بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نص دعاء اليوم الحادي والعشرون: (اَللّهُمَّ اجْعَلْ لي فيهِ اِلى مَرْضاتِكَ دَليلاً، وَلا تَجْعَلْ لِلشَّيْطانِ فيهِ عَلَيّ سَبيلاً، وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ لي مَنْزِلاً وَمَقيلاً، يا قاضِىيَ حَوآئِجِ الطَّالِبينَ)[١].
الوصول إلى مرضات الله سبحانه
إن المؤمن في هذا اليوم يطلب من ربه أن يجعل له سبيلا إلى مرضاته في جميع أفعاله. فمعرفة الحلال والحرام يراجع المؤمن فتاوى مقلده، ولا شأن له بعد ذلك إن كان الحكم مطابقا للواقع أو مخالفا لهم؛ فالعهدة على المجتهد وهو يحاسب على اجتهاده؛ فيثاب إن كان دقيقا، ويتحمل الوزر والعقاب إن لم يتوخى الدقة في استنباطه.
ولكن تكمن المشكلة في الموضوعات التي لا رأي للفقيه فيها؛ فكثيرا ما يواجه المؤمن في حياته أمورا تجعله بين مفترق طرق يتحير في اختيار وجه الصواب فيها. من قبيل اختيار الصديق المناسب أو الدخول في العمل التجاري الراجح أو السفر إلى مكان أو الزواج من الشخص المناسب أو الحيرة في قطع العلاقة مع فلان أو الاستمرار فيها، وهي كلها أمور لم يصدر فيها حكم شرعي يرجع المؤمن إليه. ولأجل ذلك قد يقوم المؤمن بأمور ليست حراما ولكنها أمور غير راجحة؛ كأن يدخل في صداقة لفترة طويلة ثم يتبين له في نهاية المطاف عدم استحقاق ذلك الشخص لهذه الفترة الطويلة من المعاشرة وبذل الثمين من الوقت، وقد يصل بالإنسان أن يتبرأ من بعض الأصدقاء يوم القيامة وذلك قوله سبحانه: (يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا)[٢]. وقد يقول قائل: أن الأمر ما دام حلالا أفعله وهو غافل عن أن الأمر قد يكون حلالا ولكن يشغله عن الأهم من أمور حياته.
النور الإلهي
فمن المناسب أن يسأل الله عزوجل أن يجعل له إلى مرضاته سبيلا، ويلهمه أفضل السبل إلى ذلك، وهذا هو المسمى بالنور الإلهي. وليس هو مما يعطى لكل أحد كالرسالة العملية المتاحة في المكتبات، وبإمكان الجميع أن يشتري بدراهم معدودة رسالة عملية في الواجبات وفي العبادات والمعاملات ويرتاح من مسألة الحلال والحرام. ولكن أنى له الحصول على النور الذي قال عنه تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ)[٣]. إن هذا النور لا يشترى ولا يوجد في بطون الكتب؛ وإنما هو نور يعطيه الله عزوجل لمن يشاء، وذلك قوله تعالى: (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ)[٤]. ولكن كيف يشاء، ومتى يشاء، ولمن يشاء؟ هذا ما لا نعلمه..! ولكننا نعلم أن الدعاء والتوسل إلى الله عزوجل نعم السبيل لامتلاك هذا النور.
وأما قوله: (وَلا تَجْعَلْ لِلشَّيْطانِ فيهِ عَلَيّ سَبيلاً)؛ فقد ورد عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (لاَ تُعَوِّدُوا اَلْخَبِيثَ)[٥] فإن الشيطان خبيث يأتي الإنسان المرة والمرتين، فإن طرده ذهب ويئس؛ وإن عوده اعتاد وتسلط عليه. وقد ييأس الشيطان من التعرض للإنسان في جانب معين كتغيير عقيدته أو تحويل حبه لأهل البيت (عليه السلام) إلى بغض وعداء أو إيقاعه في الربا والسرقة ولكنه يبحث عن مواطن الضعف في الإنسان فيلج عليه منها ويكفي الشيطان بابا واحدا للولوج والتسلط؛ كأن يدخل عليه من باب النساء عندما يكون ضعيفا أمامهن وإن كان في غير ذلك قويا لا يتمكن الشيطان منه.
من أساليب الشيطان
وحال الشيطان لا يختلف عن العدو الخارجي الذي تكفيه ثغرة واحدة للنفوذ والاستيلاء على الخصم وتصرف أراضيه؛ فهو يبحث عن معصية واحدة لينفذ من خلالها ولا ينتظر من المؤمن أن يرتكب جميع المعاصي وهذا شيء لا يقوم به إلا النوادر من الفسقة المحترفين الذين لا يتورعون عن ارتكاب جميع المعاصي.
ولا شك أن القلب الذي يحتله الشيطان لا يكون محلا للنور الذي ذكرنا آنفا، ولا ينظر الله عز وجل لقلب تحول إلى مسكن للشيطان. ولذلك ينبغي الاستغفار بصورة دائمة متواصلة لكيلا نجعل للشيطان سبيل على أنفسنا.
وقد يصل الأمر بالإنسان من جراء تراكم المعاصي أن تنحرف عقيدته ويسلب منه نور الإيمان ويدخل في مصاف المستهزئين بآيات الله عز وجل، وذلك قوله سبحانه: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَىٰ أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ)[٦].
[١] زاد المعاد، ج1، ص143.
[٢] سورة الفرقان، الآية: 28.
[٣] سورة النور، الآية: 40.
[٤] سورة النور، الآية: 35.
[٥] بحار الأنوار، ج85، ص238.
[٦] سورة الروم، الآية: 10.