بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
(اَللّـهُمَّ !.. وَفِّرْ حَظّي فيهِ مِنَ النَّوافِلِ ، وَأَكْرِمْني فيهِ بِإِحْضارِ الْمَسائِلِ ، وَقَرِّبْ فيهِ وَسيلَتى إِلَيْكَ مِنْ بَيْنِ الْوَسائِلِ ، يا مَنْ لا يَشْغَلُهُ اِلْحـاحُ الْمُلِحّينَ !).
– (اَللّـهُمَّ !.. وَفِّرْ حَظّي فيهِ مِنَ النَّوافِلِ…) :
في عالم الأخلاق والسير هنالك رتبة تسمى قرب النوافل ، وهي تلك الرتبة التي يتقرب فيها الإنسان عبر النوافل.. هناك مقام عند الله عزوجل هذا المقام لا ينال إلا بالنافلة ، سواء نوافل النهار ، أو نوافل الليل ، أو مطلق المستحبات ، أو الصلاة المجردة من أية نية مسبقة.. فإن (الصلاة خير موضوع ، من شاء استقل ، ومن شاء استكثر) -كما ورد في الحديث-.. ولا يحتاج الأمر إلى وقت محدد ، فبإمكان العبد في كل لحظة وفي كل ساعة أن يقف بين يدي ربه في ركعتين خاشعتين.
والفرق بين الفريضة والنافلة :
الأول : أن النافلة فيها داعي وإصرار من العبد على القرب.. إن الفريضة مفروضة على الإنسان ولعل داعي إتيان الفريضة هو الخوف من النار ، أو الطمع في الجنة.. ولكن في النافلة ، صحيح هناك طمع في الجنة ، ولكن ليس هنالك خوف ، على الأقل هناك رتبة أقرب إلى الحرية من الفريضة.. فإن عبادة الأحرار لا خوفاً ولا طمعاً ، والفرائض فيها خوف وطمع ، والنوافل فيها طمع ولا خوف ، إذن هناك رتبة وسطية أقرب إلى عبادة الأحرار.. ولهذا فإن الله عزوجل يباهي عند الملائكة بعبد يقوم الليل متثاقلاً ؛ لعبادة الله عزوجل ، ويقول : انظروا إلى عبدي !.. يصلي صلاة لم افترضها عليه.. لم ألزمه بهذه الصلاة ، وانظروا إلى معاناته في إتيانه بهذه الصلاة !.. يخفق برأسه ويهوي وهو يصلي بين يدي الله عزوجل!..
ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) : (يا أبا ذر، إنّ ربك عزَّوجلَّ يباهي الملائكة بثلاثة نفر … إلى أن قال (صلى الله عليه وآله) : ورجل قام من الليل فصلّى وحده فسجد ونام وهو ساجد ، فيقول الله تعالى : اُنظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ساجد).
الثاني : أن النوافل موزعة على الليل والنهار زيادة على الفريضة.. قلنا في أكثر من مناسبة : أنه من صور قضاء الحاجة أن يأتي الإنسان إلى بيت من بيوت الله عزوجل -بمناسبة أو بغير مناسبة- ، ويصلي ركعتين لله عزوجل ، التجاءً بين يدي الله عزوجل.. أن يتخذ المسجد لا محلاً للعبادة ، وإنما ملجأً وكهفاً يلجأ إليه.. لو كان في مكة لذهب إلى المسجد الحرام ، ولكن الآن هو في بلد من بلاد المسلمين ، أين يذهب ؟.. أي بقعة في الأرض أشرف من بيوت الله عزوجل ؟.. المسجد عبارة عن بقعة منتسبة لله عزوجل ، فالذي يدخل المسجد بعنوان طلب الأمان ، فقد دخل حمى الله عزوجل.. ومن المعلوم هذه الأيام سفارات البلاد ملجأ لتلك الدولة ، ومن يلتجئ إلى أرض منتسبة إلى بلد من البلاد ، فإنه يعطى الأمان ، ويعطى كل الحقوق ؛ فكيف بمن يلتجئ إلى بقعة منتسبة لله سبحانه وتعالى ؟..
الثالث : أن النوافل فيها تحرر من كل قيد.. إن الإنسان متحرر في النافلة من كل قيد.. مثلاً لو يريد أن يقرأ جزءاً من القرآن الكريم ، فله أن يقرأ جلوساً ، أو أن يقرأ ماشياً ، وإذا أخطأ في قراءة لا يعاتب على ذلك الخطأ ، لأنه لا يقوم بفريضة.. فيؤدي النافلة وشغله التعشق والتحبب إلى الله عزوجل بهذه النافلة ، ولا يعيش هاجس الخطأ ، وبطلان العبادة ، وعدم الإتيان بالمأمور به.. ولهذا فإن أهل الوسواس يوسوسون في الواجبات ، ولا يوسوسون في المستحبات ، لأنه ليس هنالك أمر إلزامي يخشون منه.. فإذن، في النافلة يعيش الإنسان الحرية في الإتقان وفي الأداء.
الرابع : أن النوافل فيها كاشفية عن توفيق الله عزوجل وذكره للعبد.. إن التوفيق للنافلة من صور ذكر الله عزوجل للعبد.. فإن التوفيق لكل عبادة إنما هو بإذن الله عزوجل ، ولو شاء لصرف قلوبنا عن ذلك.. ولهذا الإنسان عندما يرجع إلى قلبه ، ويرى في نفسه حباً للصلاة وللمسجد ، يقال بأن من صور كشف النفس وفضيحة النفس في السلب ، أو تكريماً لها في الإيجاب هو حالة المؤمن في المسجد : فإذا كان يحب الإطالة ولا يكره البقاء في البيت ، فليعلم أن هذه من صور التوفيق ، وأن الله عزوجل أحبه ، فأحب لقاءه أيضاً.. ولهذا نلاحظ في قوله تعالى : {صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم} ، تهديداً بأن الله عزوجل يصرف القلب.. يصرف القلب عن الطاعة خذلاناً ، ويصرف القلب عن المعصية توفيقاً.. فإذن, الذي يوفق للنوافل إنسان التفت الله عزوجل إلى قلبه.
الخامس : أن النوافل متممة للنقص في الفرائض.. ورد في مضمون بعض الروايات : أن النوافل متممة للنقص في الفرائض.. يأتي العبد يوم القيامة يطالب الله عزوجل بأجوره على الفرائض ، فيقول الله عزوجل له : لا أجر لك !.. كنت مشتبهاً في وضوئك ، وفي غسلك ، وفي قراءتك ؛ ونحن طلبنا منك صلاة بوضوء صحيح وغسل صحيح ، ولم تأت بالمأمور به كما أمرناك ، فلا شيء لك عندي !.. ولكن من الممكن الذي يقرن الفريضة بالنافلة -نوافل الظهرين ، ونوافل العشائين ، ونافلة الصبح- ، أن رب العزة والجلال يتجاوز عن كثير من الأخطاء التي يرتكبها الإنسان في أدائه للفريضة ، إكراما له لأنه التزم بما لم يلزمه الشارع.
وهذا الحديث يسمى بحديث قرب النوافل : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عزوجل: (ما تقرّب إليّ عبد بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه ، وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها.. إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته)..
نعم، هكذا الإنسان يتحول إلى وجود ربوبي ، هو عبد ولكن بصفات مولاه !..
وفقنا الله عزوجل لأن نكون من هؤلاء العبيد بمنه وكرمه !.
اللهم صل على محمد وآل محمد
(اَللّـهُمَّ !.. وَفِّرْ حَظّي فيهِ مِنَ النَّوافِلِ ، وَأَكْرِمْني فيهِ بِإِحْضارِ الْمَسائِلِ ، وَقَرِّبْ فيهِ وَسيلَتى إِلَيْكَ مِنْ بَيْنِ الْوَسائِلِ ، يا مَنْ لا يَشْغَلُهُ اِلْحـاحُ الْمُلِحّينَ !).
– (اَللّـهُمَّ !.. وَفِّرْ حَظّي فيهِ مِنَ النَّوافِلِ…) :
في عالم الأخلاق والسير هنالك رتبة تسمى قرب النوافل ، وهي تلك الرتبة التي يتقرب فيها الإنسان عبر النوافل.. هناك مقام عند الله عزوجل هذا المقام لا ينال إلا بالنافلة ، سواء نوافل النهار ، أو نوافل الليل ، أو مطلق المستحبات ، أو الصلاة المجردة من أية نية مسبقة.. فإن (الصلاة خير موضوع ، من شاء استقل ، ومن شاء استكثر) -كما ورد في الحديث-.. ولا يحتاج الأمر إلى وقت محدد ، فبإمكان العبد في كل لحظة وفي كل ساعة أن يقف بين يدي ربه في ركعتين خاشعتين.
والفرق بين الفريضة والنافلة :
الأول : أن النافلة فيها داعي وإصرار من العبد على القرب.. إن الفريضة مفروضة على الإنسان ولعل داعي إتيان الفريضة هو الخوف من النار ، أو الطمع في الجنة.. ولكن في النافلة ، صحيح هناك طمع في الجنة ، ولكن ليس هنالك خوف ، على الأقل هناك رتبة أقرب إلى الحرية من الفريضة.. فإن عبادة الأحرار لا خوفاً ولا طمعاً ، والفرائض فيها خوف وطمع ، والنوافل فيها طمع ولا خوف ، إذن هناك رتبة وسطية أقرب إلى عبادة الأحرار.. ولهذا فإن الله عزوجل يباهي عند الملائكة بعبد يقوم الليل متثاقلاً ؛ لعبادة الله عزوجل ، ويقول : انظروا إلى عبدي !.. يصلي صلاة لم افترضها عليه.. لم ألزمه بهذه الصلاة ، وانظروا إلى معاناته في إتيانه بهذه الصلاة !.. يخفق برأسه ويهوي وهو يصلي بين يدي الله عزوجل!..
ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) : (يا أبا ذر، إنّ ربك عزَّوجلَّ يباهي الملائكة بثلاثة نفر … إلى أن قال (صلى الله عليه وآله) : ورجل قام من الليل فصلّى وحده فسجد ونام وهو ساجد ، فيقول الله تعالى : اُنظروا إلى عبدي روحه عندي وجسده في طاعتي ساجد).
الثاني : أن النوافل موزعة على الليل والنهار زيادة على الفريضة.. قلنا في أكثر من مناسبة : أنه من صور قضاء الحاجة أن يأتي الإنسان إلى بيت من بيوت الله عزوجل -بمناسبة أو بغير مناسبة- ، ويصلي ركعتين لله عزوجل ، التجاءً بين يدي الله عزوجل.. أن يتخذ المسجد لا محلاً للعبادة ، وإنما ملجأً وكهفاً يلجأ إليه.. لو كان في مكة لذهب إلى المسجد الحرام ، ولكن الآن هو في بلد من بلاد المسلمين ، أين يذهب ؟.. أي بقعة في الأرض أشرف من بيوت الله عزوجل ؟.. المسجد عبارة عن بقعة منتسبة لله عزوجل ، فالذي يدخل المسجد بعنوان طلب الأمان ، فقد دخل حمى الله عزوجل.. ومن المعلوم هذه الأيام سفارات البلاد ملجأ لتلك الدولة ، ومن يلتجئ إلى أرض منتسبة إلى بلد من البلاد ، فإنه يعطى الأمان ، ويعطى كل الحقوق ؛ فكيف بمن يلتجئ إلى بقعة منتسبة لله سبحانه وتعالى ؟..
الثالث : أن النوافل فيها تحرر من كل قيد.. إن الإنسان متحرر في النافلة من كل قيد.. مثلاً لو يريد أن يقرأ جزءاً من القرآن الكريم ، فله أن يقرأ جلوساً ، أو أن يقرأ ماشياً ، وإذا أخطأ في قراءة لا يعاتب على ذلك الخطأ ، لأنه لا يقوم بفريضة.. فيؤدي النافلة وشغله التعشق والتحبب إلى الله عزوجل بهذه النافلة ، ولا يعيش هاجس الخطأ ، وبطلان العبادة ، وعدم الإتيان بالمأمور به.. ولهذا فإن أهل الوسواس يوسوسون في الواجبات ، ولا يوسوسون في المستحبات ، لأنه ليس هنالك أمر إلزامي يخشون منه.. فإذن، في النافلة يعيش الإنسان الحرية في الإتقان وفي الأداء.
الرابع : أن النوافل فيها كاشفية عن توفيق الله عزوجل وذكره للعبد.. إن التوفيق للنافلة من صور ذكر الله عزوجل للعبد.. فإن التوفيق لكل عبادة إنما هو بإذن الله عزوجل ، ولو شاء لصرف قلوبنا عن ذلك.. ولهذا الإنسان عندما يرجع إلى قلبه ، ويرى في نفسه حباً للصلاة وللمسجد ، يقال بأن من صور كشف النفس وفضيحة النفس في السلب ، أو تكريماً لها في الإيجاب هو حالة المؤمن في المسجد : فإذا كان يحب الإطالة ولا يكره البقاء في البيت ، فليعلم أن هذه من صور التوفيق ، وأن الله عزوجل أحبه ، فأحب لقاءه أيضاً.. ولهذا نلاحظ في قوله تعالى : {صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم} ، تهديداً بأن الله عزوجل يصرف القلب.. يصرف القلب عن الطاعة خذلاناً ، ويصرف القلب عن المعصية توفيقاً.. فإذن, الذي يوفق للنوافل إنسان التفت الله عزوجل إلى قلبه.
الخامس : أن النوافل متممة للنقص في الفرائض.. ورد في مضمون بعض الروايات : أن النوافل متممة للنقص في الفرائض.. يأتي العبد يوم القيامة يطالب الله عزوجل بأجوره على الفرائض ، فيقول الله عزوجل له : لا أجر لك !.. كنت مشتبهاً في وضوئك ، وفي غسلك ، وفي قراءتك ؛ ونحن طلبنا منك صلاة بوضوء صحيح وغسل صحيح ، ولم تأت بالمأمور به كما أمرناك ، فلا شيء لك عندي !.. ولكن من الممكن الذي يقرن الفريضة بالنافلة -نوافل الظهرين ، ونوافل العشائين ، ونافلة الصبح- ، أن رب العزة والجلال يتجاوز عن كثير من الأخطاء التي يرتكبها الإنسان في أدائه للفريضة ، إكراما له لأنه التزم بما لم يلزمه الشارع.
وهذا الحديث يسمى بحديث قرب النوافل : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): قال الله عزوجل: (ما تقرّب إليّ عبد بشيء أحب إليّ مما افترضت عليه ، وإنه ليتقرّب إليّ بالنافلة حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده التي يبطش بها.. إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن موت عبدي المؤمن ، يكره الموت وأكره مساءته)..
نعم، هكذا الإنسان يتحول إلى وجود ربوبي ، هو عبد ولكن بصفات مولاه !..
وفقنا الله عزوجل لأن نكون من هؤلاء العبيد بمنه وكرمه !.
الشيخ حبيب الكاظمي
تعليق