزل به ضيف غني عنه، وما نزل به ضيف منذ سنة أشرف منه وقد حضره للإنعام عليه، وحمل إليه معه تحف السعادات وشرف العنايات، وما لا يبلغه وصف المقال من الآمال والإقبال فأساء مجاورة هذا الضيف الكريم، وجفاه وهون به وعامل معه معاملة المضيف اللئيم فانصرف [الضيف] الكريم ذاما لضيافته، وبقي الذي نزل به في فضيحة تقصيره وسوء مجاورته، أو في عار تأسفه وندامته، فكن إما محسنا في الضيافة والمعرفة بحقوق ما وصل به هذا الضيف من السعادة والرحمة والرأفة والأمن من المخافة، أو كن لا له ولا عليه، فلا تصاحبه بالكراهة وسوء الأدب عليه، وإنما تهلك بأعمالك السخيفة نفسك الضعيفة وتشهرها بالفضائح والنقصان في ديوان الملوك والأعيان الذين ظفروا بالأمان والرضوان. [4]
وهكذا ينبغي لأرواحنا وقلوبنا أن تعيش هذه الحالة النورانية عند استقبال شهر رمضان وعند وداع شهر رمضان، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا هذا العمل بأعلى درجات القبول.
*************
[1] كتاب الإقبال للسيد العلم العامل رضي الدين علي بن موسى بن طاووس
[2] المصدر السابق
[3] المصدر السابق
[4] المصدر السابق
تعليق