اللهم صل على محمد وآل محمد
يرسم لنا القرآن الكريم الإطار والطريق العمليّ لبلوغ الهدف وهو التفكّر والتدبّر في أعظم آيتين لله تعالى في هذا الوجود وهما؛ الآفاق والنفس الإنسانيّة:
﴿سَنُريهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهيد﴾ (فصلت: 53).
فمعرفة النفس هي طريق لمعرفة أنّه الله والحقّ الذي لا إله ولا حقّ سواه في هذا العالم.
والمراد بمعرفة النفس هو معرفة حقيقتها وجوهرها. فعندما ينظر الإنسان إلى نفسه بعين الصدق والإنصاف، لن يجد فيها غير النقص وكذلك التوق الشديد نحو الكمال ...
قال عزّ اسمه في كتابه الكريم: ﴿يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَميد﴾ (فاطر: 15) .
وهذه الحقيقة هي نفسها التي حكاها القرآن الكريم على لسان الكليم موسى عليه السلام عندما قال: ﴿رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقير﴾ (القصص: 24).
من هنا، من عرف نفسه بِذلِّها وعجْزِها وفقْرِها، عرف الله بعزّه وقدرته وغناه، ليتوجّه قلبه وكلّ وجوده إليه بالطاعة والعبوديّة له، لعلّه يحظى من فيضه المقدّس بجذوة تنير له دربه وسبيله نحو لقاء محبوبه الحقيقيّ والأوحد.
لذا، عدّ الإمام عليّ عليه السلام "معرفة النفس أنفع المعارف"(1).
وأهمّ صفة في العارف الحقيقيّ، فقال عليه السلام :
"العارف من عرف نفسه فأعتقها، ونزّهها عن كلّ ما يبعدها"(2)؛ أي نزّهها عن أسر الأهواء والشهوات، وعن كلّ ما يبعدها عن الله تعالى.
------------------------------
1.غرر الحكم ودرر الكلم، ص 712.
2.المصدر نفسه، ص 96.
تعليق