روى المؤرّخون صورا رائعة من عدله تبهر العقول ، وتجعله طغراء شرف للعالم العربي والإسلامي ، وكان من ضروب عدله ما يلي :
كما ورد في كتاب(1): وفد عقيل على الإمام في الكوفة ، فرحّب به الإمام وقال لولده الإمام الحسن عليه السلام : « اكس عمّك » ، فكساه قميصا ورداء من ملكه ، ولمّا حضر العشاء قدّم له خبزا وملحا ، فأنكر عقيل ذلك وقال :
ـ ليس ما أرى؟
لقد أراد عقيل أن تقدّم له مائدة شهيّة حافلة بألوان الطعام ، فأجابه الإمام بلطف وهدوء :
« أوليس هذا من نعمة الله؟ فله الحمد كثيرا ».
وفقد عقيل إهابه ، وضاقت عليه الأرض ، فقال للإمام : ـ اعطني ما أقضي به ديني ، وعجّل سراحي حتى أرحل عنك. « كم دينك يا أبا يزيد؟ ». ـ مائة ألف درهم. « والله ما هي عندي ، ولا أملكها ، ولكن اصبر حتّى يخرج عطاي فاواسيكه ، ولو لا أنّه لا بدّ للعيال من شيء لأعطيتك كلّه ». وخاطب عقيل الإمام بعنف قائلا : ـ بيت المال بيدك ، وأنت تسوّفني إلى عطائك ، وكم عطاؤك؟ وما عسى أن يكون؟ ولو أعطيتنيه كلّه. وضاق الإمام ذرعا من عقيل ، فطرح أمامه حكم الإسلام قائلا : « وما أنا وأنت فيه ـ أي في العطاء من بيت المال ـ إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين ». وكان الإمام مطلاّ على صناديق التجّار في السوق ، فقال لعقيل : « إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصّناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه ». وتوهّم عقيل أنّها من أموال الدولة ، فقال للإمام : ـ ما في هذه الصناديق؟ « فيها أموال التّجار ». فأنكر عقيل ، وراح يقول بألم ومرارة : ـ أتأمرني أن أكسر صناديق قوم توكّلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟
فردّ عليه الإمام قائلا :
« أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فاعطيك أموالهم ، وقد توكّلوا على الله ، وأقفلوا عليها ، وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعا إلى الحيرة ، فإنّ فيها تجّارا مياسير ، فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله ».
والتاع عقيل ، وراح يقول بألم :
ـ أو سارقا جئت؟
فأجابه رائد العدالة الإسلامية قائلا :
« تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعا ».
ولم يجد عقيل منفذا يسلك فيه ، فقد سدّ عليه الإمام جميع النوافذ ، وصيّره أمام العدل الصارم ، الذي لا يستجيب لأي عاطفة ، ولا ينصاع إلاّ إلى الحقّ ، وراح عقيل يقول بحرارة اليأس :
ـ أتأذن لي أن أخرج إلى معاوية؟
« أذنت لك ».
ـ أعنّي على سفري.
فأمر الإمام ولده الزكي الإمام الحسن عليهالسلام بإعطائه أربعمائة درهم نفقة له ، فخرج عقيل وهو يقول :
سيغنيني الّذي أغناك عنّي
ويقضي ديننا ربّ قريب (2)
لقد تجرّد الإمام من جميع المحسوبيات فلم يقم لها أي وزن وأخلص للحقّ والعدل كأعظم ما يكون الإخلاص ، فالقريب والبعيد سواء في ميزانه ... لقد احتاط كأشدّ ما يكون الاحتياط في أموال الدولة ، فلم يؤثر بشيء منها نفسه وأهل بيته ، وحمّل نفسه رهقا وشدّة.
__________________
(١) المناقب، ج 1، ص : 382.
(2) المناقب، ج 1، ص : 379 ، وقريب منه في الصواعق المحرقة، ص : 79.
كما ورد في كتاب(1): وفد عقيل على الإمام في الكوفة ، فرحّب به الإمام وقال لولده الإمام الحسن عليه السلام : « اكس عمّك » ، فكساه قميصا ورداء من ملكه ، ولمّا حضر العشاء قدّم له خبزا وملحا ، فأنكر عقيل ذلك وقال :
ـ ليس ما أرى؟
لقد أراد عقيل أن تقدّم له مائدة شهيّة حافلة بألوان الطعام ، فأجابه الإمام بلطف وهدوء :
« أوليس هذا من نعمة الله؟ فله الحمد كثيرا ».
وفقد عقيل إهابه ، وضاقت عليه الأرض ، فقال للإمام : ـ اعطني ما أقضي به ديني ، وعجّل سراحي حتى أرحل عنك. « كم دينك يا أبا يزيد؟ ». ـ مائة ألف درهم. « والله ما هي عندي ، ولا أملكها ، ولكن اصبر حتّى يخرج عطاي فاواسيكه ، ولو لا أنّه لا بدّ للعيال من شيء لأعطيتك كلّه ». وخاطب عقيل الإمام بعنف قائلا : ـ بيت المال بيدك ، وأنت تسوّفني إلى عطائك ، وكم عطاؤك؟ وما عسى أن يكون؟ ولو أعطيتنيه كلّه. وضاق الإمام ذرعا من عقيل ، فطرح أمامه حكم الإسلام قائلا : « وما أنا وأنت فيه ـ أي في العطاء من بيت المال ـ إلاّ بمنزلة رجل من المسلمين ». وكان الإمام مطلاّ على صناديق التجّار في السوق ، فقال لعقيل : « إن أبيت يا أبا يزيد ما أقول فانزل إلى بعض هذه الصّناديق فاكسر أقفاله وخذ ما فيه ». وتوهّم عقيل أنّها من أموال الدولة ، فقال للإمام : ـ ما في هذه الصناديق؟ « فيها أموال التّجار ». فأنكر عقيل ، وراح يقول بألم ومرارة : ـ أتأمرني أن أكسر صناديق قوم توكّلوا على الله وجعلوا فيها أموالهم؟
فردّ عليه الإمام قائلا :
« أتأمرني أن أفتح بيت مال المسلمين فاعطيك أموالهم ، وقد توكّلوا على الله ، وأقفلوا عليها ، وإن شئت أخذت سيفك وأخذت سيفي وخرجنا جميعا إلى الحيرة ، فإنّ فيها تجّارا مياسير ، فدخلنا على بعضهم فأخذنا ماله ».
والتاع عقيل ، وراح يقول بألم :
ـ أو سارقا جئت؟
فأجابه رائد العدالة الإسلامية قائلا :
« تسرق من واحد خير من أن تسرق من المسلمين جميعا ».
ولم يجد عقيل منفذا يسلك فيه ، فقد سدّ عليه الإمام جميع النوافذ ، وصيّره أمام العدل الصارم ، الذي لا يستجيب لأي عاطفة ، ولا ينصاع إلاّ إلى الحقّ ، وراح عقيل يقول بحرارة اليأس :
ـ أتأذن لي أن أخرج إلى معاوية؟
« أذنت لك ».
ـ أعنّي على سفري.
فأمر الإمام ولده الزكي الإمام الحسن عليهالسلام بإعطائه أربعمائة درهم نفقة له ، فخرج عقيل وهو يقول :
سيغنيني الّذي أغناك عنّي
ويقضي ديننا ربّ قريب (2)
لقد تجرّد الإمام من جميع المحسوبيات فلم يقم لها أي وزن وأخلص للحقّ والعدل كأعظم ما يكون الإخلاص ، فالقريب والبعيد سواء في ميزانه ... لقد احتاط كأشدّ ما يكون الاحتياط في أموال الدولة ، فلم يؤثر بشيء منها نفسه وأهل بيته ، وحمّل نفسه رهقا وشدّة.
__________________
(١) المناقب، ج 1، ص : 382.
(2) المناقب، ج 1، ص : 379 ، وقريب منه في الصواعق المحرقة، ص : 79.
تعليق