استفيد أفضلية طلب العلم على العبادة من الأدلة العامة كرواية أبي ذر قال: قال رسول الله (صل الله عليه واله): (يَا أَبَا ذَرٍّ الْجُلُوسُ سَاعَةً عِنْدَ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ قِيَامِ أَلْفِ لَيْلَةٍ يُصَلَّى فِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَلْفُ رَكْعَةٍ وَالْجُلُوسُ سَاعَةً عِنْدَ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ أَلْفِ غَزْوَةٍ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مُذَاكَرَةُ الْعِلْمِ خَيْرٌ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ: يَا أَبَا ذَرٍّ الْجُلُوسُ سَاعَةً عِنْدَ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ اثنَا عَشَرَ أَلْفَ مَرَّةٍ، عَلَيْكُمْ بِمُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ فَإِنَّ بِالْعِلْمِ تَعْرِفُونَ الْحَلالَ مِنَ الْحَرَامِ يَا أَبَا ذَرٍّ الْجُلُوسُ سَاعَةً عِنْدَ مُذَاكَرَةِ الْعِلْمِ خَيْرٌ لَكَ مِنْ عِبَادَةِ سَنَةٍ صِيَامٍ نَهَارُهَا وَقِيَامٍ لَيْلُهَا) ،جامع الأخبار، ص 37. بحار الأنوار، ج 1، ص 203 ، قَالَ رَسُولُ اللهِ: (طَلَبُ العِلمِ أفضَلُ عِندَ اللَّهِ مِنَ الصَّلاةِ والصِّيامِ والحَجِّ والجِهادِ في سَبيلِ اللَّهِ تَعالى) كنز العمال، المتقي الهندي، ج 10، ص 131.
ومع ان اختصاص هذه ليلة القدر بسائر العبادات لن يؤثر على طلب العلم، ومع أن البحث ايهما افضل ( العبادة او مذاكرة العلم) هو بعينه طلب العلم قربة لله. ولا يخفى ان الوجدان المؤيدة بالروايات ذكرت ضرورة احياء ليلة القدر بالعبادة، فلذا من الضروري جعل العبادة منهجا وطريقاً لطلب العلم وتحصيل المعرفة من دون أي تعارض بينهما، وذلك بوجوه عدة، منها :
1- ان يطلب العلم بالتفكر بالعبادة كأن يفكر بالصلاة عن سبب أدائها في هذه الليلة، فقد ورد قال الإمامُ الصّادقُ عليه السلام : تَفَكُّرُ ساعَةٍ خَيرٌ مِن عِبادَةِ سَنَةٍ (إنَّما يَتَذَكَّرُ اُولُوا الأَلبابِ) بحار الأنوار، ج 22، ص 327، ح 71 . . وعن الإمامُ الرِّضا عليه السلام : (ليسَ العِبادَةُ كثرَةَ الصلاةِ والصومِ ، إنّما العِبادَةُ التَّفكُّرُ في أمرِ اللَّهِ ) الكافي: ج2ص55 ، مستدرك الوسائل: ج11ص183 ، وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : (أفضَلُ العِبادَةِ إدمانُ التَّفكُّرِ في اللَّهِ وفي قُدرَتِهِ). الكافي: ج2ص55
2- ان يطلب الإخلاص بالعبادة عند الأداء لكونها سبب في تحصيل العلم والحكمة، فقد ورد عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله أنه قَال : (مَنْ أَخْلَصَ لِلَّهِ أَرْبَعِينَ يَوْماً فَجَّرَ اللَّهُ يَنَابِيعَ الْحِكْمَةِ مِنْ قَلْبِهِ عَلَى لِسَانِهِ) . عدة الداعي: ص218
3- ان يطلب المعرفة عند التوجه الى زيارة الامام الحسين عليه السلام، فقد ورد عن أبي الصّبّاح الكِنانيِّ قال : سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول : (إنَّ إلى جانبكم قبراً ما أتاه مكروبٌ إلاّ نفّس الله كُربته ، وقضى حاجته ، وإنَّ عنده أربعة آلاف ملك منذ [يوم] قبض شُعْثاً غُبراً يبكونه إلى يوم القيامة ، فمن زارَه شيّعوه إلى مأمنه ، ومَن مرض عادوه ، ومَن اتّبعوا جنازته). كتاب كامل الزيارات، ص184.
4- ان يطلب التقوى بالعبادة عند قراءة القران المستلزم الى زيادة العلم، قال تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ سورة البقرة، الآية: 282.
5- ان يطلب بالعبادة الايمان بان يهديه الله الى البصيرة في دينه، قال تعالى: ﴿فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى﴾، سورة الكهف: 13 وقال تعالى: ﴿وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ، سورة التغابن، الآية 11.
6- ان يطلب بالعبادة التوفيق في تحصيل الى اهل العلم والمعرفة، فقد ورد عن امير المؤمنين عليه السلام قال: (مَن مَشى في طَلَبِ العِلمِ خُطوَتَينِ ، وجَلَسَ عِندَ العالِمِ ساعَتَينِ ، وسَمِعَ مِنَ المُعَلِّمِ كَلِمَتَينِ ، أوجَبَ اللهُ لَهُ جَنَّتَينِ ؛ كَما قالَ اللهُ تعالى: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ جَنَّتَانِ)، ارشاد القلوب: ج1ص195، وورد قال لقمان لابنه: (يا بُنيَّ ، جالِسِ العُلَماءَ وزاحِمْهُم برُكْبَتَيْكَ ، فإنّ اللَّهَ عزّ وجلّ يُحْيي القُلوبَ بنُورِ الحِكمَةِ كما يُحْيي الأرضَ بِوابِلِ السّماءِ) بحار الأنوار، ج 22، ص 204، ح 1.
7- ان يطلب بالعبادة العلم وتثبت النفس عند إعطاء الصدقات ، قال تعالى: ﴿ وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ سورة البقرة، الآية: 265.
قيل : هو التثبت اي يتثبتون أين يضعون أموالهم ، وقيل : هو التثبت في الانفاق فإن كان لله امضى ، وان كان خالطه شيء من الرياء أمسك.. راجع تفسير الميزان، ج2، ص391.
8- ان يطلب بالعبادة معرفة طرق جهاد النفس والاستعداد للموت قبل الفوت، قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ ، سورة العنكبوت، الآية: 69.
9- ان تكون الغاية من العبادة هو الزهد في الدنيا فيرزقه الله علما بغير تعلم، فعن الإمامُ عليٌّ عليه السلام : مَن زَهِدَ في الدنيا ، ولم يَجزَعْ مِن ذُلِّها ، ولَم يُنافِسْ في عِزِّها ، هَداهُ اللَّهُ بغَيرِ هِدايَةٍ مِن مَخلوقٍ ، وعَلَّمَهُ بغَيرِ تَعلِيمٍ ، وأثبَتَ الحِكمَةَ في صَدرِهِ وأجراها على لِسانِهِ) بحار الأنوار، ج 77، ص 88.
الى غير ذلك من الجمع بين الروايات.
وربما نغتر بما قاله البعض بتفسير الأفضلية لما اعتاد عليه لكونه اسهل عليهم بتواصل مع الاخرين مع الغفلة عن الله، بل ربما بعض هؤلاء مفتونين في الدنيا، واقل ما يفعل الله بهم ان يسلبهم مناجاته فحذر ان تكون احدهم، عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمُ اَلْعَالِمَ مُحِبّاً لِدُنْيَاهُ فَاتَّهِمُوهُ عَلَى دِينِكُمْ فَإِنَّ كُلَّ مُحِبٍّ لِشَيْءٍ يَحُوطُ مَا أَحَبَّ وَقَالَ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ أَوْحَى اَللَّهُ إِلَى دَاوُدَ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ لاَ تَجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ عَالِماً مَفْتُوناً بِالدُّنْيَا فَيَصُدَّكَ عَنْ طَرِيقِ مَحَبَّتِي فَإِنَّ أُولَئِكَ قُطَّاعُ طَرِيقِ عِبَادِيَ اَلْمُرِيدِينَ إِنَّ أَدْنَى مَا أَنَا صَانِعٌ بِهِمْ أَنْ أَنْزِعَ حَلاَوَةَ مُنَاجَاتِي عَنْ قُلُوبِهِمْ) الکافي، ج1، ص46 .
ومع ذلك كل نفهم من بعض الروايات ان نفس طلب العلم يعّد نوع من أنواع العبادة واشرفها اذا ما اخلص العبد في تعلم العلم وتعليمه لكون العلم حياة القلوب ونور الابصار. فعَنِ اَلْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ قَالَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلاَمُ : (تَعَلَّمُوا اَلْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ وَاَلْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ وَتَعْلِيمَهُ لِمَنْ لاَ يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ وَهُوَ عِنْدَ اَللَّهِ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ اَلْحَلاَلِ وَاَلْحَرَامِ وَسَالِكٌ بِطَالِبِهِ سَبِيلَ اَلْجَنَّةِ وَهُوَ أَنِيسٌ فِي اَلْوَحْشَةِ وَصَاحِبٌ فِي اَلْوَحْدَةِ وَسِلاَحٌ عَلَى اَلْأَعْدَاءِ وَزَيْنُ اَلْأَخِلاَّءِ يَرْفَعُ اَللَّهُ بِهِ أَقْوَاماً يَجْعَلُهُمْ فِي اَلْخَيْرِ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ تُرْمَقُ أَعْمَالُهُمْ وَتُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ - وَتَرْغَبُ اَلْمَلاَئِكَةُ فِي خَلَّتِهِمْ يَمْسَحُونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ فِي صَلاَتِهِمْ لِأَنَّ اَلْعِلْمَ حَيَاةُ اَلْقُلُوبِ وَنُورُ اَلْأَبْصَارِ مِنَ اَلْعَمَى وَقُوَّةُ اَلْأَبْدَانِ مِنَ اَلضَّعْفِ يَنْزِلُ اَللَّهُ حَامِلَهُ مَنَازِلَ اَلْأَبْرَارِ وَ يَمْنَحُهُ مُجَالَسَةَ اَلْأَخْيَارِ فِي اَلدُّنْيَا وَاَلْآخِرَةِ بِالْعِلْمِ يُطَاعُ اَللَّهُ وَيُعْبَدُ وَبِالْعِلْمِ يُعْرَفُ اَللَّهُ وَيُوَحَّدُ بِالْعِلْمِ تُوصَلُ اَلْأَرْحَامُ وَبِهِ يُعْرَفُ اَلْحَلاَلُ وَاَلْحَرَامُ وَاَلْعِلْمُ إِمَامُ اَلْعَقْلِ وَاَلْعَقْلُ تَابِعُهُ يُلْهِمُهُ اَللَّهُ اَلسُّعَدَاءَ وَيَحْرِمُهُ اَلْأَشْقِيَاءَ) الأمالي (للصدوق)، ج1، ص615.
وعَنِ اَلصَّادِقِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ أَنَّهُ قَالَ: (أَفْضَلُ اَلْعِبَادَةِ اَلْعِلْمُ بِاللَّهِ وَ اَلتَّوَاضُعُ لَهُ). مستدرك الوسائل، ج11، ص300.
تعليق