اللهم صل على محمد وآل محمد
هل جرّبتَ يوماً أن تقرأ دعاء "الجوشن الكبير" بطريقة "أهل العشق" وبلغة "أهل الحُب"؟!
فما أجمل التشبّه بهِمَمِ الكبار وتقليد أفعال العِظام، وما ظُلِمَ من شابههُم وما خسِرَ من قلّدهم..
كمُحِبٍ اختلى يوماً بحبيبه، فاستأنس في خلوته، وسعِد بلقائه وفرح بوصاله، فراحَ يُثني على جمالِه، ويصفُ حُسنَه وبهاءَه، ويتغزّل في شمائله ومحاسنه، فمرّة بصباحة وجهه، ومرّة بتألّق عينيه، ومرّة بانسياب شعره، ومرّة بتورّد خدّه...
فإذا انتهى من الثناء على صفاته الظاهرة، ابتدأ بالثناء على أخلاقه الحميدة وأحواله السنيّة ونعوته البهيّة...
ثم يُذكِّرُهُ بتكرار إحسانه إليه، ودوام تفضّله عليه.. رغم عدم استحقاقه لودّه، ولا استيهاله لعطفه...
وكلّما خَطَرَ لَهُ خاطرٌ يُعكّرُ صفوَ تلك الخلوةِ رَدَّهُ، وكلّما هَجَسَتْ له نفسُه بهاجسٍ يُشتّت توجّهه إلى محبوبه صدّها، وكلّما دَخَلَ مِنْ خَارجٍ مَنْ يُزعجه ويُشغله طَرَدَهُ ومَنَعَهُ..
و "دعاءُ الجوشن" قصيدةٌ من مئة بيت، وألفِ وَصْفٍ ونَعتٍ وتغزّلٍ بالمحبوب الأوحد، لا تقدحُ كثرة أبياتها بوحدةِ موضوعها الذي هو "الثناء على المحبوب الأوحد"، ولا تشغلُ كثرة الأوصاف عن "وحدة الموصوف الأجمل".
فمرّة تُسمّيه بأحسن أسمائه، ومرّة تصفه بأجمل أوصافه، ومرّة تنعتُه بأبهى نعوته، ومرّة تشهد بتفرّده في جلاله وعظمته، ومرّة تذكُرُ نعماءَه وآلاءَه، ومرّة تُصرّحُ له بحبّك، ومرّة تفشي له سرّ ودّك...
"ترنيمة عشق" من أروع ما يكون، و "قصيدة غزل" من أفضل ما يُقال...
وكلّما خَطَرَ لكَ ما يُعكّر صفوَ خلوتك، أو هَجَسَ ما يُشتّت شدّة توجّهك، أو دَخَلَ عليك أجنبيٌ يُزعجك ويُشغِلُك...
رَدَدْتَ وصَدَدْتَ وطَرَدْتَ ومَنَعْتَ، مُستغيثاً بمحبوبك، أن يُخلّصك من نارِ "الأغيار"
صارخاً بكلّ وجودك وكيانك:
"سُبْحانَكَ يا لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ" أنزّهك "يا واحدي ويا أحدي" مِنْ أنَ أجمَعَ بينَك وبين الأعدام والخيالات والأوهام في جلسة واحدة وفي محضر واحد!!
"الْغَوْثَ الْغَوْثَ" يا مولاي، فلا قدرة عندي ولا قوّة لي لمواجهة هؤلاء الأغيار الهاتكين لحُرمة هذا الحَرَمِ المُقدّس، فأغثني وأعنّي على ردّهم وصدّهم وطردهم ومنعهم...
"خَلِّصْنا مِنَ النّارِ يا رَبِّ" فالنّارُ يا مولاي هي كلّ "جَنّة" لسْتَ فيها، وهي كلّ مَحضرٍ حضرتُهُ مع غيرك، وكلّ جلسة جلستُها مع سواك...
خلصني من "دُنيا قَدْ تزيَّنَتْ لِي" فأخْفَتْ بزينتها قُبحَهَا وشرّها ونارها وسعيرها...
أأتْرُكُ جنّة مَحْضَرِكَ لأرجِعَ إلى تلكَ النّار وزينتها، وأهوائها وأهوالها، وشهواتها وشرورها؟!
فويلٌ "لبدن" لم يتحمّل طولَ الجلوس في "جنّة الوصل" فتَعِبَ وتكاسَل، يرجو المُسارعة إلى نارِ راحته وخموله!
وويلٌ "لنفس" ملّت وسئمت من مجابهة "الأنوار" فرغبت في التوثّب إلى "الظلمات" ومجالسة الأغيار والأشرار!
وتلك "الروح" الغريبة المظلومة، ما أشوقها إلى البقاء في موطنها، لولا ظُلم إخوتها لها (البدن والنّفس) وإجبارها على تركه، والتيه والتشرّد في صحراء ديارهم.
فخلّصني "يا لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ" من تعب بدني وكسله، ومن ملل نفسي وسأمها..
ومن كلّ نارٍ غير نار حبّك وفنائك ووصلك.
"يا رَبِّ"
جرّب يا عزيزي لمرّة واحدة قراءة "دعاء الجوشن" بهذه الطريقة وبهذا الفهم، وعند كلّ مقطع من مقاطع الإثبات والمدح والثناء فكّر فيما ذكرناه حول "المحبوب"، وفي كلّ مرّة تقول فيها "سُبْحانَكَ يا لا إِلهَ إلاّ أَنْتَ..." اطرد عنك كل خاطرة أو هاجس أو تعب أو ملل أو رغبة بانتهاء "جلسة العشق" هذه...
متوسّلاً مستغيثاً بربّك شاكياً إليه مضطراً مفتقراً: أنْ يُنجيك من تلك النيران، ويُبقيك في محضر قربه، لتجد فرقاً شاسعاً بين هذه القراءة وما سبقها ان شاء الله تعالى ووفق وأذن.
وبهذا يكون "الجوشن" درعاً يقيكَ من كلّ ما سوى الله تعالى، فتأمّل.
---------------------
منقول
تعليق