بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدينَ عَلَى القاعِدينَ أَجرًا عَظيمًا﴾[1] .
شغلت قضية - الرزق وما زالت - اهتمامات الناس، وهيمنت بصورة لا مثيل لها على تفكيرهم وتوجّهاتهم وتحديد خياراتهم في هذا الحياة. وبالنظر لما لهذه القضية من تأثير على مصير الإنسان، وبالنظر إلى أنّها تُعدّ من ظواهر الحياة الكبرى، فإنّ طرحها ومناقشتها في الأبحاث العقائدية يُعدّ مسألة ضرورية. وصحيح أنّ لهذه القضية أبعاداً مهمّة على صعيد السلوك الأخلاقي، إلّا أنّها في الواقع قضية ترتبط بصورة أساسية بنظرة الإنسان واعتقاده بالله تعالى.
إنّ الأبحاث العقائدية هي التي تدور حول معرفة الله تعالى وصفاته وشؤونه، ومنها تتفرّع كلّ القضايا الأخرى. ففهمنا للحياة والمجتمع والعالم والمصير، كلّ هذا ينبع من نظرتنا وفهمنا لقضيّة الألوهية وقضية حضور الله تعالى في الحياة وتدبيره للعالم والأمور.
قد يخطر في الذهن أنّه ما دمنا موحّدين، ونعتقد أنّ الله هو الخالق الرزاق، وما دام قرآننا السماوي الكريم يقول صراحة: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[2]، ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾[3]، وإنّه مادام البقاء في الحياة، وإنّ ذلك يشمل حقوق الناس، كلّ الحقوق، فإنّه لا لزوم للتفكير في مسائل تتعلّق بأرزاق الناس ونصيبهم ممّا هو بعهدة الله تعالى، بل قد يرى بعضهم أنّه لا يحقّ لنا أن نفكّر في ذلك، على اعتبار أنّه نوع من التدخل في شؤون الله ويتنافى مع أحد أصول الدين، وهو التوحيد، فأعمال الله لله، وما علينا إلا أن نتوكّل عليه وعلى رزاقيته. إنّ عمل الله هو خلق الرزق وايصاله.
في الردّ على هذا الكلام نقول: إنّنا إذا عرفنا الله كما يليق بقدسيته وكبريائه، وأدركنا بمقدار قدرتنا أسماءه الحسنى وصفاته العلى، لا أن نصفه مثلما نصف مخلوقًا عاجزًا من أمثالنا، عندئذٍ نفهم أنّ رزاقيته وتكفّله بأرزاق الناس لا يتنافى مع واجبنا في التفكير في حقوقنا وواجباتنا وفي العدالة ومقتضياتها. ولا يمنع هذا من أن تكون لنا وظائف وواجبات، وأن يكون علينا أن نسعى لإحقاق الحقّ. والخطوة الأولى في هذا المسعى هو معرفة معنى الحقّ والعدالة، ولو كان هناك أيّ تناقض لما حثَّ القرآن – وهو الذي يصف الله بالرزاق- على السعي والعمل، ولما ضحّى أولياء الحقّ، الذين تربّوا في ظلّ القرآن، بأنفسهم في سبيل الحقّ، ولما شرّع الدين قوانين لحقوق الناس ووسائل لبلوغها، ولما أمرنا بالإنفاق. أليس الإنفاق وبذل الصدقات عونًا في رزق الناس؟ أهذه مشاركة مع الله في رزاقيته وفي عمله الذي تعهّد به؟.
و من واجب المرزوق أن يتحرّك نحو الرّزق ليصل إليه، فالنّباتات تتغذّى من الأرض وينحصر رزقها في المواد الأوّليّة كالماء والهواء والنّور والأملاح، فوضع تحت تصرّفها من الأجهزة ما يمكّنها من تحصيل رزقها، وأتيح لها من الهداية ما يكفي لكي يصل بها إلى حيث رزقها، أي إنّ الحلقة قد أوكلت إليها واجب التحرّك نحو المواد الغذائيّة، ومنحتها ما يكفيها من الوسائل والارشاد.
أمّا الحيوانات التي جاء خلقها في طرزاً آخر، بحيث لا تكفيها المواد الأوّليّة الموجودة في كلّ مكان، فقد وُهِبت وسيلة للتنقّل لكي تنتقل من مكانٍ إلى آخر، فهي ليست مزروعة في الطّين كالنّباتات، ولذلك قويت وسائل الاهتداء عندها، ووُهِبت الحواس والميول والرّغبات، فهي تتحرّك اهتداءً بحواسها مدفوعةً بميولها ورغباتها الدّاخليّة وتنتقل من مكانٍ إلى مكان للحصول على المواد الثّانويّة التي لا توجد في كلّ مكان، والمواد الثّانويّة هي النّباتات والحيوانات الأخرى. إنّ الحيوانات التي تحتاج إلى الماء لا يكفيها رطوبة الأرض إنّها تحتاج إلى ماءٍ وافر للشّرب، وهذا لا يتوفّر في كلّ الأنحاء، فعليها أن تتنقّل بحثًا عنه، والحيوانات لا تستطيع مقاومة برد الشّتاء وحرّ الصّيف كالنّباتات، فلا بدّ لها من مأوى يقيها ذلك، فكانت حواس الرّؤية والشمّ والسّمع والذّوق واللمس بشكل يتناسب وتلك الحاجات، كما وهبت الغرائز هاديات عجيبات.
فبعض الحشرات، كالنّمل، ذوات غرائز عجيبة جدًّا يقول الإمام عليّ عليه السلام في النّمل: (انْظُرُوا إِلَى الَّنمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا، وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا، لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ، وَلاَ بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ، كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا، وَصَبَتْ عَلَى رِزْقِهَا، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا، وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا. تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا، وَفِي وُرُودِهَا لِصَدَرِهَا، مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا، مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا، لاَ يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ، وَلاَ يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ، وَلَوْ فِي الصَّفَاالْيَابِسِ، وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ! وَلَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أُكْلِهَا، وَفِي عُلْوهَا وَسُفْلِهَا، وَمَا فِي الجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا، وَمَا فِي الرَّأسِ مِنْ عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا، لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً)[4].
أمّا الإنسان، هذا الموجود الأعلى والأرقى، والذي لا يكتفي بما يكفي الحيوانات الأخرى للعيش، فمسألة تحصيله الرّزق مختلفة.
إنّ المسافة هنا بين الرّزق والمرزوق أبعد، ولذلك فقد أُتيحت له وسائل أكثر، وقويت فيه أجهزة الاستهداء، فأعطي العقل والعلم والفكر، وأرسل إليه الوحي والأنبياء لإعانته وتحديد تكاليفه وواجباته، وكل هذا من شؤون رازقيّة الله.
فالقول بأنّ "من وهب الأسنان وهب الخبز" ليس غلطًا، بل إنّه كلامٌ صحيحٌ ولكن ليس بمعنى أنّ وجود الأسنان يستدعي وجود الخبز الجاهز على مائدة الإنسان، إنّما بمعنى أنّ بين الأسنان والخبز في نظام الخلقة علاقة، فلولا الخبز ما كانت الأسنان، ولولا الأسنان وصاحب الأسنان ما كان الخبز، إنّ العلاقة موجودة في بدء الخليقة بين الرّزق والمرزوق ووسائل الحصول على الرّزق ووسائل أكل الرّزق وهضمه واجتذابه والاستهداء إليه، فالذي خلق الإنسان في الطّبيعة وأعطاه الأسنان، خلق أيضًا الخبز أو المواد القابلة للتغذّي والعيش في الطّبيعة، ومعها التّفكير والقدرة على العمل والحصول على المطلوب بأداء حسن مقبول.
وفي الرد على الصوفيّة !
يقول الشيخ مغنيّة (طاب ثراه):
قال الصوفيّة ومن لفّ لفّهم: على الإنسان أن لا يهتمّ بالرزق ولا يسعى له ما دام الله قد تكفّل به.
وضربوا مثلاً لذلك بالطير تصبح خماصاً وتمسي بطاناً!
قال جلال الدين الروميّ في كتاب مثنوي:
الفاختة تترنّم وتشكر الله على الشجرة في حين أنَّ قوت المساء غير مهيّأ لها، وهكذا العندليب وغيره من البعوضة إلى الفيل، الجميع يعتمدون على الله المعيل !
وهذا جهل أو تضليل، إنَّ الله سبحانه خلق الإنسان مهيّأ للعمل ومؤهّلاً للنضال، وزوّده بأدوات الإنتاج وتطوّر الحياة حتّى الصعود إلى المريخ، فوهبه العقل والإرادة وقوّة الجسم والعضلات، وسلّطه على الطبيعة برّها وبحرها وجوّها وجميع أشيائها، ينتفع بكنوزها وأسرارها، ويكيّفها تبعاً لحاجته ومشيئته.
وأين الفاختة والعندليب والبعوضة والفيل من العلم والصناعة والتجارة والزراعة والإبداع والاختراع ؟! أبداً لا يكلّف الله نفساً إلّا ما آتاها.
إنَّ معنى التوكّل على الله سبحانه أن يعمل الإنسان ويكلّ عمله إلى خالقه، ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدينَ عَلَى القاعِدينَ أَجرًا عَظيمًا﴾.
------------------------------------------------
[1] سورة النساء - الآية:95 .
[2] سورة الذاريات، الآية: 58.
[3] سورة هود، الآية: 6.
[4] نهج البلاغة، خطبة 185 .
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدينَ عَلَى القاعِدينَ أَجرًا عَظيمًا﴾[1] .
شغلت قضية - الرزق وما زالت - اهتمامات الناس، وهيمنت بصورة لا مثيل لها على تفكيرهم وتوجّهاتهم وتحديد خياراتهم في هذا الحياة. وبالنظر لما لهذه القضية من تأثير على مصير الإنسان، وبالنظر إلى أنّها تُعدّ من ظواهر الحياة الكبرى، فإنّ طرحها ومناقشتها في الأبحاث العقائدية يُعدّ مسألة ضرورية. وصحيح أنّ لهذه القضية أبعاداً مهمّة على صعيد السلوك الأخلاقي، إلّا أنّها في الواقع قضية ترتبط بصورة أساسية بنظرة الإنسان واعتقاده بالله تعالى.
إنّ الأبحاث العقائدية هي التي تدور حول معرفة الله تعالى وصفاته وشؤونه، ومنها تتفرّع كلّ القضايا الأخرى. ففهمنا للحياة والمجتمع والعالم والمصير، كلّ هذا ينبع من نظرتنا وفهمنا لقضيّة الألوهية وقضية حضور الله تعالى في الحياة وتدبيره للعالم والأمور.
قد يخطر في الذهن أنّه ما دمنا موحّدين، ونعتقد أنّ الله هو الخالق الرزاق، وما دام قرآننا السماوي الكريم يقول صراحة: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾[2]، ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾[3]، وإنّه مادام البقاء في الحياة، وإنّ ذلك يشمل حقوق الناس، كلّ الحقوق، فإنّه لا لزوم للتفكير في مسائل تتعلّق بأرزاق الناس ونصيبهم ممّا هو بعهدة الله تعالى، بل قد يرى بعضهم أنّه لا يحقّ لنا أن نفكّر في ذلك، على اعتبار أنّه نوع من التدخل في شؤون الله ويتنافى مع أحد أصول الدين، وهو التوحيد، فأعمال الله لله، وما علينا إلا أن نتوكّل عليه وعلى رزاقيته. إنّ عمل الله هو خلق الرزق وايصاله.
في الردّ على هذا الكلام نقول: إنّنا إذا عرفنا الله كما يليق بقدسيته وكبريائه، وأدركنا بمقدار قدرتنا أسماءه الحسنى وصفاته العلى، لا أن نصفه مثلما نصف مخلوقًا عاجزًا من أمثالنا، عندئذٍ نفهم أنّ رزاقيته وتكفّله بأرزاق الناس لا يتنافى مع واجبنا في التفكير في حقوقنا وواجباتنا وفي العدالة ومقتضياتها. ولا يمنع هذا من أن تكون لنا وظائف وواجبات، وأن يكون علينا أن نسعى لإحقاق الحقّ. والخطوة الأولى في هذا المسعى هو معرفة معنى الحقّ والعدالة، ولو كان هناك أيّ تناقض لما حثَّ القرآن – وهو الذي يصف الله بالرزاق- على السعي والعمل، ولما ضحّى أولياء الحقّ، الذين تربّوا في ظلّ القرآن، بأنفسهم في سبيل الحقّ، ولما شرّع الدين قوانين لحقوق الناس ووسائل لبلوغها، ولما أمرنا بالإنفاق. أليس الإنفاق وبذل الصدقات عونًا في رزق الناس؟ أهذه مشاركة مع الله في رزاقيته وفي عمله الذي تعهّد به؟.
و من واجب المرزوق أن يتحرّك نحو الرّزق ليصل إليه، فالنّباتات تتغذّى من الأرض وينحصر رزقها في المواد الأوّليّة كالماء والهواء والنّور والأملاح، فوضع تحت تصرّفها من الأجهزة ما يمكّنها من تحصيل رزقها، وأتيح لها من الهداية ما يكفي لكي يصل بها إلى حيث رزقها، أي إنّ الحلقة قد أوكلت إليها واجب التحرّك نحو المواد الغذائيّة، ومنحتها ما يكفيها من الوسائل والارشاد.
أمّا الحيوانات التي جاء خلقها في طرزاً آخر، بحيث لا تكفيها المواد الأوّليّة الموجودة في كلّ مكان، فقد وُهِبت وسيلة للتنقّل لكي تنتقل من مكانٍ إلى آخر، فهي ليست مزروعة في الطّين كالنّباتات، ولذلك قويت وسائل الاهتداء عندها، ووُهِبت الحواس والميول والرّغبات، فهي تتحرّك اهتداءً بحواسها مدفوعةً بميولها ورغباتها الدّاخليّة وتنتقل من مكانٍ إلى مكان للحصول على المواد الثّانويّة التي لا توجد في كلّ مكان، والمواد الثّانويّة هي النّباتات والحيوانات الأخرى. إنّ الحيوانات التي تحتاج إلى الماء لا يكفيها رطوبة الأرض إنّها تحتاج إلى ماءٍ وافر للشّرب، وهذا لا يتوفّر في كلّ الأنحاء، فعليها أن تتنقّل بحثًا عنه، والحيوانات لا تستطيع مقاومة برد الشّتاء وحرّ الصّيف كالنّباتات، فلا بدّ لها من مأوى يقيها ذلك، فكانت حواس الرّؤية والشمّ والسّمع والذّوق واللمس بشكل يتناسب وتلك الحاجات، كما وهبت الغرائز هاديات عجيبات.
فبعض الحشرات، كالنّمل، ذوات غرائز عجيبة جدًّا يقول الإمام عليّ عليه السلام في النّمل: (انْظُرُوا إِلَى الَّنمْلَةِ فِي صِغَرِ جُثَّتِهَا، وَلَطَافَةِ هَيْئَتِهَا، لاَ تَكَادُ تُنَالُ بِلَحْظِ الْبَصَرِ، وَلاَ بِمُسْتَدْرَكِ الْفِكَرِ، كَيْفَ دَبَّتْ عَلَى أَرْضِهَا، وَصَبَتْ عَلَى رِزْقِهَا، تَنْقُلُ الْحَبَّةَ إِلَى جُحْرِهَا، وَتُعِدُّهَا فِي مُسْتَقَرِّهَا. تَجْمَعُ فِي حَرِّهَا لِبَرْدِهَا، وَفِي وُرُودِهَا لِصَدَرِهَا، مَكْفُولٌ بِرِزْقِهَا، مَرْزُوقَةٌ بِوِفْقِهَا، لاَ يُغْفِلُهَا الْمَنَّانُ، وَلاَ يَحْرِمُهَا الدَّيَّانُ، وَلَوْ فِي الصَّفَاالْيَابِسِ، وَالْحَجَرِ الْجَامِسِ! وَلَوْ فَكَّرْتَ فِي مَجَارِي أُكْلِهَا، وَفِي عُلْوهَا وَسُفْلِهَا، وَمَا فِي الجَوْفِ مِنْ شَرَاسِيفِ بَطْنِهَا، وَمَا فِي الرَّأسِ مِنْ عَيْنِهَا وَأُذُنِهَا، لَقَضَيْتَ مِنْ خَلْقِهَا عَجَباً)[4].
أمّا الإنسان، هذا الموجود الأعلى والأرقى، والذي لا يكتفي بما يكفي الحيوانات الأخرى للعيش، فمسألة تحصيله الرّزق مختلفة.
إنّ المسافة هنا بين الرّزق والمرزوق أبعد، ولذلك فقد أُتيحت له وسائل أكثر، وقويت فيه أجهزة الاستهداء، فأعطي العقل والعلم والفكر، وأرسل إليه الوحي والأنبياء لإعانته وتحديد تكاليفه وواجباته، وكل هذا من شؤون رازقيّة الله.
فالقول بأنّ "من وهب الأسنان وهب الخبز" ليس غلطًا، بل إنّه كلامٌ صحيحٌ ولكن ليس بمعنى أنّ وجود الأسنان يستدعي وجود الخبز الجاهز على مائدة الإنسان، إنّما بمعنى أنّ بين الأسنان والخبز في نظام الخلقة علاقة، فلولا الخبز ما كانت الأسنان، ولولا الأسنان وصاحب الأسنان ما كان الخبز، إنّ العلاقة موجودة في بدء الخليقة بين الرّزق والمرزوق ووسائل الحصول على الرّزق ووسائل أكل الرّزق وهضمه واجتذابه والاستهداء إليه، فالذي خلق الإنسان في الطّبيعة وأعطاه الأسنان، خلق أيضًا الخبز أو المواد القابلة للتغذّي والعيش في الطّبيعة، ومعها التّفكير والقدرة على العمل والحصول على المطلوب بأداء حسن مقبول.
وفي الرد على الصوفيّة !
يقول الشيخ مغنيّة (طاب ثراه):
قال الصوفيّة ومن لفّ لفّهم: على الإنسان أن لا يهتمّ بالرزق ولا يسعى له ما دام الله قد تكفّل به.
وضربوا مثلاً لذلك بالطير تصبح خماصاً وتمسي بطاناً!
قال جلال الدين الروميّ في كتاب مثنوي:
الفاختة تترنّم وتشكر الله على الشجرة في حين أنَّ قوت المساء غير مهيّأ لها، وهكذا العندليب وغيره من البعوضة إلى الفيل، الجميع يعتمدون على الله المعيل !
وهذا جهل أو تضليل، إنَّ الله سبحانه خلق الإنسان مهيّأ للعمل ومؤهّلاً للنضال، وزوّده بأدوات الإنتاج وتطوّر الحياة حتّى الصعود إلى المريخ، فوهبه العقل والإرادة وقوّة الجسم والعضلات، وسلّطه على الطبيعة برّها وبحرها وجوّها وجميع أشيائها، ينتفع بكنوزها وأسرارها، ويكيّفها تبعاً لحاجته ومشيئته.
وأين الفاختة والعندليب والبعوضة والفيل من العلم والصناعة والتجارة والزراعة والإبداع والاختراع ؟! أبداً لا يكلّف الله نفساً إلّا ما آتاها.
إنَّ معنى التوكّل على الله سبحانه أن يعمل الإنسان ويكلّ عمله إلى خالقه، ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ المُجاهِدينَ عَلَى القاعِدينَ أَجرًا عَظيمًا﴾.
------------------------------------------------
[1] سورة النساء - الآية:95 .
[2] سورة الذاريات، الآية: 58.
[3] سورة هود، الآية: 6.
[4] نهج البلاغة، خطبة 185 .
تعليق