المرويَّ أنّ أفضلَ أطبّاءِ الكوفةِ بعدَ أن فحصَ الإمامَ (عليه السلام) أخبرَه بأنّ الضّربةَ قد وصلَت إلى الدّماغِ ، وطلبَ منهُ الوصيّةَ ، روى أبو الفرجِ بسندِه عَن عُمرَ بنِ تميمٍ وعمرو بنِ أبي بكّارٍ: أنَّ عليّاً لمّا ضُربَ جُمعَ لهُ أطبّاءُ الكوفةِ فلم يكُن منهُم أحدٌ أعلمُ بجرحِه مِن أثيرٍ بنِ عمرو بنِ هاني السّكونيّ ، وكانَ مُتطبّباً صاحبَ كرسيٍّ يعالجُ الجراحاتِ ، وكانَ منَ الأربعينَ غلاماً الذينَ كانَ خالدٌ بنُ الوليدِ أصابَهم في عينِ التّمرِ فسباهُم ، وإنَّ أثيراً لمّا نظرَ إلى جرحِ أميرِ المؤمنينَ - عليهِ السّلام - دعا برئةِ شاةٍ حارّةٍ وإستخرجَ عِرقاً منها ، فأدخله في الجرحِ ثمَّ إستخرجَه فإذا عليهِ بياضُ الدّماغِ فقالَ لهُ . يا أميرَ المؤمنينَ أعهَد عهدَك فإنَّ عدوَّ اللهِ قَد وصلَت ضربتُه إلى أمِّ رأسِك فدعا عليٌّ عندَ ذلكَ بصحيفةٍ ودواةٍ وكتبَ وصيّتَه : ... (مقاتلُ الطّالبيّينَ ص23) . ولكنَّ هذا النّصَّ لا يمنعُ مِن وجودِ أطبّاءَ قَد فحصوا الإمامَ (عليه السلام) قبلَ هذا الطبيبِ ، بل ربّما يدلُّ على ذلكَ ما وردَ فيه : فلم يكُن أحدٌ أعلمُ بجرحِه مِن أثيرٍ بنِ عمرو الذي يُستظهرُ منهُ وجودُ أطبّاءَ قد فحصُوا أميرَ المؤمنينَ (عليه السلام) قبلَ هذا الطّبيبِ ، ولعلّهم أوصوهُ بشربِ اللّبنِ ، أو كانَ اللّبنُ مشهوراً لعلاجِ السّمِّ ، أو لاِستطبابِ الجروحِ ، ولِذا وردَ في نصٍّ أنّهم لمّا أرجعوا أميرَ المؤمنينَ (عليه السلام) إلى بيتِه سقوهُ لبناً ، فقد رويَ عَن لوط بنِ يحيى عَن أشياخِه : ثمَّ أغميَ عليهِ ساعةً طويلةً وأفاقَ ، وكذلكَ كانَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآلِه يُغمى عليهِ ساعةً طويلةً ويفيقُ أخرى ، لأنّه صلّى اللهُ عليهِ وآله كانَ مسموماً ، فلمّا أفاقَ ناولَه الحسنُ عليهِ السّلام قعباً مِن لبنٍ ، فشربَ منهُ قليلاً ثمَّ نحّاهُ عَن فيهِ وقالَ : إحملوهُ إلى أسيرِكم ، ثمَّ قالَ للحسنِ عليهِ السّلام : (بحقّي عليكَ يا بُني إلّا ما طيّبتُم مطعمَه ومشربَه ، وارفقوا بهِ إلى حينِ موتي ، وتطعمُه ممّا تأكلُ وتسقيهِ ممّا تشربُ حتّى تكونَ أكرمَ منهُ ، فعندَ ذلكَ حملوا إليهِ اللّبنَ)وأخبروهُ بما قالَ أميرُ المؤمنينَ عليهِ السّلام في حقِّه ، فأخذَ اللّعينُ وشربَه.
(بحارُ الأنوارِ، ج 42 ، ص 289)
(بحارُ الأنوارِ، ج 42 ، ص 289)
تعليق