السيد صباح الصافي
الكفيل 909 شهر رمضان / 1444هـ - 23 / 3 / 2023م
روي عن الإمام علي (عليه السلام) أنه قال: «وَاعْلَمْ، أَنَّ أَمَامَكَ طَرِيقاً ذَا مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ...»[1].
حينما يريد أن يسافر الإنسان في الحياة الدنيا إلى بقعة من بقاع الأرض يحتاج أن يهيئ زاده وأمتعته وما يحتاجه في ذلك السفر، وخاصة هوية وجوده وانتمائه، ثمَّ إنَّه يحاول أن يصطحب معه أجود وأفضل ما يعينه في ذلك السفر، وأن يجتنب من حمل ما يثقله ويعرقل حركته في تلك الرحلة، ومع كلِّ ذلك لا يخلو سفره من تعب ونصب وجهد وفراق للأحبة.
ولكن مع ذلك، فإنَّ طريق الدنيا مهما كان طويلاً وشاقاً ومتعباً؛ لكنه بالمقارنة إلى سفرة الآخرة فإنَّها يسيرة وممتعة؛ فالسفر إلى الآخرة يحتاج إلى أمتعة وزاد من نوع آخر، وإذا كان سفر الدنيا يمر بمطبات وعراقيل؛ فإنَّ سفر الآخرة مليءٌ بالعقبات والامتحانات والضعف تارة، والقوّة تارة أخرى، ويحتاج إلى مقدمات، أهمها: حبس النفس على طاعة الله تعالى وتهذيبها وتركيزها على الزاد الأمثل والأفضل.
لقد وصف أمير المؤمنين (عليه السلام) الطريق الموصل إلى الجنَّة بأنَّه بعيد المسافة، وهذا بدوره يساهم في طول مدَّة السفر، والمدَّة مرتبطة بظروف صعبة وشاقة؛ فطريق الآخرة فيه أتعاب ومزالق وشبهات تضل فيها النفوس والعقول؛ فتطيع الهوى وتتمرد على سيدها الذي خلقها، ويمكن أن تصل النفس إلى أن تصبح عبداً للهوى والشهوة، وتتكبر على عبادة ربِّها تعالى؛ فالطريق إلى الجنَّة مليء بالمكاره، ويتطلب العزم والحزم وعدم الاهتمام بآراء الناس، ما دام يسير في خط الله تعالى.
هو بحاجة إلى علم ومعرفة فيما يخرج من خط التكليف؛ والأهم من ذلك يتطلب عقيدة سليمة بها أقدم أعمالي، وبدونها لا قيمة لأي عمل.
ومن نعم الله تعالى علينا أن عرّفنا -عن طريق الثقلين- هذا السفر، وما فيه من مطبَّات ومنعطفات، وأننا خُلقنا لعالم غير عالمنا، وما نعيشه اليوم من عالم هو وسيلة وليس غاية، إنه جسر وليس مقراً، إنه مزرعة الآخرة. [1] -(نهج البلاغة: الكتاب 31)
تعليق