في وداع شهر رمضان.. القدرة على التغيير
ونحن على اعتاب وداع الشهر الفضيل، ربما نسأل أنفسنا عن مقدار الفائدة التي حصلنا عليها وتأثيرها على المستوى المادي والمعنوي؟
وهل يمكن القول ان هذا الشهر قد غير فينا العادات السلبية او بعضها بأخرى ايجابية؟ واذا كان هذا التغيير قد حصل فهل هو تغيير بمستوى الطموح او اقل من ذلك؟
لربما يود الكثير منا ان يطور من حياته الشخصية ومهاراته النفسية والجسدية ليصبح ذلك الشخص المثالي والمتصالح مع نفسه والاخرين، ورغم صعوبات الحياة الكثيرة، ومشاقها اليومية، فالكثيرين قد وصلوا بالفعل الى هذه الحالة التي نجحوا معها في نفض غبار الزمن وتراكمات الحياة القاسية وتحدياتها، ومع الوصول هناك الكثير من الاسرار التي تخفى على الكثيرين، والاهم من ذلك هو كيفية الحفاظ على ما وصلوا اليه وتطويره لمنع العودة والتراجع الى الوراء.
ما يحتاجه الانسان هو "الفرصة" ليحقق ما يصبوا اليه من نجاح، اذا ما توفرت الظروف المناسبة لذلك، وبالتالي يمكن ان يكون شهر رمضان هو الفرصة التي يبحث عنها الانسان للتغير، الفرصة التي يمكن ان تحقق نقله نوعية في سلوك وحياة واسلوب وطريقة تفكير الشخص.
وقد أشار المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي الى اهمية هذا التغيير بقوله: "والإنسان بحاجة في كل عام إلى وقفة مع نفسه ومع الحياة، لأن غبار الحياة قد يتراكم على قلبه فيجرده عن رؤية الحقيقة، وتحول بينه وبين طريق التقدم، فلابد من غربلة تمهد الطريق إلى الدخول في شهر رمضان، لابد من نقض لما علق بالإنسان من غبار الجهل واليأس والتخلف، والأخذ بشآبيب الأمل والتقدم للمضي في طريق راسخ نحو تجديد الحياة الفردية ليكون هذا التجديد هو السبيل لتقدم حياة الجماعة نحو الأمام".
فاذا استطاع الانسان فعل ذلك سيتحرك نحو التغيير ونفض الغبار الذي تراكم على القلب لسنوات طويلة، سيكون قادراً على ان يكون شخصاً مختلفاً بصورة مذهلة: "فعلى المؤمن أن يصمم في هذا الشهر مع نفسه أن يكون أفضل مما كان عليه"، ولهذا الشهر تأثير غير اعتيادي في افعال واقوال الانسان بصورة ايجابية، وله القدرة على تطوير الذات وسمو النفس وعلو الهمة وتربية الانسان على السلوك الحسن وان يكون جزء من منظومة انسانية صالحة، وعن خصوصية هذا الشهر يقول السيد الشيرازي (رحمه الله): "وكل جسم ساكن إذا مسه نسيم هذا الشهر يأخذ بالحركة، فالكثير يخرجون للتبليغ في هذا الشهر المبارك، والكثير يعملون في الليل والنهار خدمة للدين والناس، وإذا ما حاولنا أن نحصي انتاج بعض الأفراد لوجدنا انهم ينتجون بقدر نتاجهم في عام كامل".
عندما يعود الانسان الى نفسه، سيجد ان بوادر التغيير والاصلاح في هذا النفس، التي اعتادت على الخطأ والجمود والركون الى السكون في الماضي، قد بدأت جذوة الحق تنير طريقها من جديد، ليعيد الانسان، مع الارادة والعزم على التغير نحو الافضل، تشكيل نفسه مرة اخرى، ويحقق التقدم نحو الامام بعد ان عجز عن فعل ذلك في السابق رغم تكرار المحاولات: "في شهر رمضان تترجم الأفكار إلى وقائع، وتتحول الحروف إلى حركة والكلمة إلى حياة، يتحول الإنسان إلى أمة كـ إبراهيم (عليه السلام) حيث كان أمة قانتا لله، فشهر رمضان شهر الحركة والبركة".
1. ان البرنامج الرمضاني المكثف والدقيق، هو برنامج اللهي متكامل لتأهيل الانسان واصلاحه وازاحة الرين والصدأ الذي اكتسبه خلال تعاملاته المادية السابقة، حيث يعطي فرصة جديدة للإنسان ليكون قادراً على خلق التوازن المطلوب بين الحاجات النفسية والمادية.
2. ينعم الانسان بالراحة النفسية والهدوء والتصالح مع الذات، وقد كشفت العديد من الدراسات الطبية والنفسية ان الصيام يساعد الانسان على التخلص من حالات الاكتئاب والغضب والانفعال، نتيجة لضغوطات الحياة اليومية الشديدة، يقول الإمام الشيرازي عن شهر رمضان بأنه "بلسم يبعث الارتياح والطمأنينة في النفوس المعذبة والقلوب المنكسرة والأجساد المنهكة، إنه ضماد لجراحات القلب والجسد، يخفف عنها عناء الحياة ومشاق العمل والكد".
3. التحلي بالصفات الحميدة والاخلاق الحسنة، فالصبر والتعاون والشكر والتسامح والعفو وصون اللسان والامتناع عن الغش والفساد وتعظيم فعل الخير والابتعاد عن الشر، كلها صفات واعمال يدفع هذا الشهر الفضيل الانسان على الاتيان بها.
4. التحول من الجانب النظري الى الجانب العملي، هو من اهم ميزات هذا الشهر الكريم، وهو الدافع الرئيس نحو التأثير الذي يمارسه في نفوس وضمائر الصائمين، اذ ان جميع ما يقوم به الصائم في هذا الشهر من اعمال واقوال تنطوي على جنبة واقعية، كالامتناع عن الطعام والشراب الى جانب الامتناع عن القيام بالأفعال المحرمة وهكذا.
5. التجديد في الحركة التي يخلقها لدى الانسان بعد ان اعتاد على الروتين، وتكرار ذات الاعمال بصورة يومية، وعنها يقول الامام الشيرازي: "شهر رمضان، شهر جديد من بين بقية الشهور لأنه يمتاز عنها بأشياء كثيرة، فهو شهر يريد للمؤمن أن يكون جديداً في كل أيامه".
والخلاصة ان الفرصة لدى الانسان في ان يولد من جديد قائمة ما دام هذا الشهر الفضيل قائم، ولا يعني هذا ان التغيير والاصلاح لا يتم الا في شهر رمضان حصراً، لكن لما يتمتع به من خصوصيات ميزته عن باقي الشهور، جعلت من التحول بصورته المادية والمعنوية لدى الانسان امراً اكثر واقعية وحدوثاً، اضف الى ذلك، ان الاثار التربوية لشهر رمضان هي من ابرز الثمار التي يجنيها الصائم خلال صيامه، حيث يتربى الانسان على السلوك الحسن والاخلاق الحميدة، ويتجنب الرذائل والفواحش والسلوك السيء، وبذلك يساعد شهر رمضان الانسان على تغيير سلوكه نحو الاحسن.
* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
ونحن على اعتاب وداع الشهر الفضيل، ربما نسأل أنفسنا عن مقدار الفائدة التي حصلنا عليها وتأثيرها على المستوى المادي والمعنوي؟
وهل يمكن القول ان هذا الشهر قد غير فينا العادات السلبية او بعضها بأخرى ايجابية؟ واذا كان هذا التغيير قد حصل فهل هو تغيير بمستوى الطموح او اقل من ذلك؟
لربما يود الكثير منا ان يطور من حياته الشخصية ومهاراته النفسية والجسدية ليصبح ذلك الشخص المثالي والمتصالح مع نفسه والاخرين، ورغم صعوبات الحياة الكثيرة، ومشاقها اليومية، فالكثيرين قد وصلوا بالفعل الى هذه الحالة التي نجحوا معها في نفض غبار الزمن وتراكمات الحياة القاسية وتحدياتها، ومع الوصول هناك الكثير من الاسرار التي تخفى على الكثيرين، والاهم من ذلك هو كيفية الحفاظ على ما وصلوا اليه وتطويره لمنع العودة والتراجع الى الوراء.
ما يحتاجه الانسان هو "الفرصة" ليحقق ما يصبوا اليه من نجاح، اذا ما توفرت الظروف المناسبة لذلك، وبالتالي يمكن ان يكون شهر رمضان هو الفرصة التي يبحث عنها الانسان للتغير، الفرصة التي يمكن ان تحقق نقله نوعية في سلوك وحياة واسلوب وطريقة تفكير الشخص.
وقد أشار المرجع الراحل الامام السيد محمد الشيرازي الى اهمية هذا التغيير بقوله: "والإنسان بحاجة في كل عام إلى وقفة مع نفسه ومع الحياة، لأن غبار الحياة قد يتراكم على قلبه فيجرده عن رؤية الحقيقة، وتحول بينه وبين طريق التقدم، فلابد من غربلة تمهد الطريق إلى الدخول في شهر رمضان، لابد من نقض لما علق بالإنسان من غبار الجهل واليأس والتخلف، والأخذ بشآبيب الأمل والتقدم للمضي في طريق راسخ نحو تجديد الحياة الفردية ليكون هذا التجديد هو السبيل لتقدم حياة الجماعة نحو الأمام".
فاذا استطاع الانسان فعل ذلك سيتحرك نحو التغيير ونفض الغبار الذي تراكم على القلب لسنوات طويلة، سيكون قادراً على ان يكون شخصاً مختلفاً بصورة مذهلة: "فعلى المؤمن أن يصمم في هذا الشهر مع نفسه أن يكون أفضل مما كان عليه"، ولهذا الشهر تأثير غير اعتيادي في افعال واقوال الانسان بصورة ايجابية، وله القدرة على تطوير الذات وسمو النفس وعلو الهمة وتربية الانسان على السلوك الحسن وان يكون جزء من منظومة انسانية صالحة، وعن خصوصية هذا الشهر يقول السيد الشيرازي (رحمه الله): "وكل جسم ساكن إذا مسه نسيم هذا الشهر يأخذ بالحركة، فالكثير يخرجون للتبليغ في هذا الشهر المبارك، والكثير يعملون في الليل والنهار خدمة للدين والناس، وإذا ما حاولنا أن نحصي انتاج بعض الأفراد لوجدنا انهم ينتجون بقدر نتاجهم في عام كامل".
عندما يعود الانسان الى نفسه، سيجد ان بوادر التغيير والاصلاح في هذا النفس، التي اعتادت على الخطأ والجمود والركون الى السكون في الماضي، قد بدأت جذوة الحق تنير طريقها من جديد، ليعيد الانسان، مع الارادة والعزم على التغير نحو الافضل، تشكيل نفسه مرة اخرى، ويحقق التقدم نحو الامام بعد ان عجز عن فعل ذلك في السابق رغم تكرار المحاولات: "في شهر رمضان تترجم الأفكار إلى وقائع، وتتحول الحروف إلى حركة والكلمة إلى حياة، يتحول الإنسان إلى أمة كـ إبراهيم (عليه السلام) حيث كان أمة قانتا لله، فشهر رمضان شهر الحركة والبركة".
1. ان البرنامج الرمضاني المكثف والدقيق، هو برنامج اللهي متكامل لتأهيل الانسان واصلاحه وازاحة الرين والصدأ الذي اكتسبه خلال تعاملاته المادية السابقة، حيث يعطي فرصة جديدة للإنسان ليكون قادراً على خلق التوازن المطلوب بين الحاجات النفسية والمادية.
2. ينعم الانسان بالراحة النفسية والهدوء والتصالح مع الذات، وقد كشفت العديد من الدراسات الطبية والنفسية ان الصيام يساعد الانسان على التخلص من حالات الاكتئاب والغضب والانفعال، نتيجة لضغوطات الحياة اليومية الشديدة، يقول الإمام الشيرازي عن شهر رمضان بأنه "بلسم يبعث الارتياح والطمأنينة في النفوس المعذبة والقلوب المنكسرة والأجساد المنهكة، إنه ضماد لجراحات القلب والجسد، يخفف عنها عناء الحياة ومشاق العمل والكد".
3. التحلي بالصفات الحميدة والاخلاق الحسنة، فالصبر والتعاون والشكر والتسامح والعفو وصون اللسان والامتناع عن الغش والفساد وتعظيم فعل الخير والابتعاد عن الشر، كلها صفات واعمال يدفع هذا الشهر الفضيل الانسان على الاتيان بها.
4. التحول من الجانب النظري الى الجانب العملي، هو من اهم ميزات هذا الشهر الكريم، وهو الدافع الرئيس نحو التأثير الذي يمارسه في نفوس وضمائر الصائمين، اذ ان جميع ما يقوم به الصائم في هذا الشهر من اعمال واقوال تنطوي على جنبة واقعية، كالامتناع عن الطعام والشراب الى جانب الامتناع عن القيام بالأفعال المحرمة وهكذا.
5. التجديد في الحركة التي يخلقها لدى الانسان بعد ان اعتاد على الروتين، وتكرار ذات الاعمال بصورة يومية، وعنها يقول الامام الشيرازي: "شهر رمضان، شهر جديد من بين بقية الشهور لأنه يمتاز عنها بأشياء كثيرة، فهو شهر يريد للمؤمن أن يكون جديداً في كل أيامه".
والخلاصة ان الفرصة لدى الانسان في ان يولد من جديد قائمة ما دام هذا الشهر الفضيل قائم، ولا يعني هذا ان التغيير والاصلاح لا يتم الا في شهر رمضان حصراً، لكن لما يتمتع به من خصوصيات ميزته عن باقي الشهور، جعلت من التحول بصورته المادية والمعنوية لدى الانسان امراً اكثر واقعية وحدوثاً، اضف الى ذلك، ان الاثار التربوية لشهر رمضان هي من ابرز الثمار التي يجنيها الصائم خلال صيامه، حيث يتربى الانسان على السلوك الحسن والاخلاق الحميدة، ويتجنب الرذائل والفواحش والسلوك السيء، وبذلك يساعد شهر رمضان الانسان على تغيير سلوكه نحو الاحسن.
* باحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث
تعليق