فن التعامل مع الآخر (10)
تحية السلام... قمة العطاء في عالم الجفاء
حسنالهاشمي
ديناسمه الاسلام، ويحث الآخرين اذا ما التقوا أن يحيي بعضهم الآخر بجملة (السلامعليكم) ويوجب على من سمعها أن يردها أو بأحسن منها، ويفرض على المصلين قبلالانتهاء من الفريضة أن يسلموا على النبي الاعظم وعلى المؤمنين الصالحين وعلىالملائكة المقربين، وحينما نريد زيارة قبور الأنبياء والأولياء نبتدأ كلامنابالسلام عليكم.
فالسلاملغة معناه: الصحة والعافية، فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى، قال أهل العلم:الله جل ثناؤه هو السلام، لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء، قالالله جل جلاله: ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ) (الأنفال : 61)
وكذاالسلامة تعطي معنى البراءة، وتسلم منه: تبرء ... وقوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِالَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُواسَلَاما) (الفرقان : 63) معناه تسلُّماً وبراءةً لا خير بيننا وبينكم ولا شر، وليسعلى السلام المستعمل في التحية، لأن الآية مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلمواعلى المشركين ... ويقولون: سلام عليكم، فكأنه علامة المسالمة، وأنه لا حرب هنالك... وقيل: ( قالوا سلاماً ) أي سداداً من القول وقصداً لا لغو فيه ... وقوله عز وجل سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (القدر : 5) أي لا داء فيها، ولا يستطيعالشيطان أن يصنع فيها شيئاً، وقد يجوز أن يكون ( السلام ) جمع سلامة.
ومماتجدر الاشارة اليه أنالتحية بإلقاء السلام كانت معمولاً بها عند عرب الجاهلية،على ما شهد به المأثور عنهم من شعر ونحوه، وفي كتاب لسان العرب: وكان العرب في الجاهليةيحييون بأن يقول أحدهم لصاحبه: أنعم صباحاً، وأبيت اللعن، ويقولون سلام عليكم، فكأنّهعلامة المسالمة، وأنّه لا حرب هنالك، ثمّ جاء الله بالإسلام فقصروا على السّلام وأمروابإفشائه.
وكلأمة من الأمم لهم تحية بينهم من أقوال وأعمال؛ كالسجود، وتقبيل الأيدي، وضرب الأنف،وقول بعضهم: أنعم صباحا، وقول بعضهم: عش ألف عام .. ونحو ذلك؛ فشرع الله لأهل الإسلام ( السلام عليكم ) وكانت أحسن من جميعتحيات الأمم بينها؛ لتضمنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها، فهي الأصل المقدمعلى كل شيء، وانتفاع العبد بحياته إنما يحصل بشيئين: بسلامته من الشر، وحصول الخير؛والسلامة من الشر مقدمة على حصول الخير، وهي الأصل؛ فإن الإنسان - بل وكل حيوان - إنمايهتم بسلامته أولا، وغنيمته ثانيًا؛ على أن السلامة المطلقة تتضمن حصول الخير، فإنهلو فاته حصل له الهلاك والعطب أو النقص، ففوات الخير يمنع حصول السلامة المطلقة، فتضمنتالسلامة نجاة العبد من الشر وفوزه بالخير وهذا لا يتحقق إلا بتحقق السلام بينأفراد المجتمع.
والسلامسنة مؤكدة ورده واجب عيناً ، إذا قصد به شخص واحد ، وعلى الكفاية إن قصد به جماعة ،فإن رد جميعهم فهو أفضل، من المؤكّد عليه في الإسلام أن يسلّم المؤمنون بعضهم على بعض،ومن المعلوم أنّ السلام والسلامة من جذر واحد، ولذلك يفيد هذا المعنى، وهو ان لا خطرولا تهديد يتّجه من المسلم الى مخاطبه، هذا هو الشعار الاسلامي الذي يؤدى من قبل كلشخص باسم التحية والمجاملة عند المواجهة واللقاء.
كل انسانيشعر في حياته بألوان القلق والخوف والاضطراب، وعند تعامله مع أي شخص يحتمل التضررمنه فيشعر بنوع من القلق والاضطراب، بناء على ذلك فان اول ما يكون محبذا وطيبا عنداللقاء بين بني الانسان وتعاملهم هو رفع هذا القلق والاضطراب لكي يشعر الانسان بالسكينةويطمئن بعدم اضرار ذلك الشخص به ولا يهدّده خطر، لأنه لا يوجد ما هو أهمُّ من دفع الضرربالنسبة للإنسان، إذ انّه يمكن ان يشعر بالاستقرار بعده ويتعامل ويقرر ما يريد بنحوصحيح، ولعل من حِكم السلام هو تحقيق ما ذكر.
بناءعلى ذلك فان اول ما ينبغي رعايته بين المسلمين عند بداية اللقاء هو منح الامان والسكينةللطرف الآخر والمخاطب كي يطمئن بان لا ضرر يتّجه اليه من قبل طرفه المقابل، ومن واجبالمسلمين انّهم بالسلام على بعضهم عند اللقاء يوجدون هذا الشعور في نفوسهم، وهذه قضيةمهمة جدا، وليس بوسعنا ان نقيّم بنحو دقيق مدى أهمية ذلك لحياة الانسان، ولكنّه يمكنالقول: انه الأساس لأبعاد الحياة الاجتماعية الاُخرى.
ان أهميةالسلام وقيمته تبلغ درجة اطلق فيها على الجنة ـ وهي رمز النعمة والراحة والحياة الطيبةللإنسان ـ «دار السلام» مما يدل على أهمية السلام والامان، إذ ان الامان والسلامة ذاتأهمية بالغة لدى جميع مفكري المذاهب السياسية أيضاً، واول وأهم وأعم هدف لدى أي نظامسياسي هو توفير الامان والسلامة والاستقرار لأفراد المجتمع، وبعد تحقّقه يمكن العملمن أجل تحقيق الأهداف الاُخرى.
من هناتؤكد المدارس النفسية غير الاسلامية على هذه الحقيقة وتقدم نظريات على هذا الأساس وتوصيبأمور لدفع القلق والاضطراب وتحصيل السكينة والأمن النفسي، بناء على ذلك فان اول مايجب توفيره في العلاقات الاجتماعية هو شعور الانسان بالأمان والاستقرار، وهو الشعوربان نفسه وماله وكل شيء يحبه لا يُهدّد من أي جهة ولا يطاله أي ضرر، انه الأساس لحياةالانسان ولا قيمة للحياة الاجتماعية لديه ما لم يتوفر هذا الأمر.
فالإنسانبقوله (السلام عليكم) يمكن ان يكون له احد مرادين: تفهيم مخاطبه بان سلامتك مؤمّنةمن جانبي، أو لا خطر يهدّدك من جهتي ولا يصلك ضرر منّي; أو انني اريد الامان لك وادعوالله لك بالسلامة ودفع الاضرار والاخطار، أي يقول قاصدا الدعاء: (السلام عليكم)، وبعبارةاُخرى يمكن ان يكون مراده هو (السلام مني عليكم) أو (السلام من الله عليكم). المرادبين الافراد المتعارفين طبعا في الغالب هو: لا خطر من المسلّم على مخاطبه، الاّ انّالذي له رؤية توحيدية ويتّجه الى الله في كل حال فانه حينما يسلّم فهو في الواقع يدعولمخاطبه، ويطلب له السلامة من الله عز وجل ولا يرى نفسه مؤثر في جنب الله، يطلب منالله ان يمنّ بالسلامة على مخاطبه ويصونه من الاخطار، فالسلام في نفس الوقت ابداء للاحترام،ودعاء أيضا.
وفيقوله تعالى: ( وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْرُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً). (سورة النساء۸٦). نلاحظ أن القرآن الكريم يشير إلى إنالتحية هي معبرة عن مدى التزام المجتمع فيما بينهم وعن مدى تقبل الأفراد لبعضهم البعض،لأن المجتمع الذي لا تحية فيه بين أفراده كأنه مجتمع يضمر الحقد لبعضه والبغض لبعضهمالبعض، لذلك نستطيع أن نقول التحية الإسلامية هي عبارة عن إظهار المودة والمحبة والسلامةوالطمأنينة تجاه الآخرين، وهذا هو وجه السلام في الشريعة الإسلامية.
فإذااتبع الإنسان سبل السلام التي هداه الله إليها فسوف يعيش حياة سعيدة ملؤها السلام معأولياء الأمور ومع المجتمع ومع أسرته وأهله وذويه ومع نفسه ومع الأشياء، إذ أن السلاميقوي الروابط الاجتماعية ويزيد في المحبة والمودة وهو وسيلة التعارف، وهو أول خطوةلجذب قلوب الناس وكسب محبتهم وصداقتهم واحترامهم لاسيما إذا اقترن مع الابتسامة والمصافحةوالسؤال عن الصحة والأحوال، فإنه يكون من عوامل التواصل الاجتماعي، ومن أسباب كسب الأصدقاء،ومن طرق السعادة ويزيل آثار التنافر والعداوة والبغضاء، وأنه يزيد في الحسنات ويؤديإلى إصلاح ذات البين.
وفيآخر كل صلاة يذكر المصلي لفظ (السلام) ثلاث مرات، فتبدأ الصلاة بتكبيرة الإحرام وتنتهيبالسلام، حيث نقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة اللـه وبركاته) وهو سلام على القائدالأعلى، كما نقول بعد ذلك: (السلام علينا وعلى عباد اللـه الصالحين) وهو سلام على المجموعةالصالحة من العباد، و(السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته) وهو سلام على جميع من ينطبقعليه الخطاب.
غيران الإسلام ينظر إلى ابعد من ذلك، لا كما يتصوره البعض لماذا السلام؟ومنحقك ان تسأل: ماذا يريد الإسلام من السلام؟الجواب؛جملة امور، منها:
1- زرعروح المبادرة والعطاء في المسلمين، فمن سمحت له نفسه للمبادرة بالسلام، بالتأكيد ستسمحله أيضا بمبادرات خيرة أخرى، وعلى هذا يكون السلام مفتاح المبادرات الطيبة، بينما منيبخل بالسلام، سوف لا يكون الا ابخل الناس، كما قال رسول الله (صلى الله عليه والهوسلم) : (ان ابخل الناس من بخل بالسلام). وبذلك لا يرجى منه أي عطاء، ولا يتوقع منهاية مبادرة.
2- زرعروح التواضع، واجتثاث جذور التكبر من نفوس المسلمين، هذا ما بينه رسول الله صلى اللهعليه واله وسلم في قوله: (ان من التواضع ان يرضى الرجل بالمجلس دون شرف المجلس، وانيسلم على من لقي). وبهذا كان السلام خير وسيلة لإنقاذ المسلمين من حالة الكبر التييعيشها الجاهلون، وهو في ذات الوقت خير وسيلة لخلق حالة التراحم والتلاحم بين المسلمين.
3- زرعروح المحبة، ان الإسلام يريد للمسلمين ان يعيشوا الود والوئام، والالفة والاحترام..ولا يرضى لهم الفرقة والخصام، ولا يمكن بلوغ ذلك من دون غرس المحبة في قلوب الناس،والسبيل إلى ذلك هو السلام،وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله،انه قال(والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لاأدلكم على شيء ان فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم).
4- افشاءالسلام خير اخلاق الدنيا والاخرة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، انه قالالا اخبركم بخير اخلاق الدنيا والآخرة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: إفشاء السلامفي العالم).وتبعا لهذا يكون السلام ميزان الاخلاق،فلا يرقى احد في سماء الاخلاق الا والسلام شعاره قولا وعملا.
5- بذلالسلام من حقائق الايمان، فقد روي عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، انه قالثلاث من حقائق الايمان؛ الانفاق من الاقتار، وانصاف الناس من نفسك، وبذل السلام لجميعالعالم). فمن اراد ان يتكامل في ايمانه، لا مناص له من بذل السلام، لأنه احد حقائقه.
6- السلامامان للذمة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، انه قال: (السلام تحية لملتنا،وأمان لذمتنا). وبهذا يكون السلام بمثابة امضاء على الالتزام بكافة العهود والمواثيقوالوفاء بها، واعلان عن الالتزام بالصدق والامانة.. وكل ذلك يمهد الارضية اللازمةللأمنوالاستقرار، وتبادل الثقة بين المسلمين.
ولأنالسلام هو اسم من اسماء الله تعالى، كما صرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فيقوله: (ان السلام اسم من اسماء الله، فافشوه بينكم)، فذكره يبعث الخير، ويفيض بالبركة..لذا فمن اتخذ من السلام تحية، لاشك انه سيجني من وراء ذلك ثمار طيبة كثيرة، ومن تلكالثمار:
1- السلمواللاعنف قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (افشوا السلام تسلموا).حقا؛حينما يشاع السلام بين الناس، لا يبقى للشحناء والبغضاء أي موضع قدم، فيسلم الناس منالمشاكل والصراعات ويعيشون السؤدد والطمأنينة.
2- الغفران،قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا لقي الرجل المسلم اخاه فسلم عليه وصافحه، لمينزع احدهما يده عن صاحبه حتى يغفر لهما).ومنمنا لا يطمع في غفران ربه، وهل هنالك طريق اسهل من هذا لنيل المغفرة؟! انها فرصة قلنظيرها.
3- الفوزبالجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما فشا السلام في قوم الا امنوا من العذاب،فإن فعلتموه دخلتم الجنة)فمن يبحث عن الامن في الحياة الدنيا يجدهفي السلام، ومن يبحث عن الجنة في الاخرة يجدها أيضا في السلام.
فمااعظم هذه النعمة التي منحنا الله تعالى بها، ألم تستوجب ان نعتني بها حق العناية؟ ألميجدر بنا ان نحملها معنا إلى كل مكان، ونهديها إلى كل مسلم؟فلاتبخس السلام حقه، ولا تبخل به على نفسك، بل سارع إليه وسابق الاخرين به لتنال شرفهوكرامته.
كلمة السلام وبماتحمل من معاني الرأفة والعاطفة والتوادد والتحابب فإنها بحق لا توضع على شيء إلاوتزينه بل تكون بمثابة التاج على رؤوس الملوك، والملوكية هنا ليست ملوكية المنصبوالمال والجاه، وإنما ملوكية القلوب، وهلا يصل المرء إلى هذه المرتبة السامقة إلامن خلال السلام ومن أوسع أبوابه!! فأين ملوكية القلوب من ملوكية الأموال؟! شتان مابينهما من آثار ومواقف وثمرات، فإن علاقة الأبرار وأهل الإيمان ليست كعلاقة الفجاروأهل المصالح والمنافع، يتوضح ذلك بالحديث المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه السلام بقوله: إن سرعة ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا وإن لم يظهروا التوددبألسنتهم كسرعة اختلاط ماء السماء بماء الأنهار، وإنّ بُعد ائتلاف قلوب الفجار إذاالتقوا وإن أظهروا التودد بألسنتهم كبعد البهائم من التعاطف وإن طال اعتلافها علىمذود واحد. ومِذْوَدُالدَّوَابِّ : الْمَكَانُ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ عَلَفُ الدَّوَابِّ. (مشكاة الأنوار للشيخ الطبرسي ص352).
تحية السلام... قمة العطاء في عالم الجفاء
حسنالهاشمي
ديناسمه الاسلام، ويحث الآخرين اذا ما التقوا أن يحيي بعضهم الآخر بجملة (السلامعليكم) ويوجب على من سمعها أن يردها أو بأحسن منها، ويفرض على المصلين قبلالانتهاء من الفريضة أن يسلموا على النبي الاعظم وعلى المؤمنين الصالحين وعلىالملائكة المقربين، وحينما نريد زيارة قبور الأنبياء والأولياء نبتدأ كلامنابالسلام عليكم.
فالسلاملغة معناه: الصحة والعافية، فالسلامة: أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى، قال أهل العلم:الله جل ثناؤه هو السلام، لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء، قالالله جل جلاله: ( وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ ) (الأنفال : 61)
وكذاالسلامة تعطي معنى البراءة، وتسلم منه: تبرء ... وقوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِالَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُواسَلَاما) (الفرقان : 63) معناه تسلُّماً وبراءةً لا خير بيننا وبينكم ولا شر، وليسعلى السلام المستعمل في التحية، لأن الآية مكية ولم يؤمر المسلمون يومئذٍ أن يسلمواعلى المشركين ... ويقولون: سلام عليكم، فكأنه علامة المسالمة، وأنه لا حرب هنالك... وقيل: ( قالوا سلاماً ) أي سداداً من القول وقصداً لا لغو فيه ... وقوله عز وجل سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ ) (القدر : 5) أي لا داء فيها، ولا يستطيعالشيطان أن يصنع فيها شيئاً، وقد يجوز أن يكون ( السلام ) جمع سلامة.
ومماتجدر الاشارة اليه أنالتحية بإلقاء السلام كانت معمولاً بها عند عرب الجاهلية،على ما شهد به المأثور عنهم من شعر ونحوه، وفي كتاب لسان العرب: وكان العرب في الجاهليةيحييون بأن يقول أحدهم لصاحبه: أنعم صباحاً، وأبيت اللعن، ويقولون سلام عليكم، فكأنّهعلامة المسالمة، وأنّه لا حرب هنالك، ثمّ جاء الله بالإسلام فقصروا على السّلام وأمروابإفشائه.
وكلأمة من الأمم لهم تحية بينهم من أقوال وأعمال؛ كالسجود، وتقبيل الأيدي، وضرب الأنف،وقول بعضهم: أنعم صباحا، وقول بعضهم: عش ألف عام .. ونحو ذلك؛ فشرع الله لأهل الإسلام ( السلام عليكم ) وكانت أحسن من جميعتحيات الأمم بينها؛ لتضمنها السلامة التي لا حياة ولا فلاح إلا بها، فهي الأصل المقدمعلى كل شيء، وانتفاع العبد بحياته إنما يحصل بشيئين: بسلامته من الشر، وحصول الخير؛والسلامة من الشر مقدمة على حصول الخير، وهي الأصل؛ فإن الإنسان - بل وكل حيوان - إنمايهتم بسلامته أولا، وغنيمته ثانيًا؛ على أن السلامة المطلقة تتضمن حصول الخير، فإنهلو فاته حصل له الهلاك والعطب أو النقص، ففوات الخير يمنع حصول السلامة المطلقة، فتضمنتالسلامة نجاة العبد من الشر وفوزه بالخير وهذا لا يتحقق إلا بتحقق السلام بينأفراد المجتمع.
والسلامسنة مؤكدة ورده واجب عيناً ، إذا قصد به شخص واحد ، وعلى الكفاية إن قصد به جماعة ،فإن رد جميعهم فهو أفضل، من المؤكّد عليه في الإسلام أن يسلّم المؤمنون بعضهم على بعض،ومن المعلوم أنّ السلام والسلامة من جذر واحد، ولذلك يفيد هذا المعنى، وهو ان لا خطرولا تهديد يتّجه من المسلم الى مخاطبه، هذا هو الشعار الاسلامي الذي يؤدى من قبل كلشخص باسم التحية والمجاملة عند المواجهة واللقاء.
كل انسانيشعر في حياته بألوان القلق والخوف والاضطراب، وعند تعامله مع أي شخص يحتمل التضررمنه فيشعر بنوع من القلق والاضطراب، بناء على ذلك فان اول ما يكون محبذا وطيبا عنداللقاء بين بني الانسان وتعاملهم هو رفع هذا القلق والاضطراب لكي يشعر الانسان بالسكينةويطمئن بعدم اضرار ذلك الشخص به ولا يهدّده خطر، لأنه لا يوجد ما هو أهمُّ من دفع الضرربالنسبة للإنسان، إذ انّه يمكن ان يشعر بالاستقرار بعده ويتعامل ويقرر ما يريد بنحوصحيح، ولعل من حِكم السلام هو تحقيق ما ذكر.
بناءعلى ذلك فان اول ما ينبغي رعايته بين المسلمين عند بداية اللقاء هو منح الامان والسكينةللطرف الآخر والمخاطب كي يطمئن بان لا ضرر يتّجه اليه من قبل طرفه المقابل، ومن واجبالمسلمين انّهم بالسلام على بعضهم عند اللقاء يوجدون هذا الشعور في نفوسهم، وهذه قضيةمهمة جدا، وليس بوسعنا ان نقيّم بنحو دقيق مدى أهمية ذلك لحياة الانسان، ولكنّه يمكنالقول: انه الأساس لأبعاد الحياة الاجتماعية الاُخرى.
ان أهميةالسلام وقيمته تبلغ درجة اطلق فيها على الجنة ـ وهي رمز النعمة والراحة والحياة الطيبةللإنسان ـ «دار السلام» مما يدل على أهمية السلام والامان، إذ ان الامان والسلامة ذاتأهمية بالغة لدى جميع مفكري المذاهب السياسية أيضاً، واول وأهم وأعم هدف لدى أي نظامسياسي هو توفير الامان والسلامة والاستقرار لأفراد المجتمع، وبعد تحقّقه يمكن العملمن أجل تحقيق الأهداف الاُخرى.
من هناتؤكد المدارس النفسية غير الاسلامية على هذه الحقيقة وتقدم نظريات على هذا الأساس وتوصيبأمور لدفع القلق والاضطراب وتحصيل السكينة والأمن النفسي، بناء على ذلك فان اول مايجب توفيره في العلاقات الاجتماعية هو شعور الانسان بالأمان والاستقرار، وهو الشعوربان نفسه وماله وكل شيء يحبه لا يُهدّد من أي جهة ولا يطاله أي ضرر، انه الأساس لحياةالانسان ولا قيمة للحياة الاجتماعية لديه ما لم يتوفر هذا الأمر.
فالإنسانبقوله (السلام عليكم) يمكن ان يكون له احد مرادين: تفهيم مخاطبه بان سلامتك مؤمّنةمن جانبي، أو لا خطر يهدّدك من جهتي ولا يصلك ضرر منّي; أو انني اريد الامان لك وادعوالله لك بالسلامة ودفع الاضرار والاخطار، أي يقول قاصدا الدعاء: (السلام عليكم)، وبعبارةاُخرى يمكن ان يكون مراده هو (السلام مني عليكم) أو (السلام من الله عليكم). المرادبين الافراد المتعارفين طبعا في الغالب هو: لا خطر من المسلّم على مخاطبه، الاّ انّالذي له رؤية توحيدية ويتّجه الى الله في كل حال فانه حينما يسلّم فهو في الواقع يدعولمخاطبه، ويطلب له السلامة من الله عز وجل ولا يرى نفسه مؤثر في جنب الله، يطلب منالله ان يمنّ بالسلامة على مخاطبه ويصونه من الاخطار، فالسلام في نفس الوقت ابداء للاحترام،ودعاء أيضا.
وفيقوله تعالى: ( وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْرُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً). (سورة النساء۸٦). نلاحظ أن القرآن الكريم يشير إلى إنالتحية هي معبرة عن مدى التزام المجتمع فيما بينهم وعن مدى تقبل الأفراد لبعضهم البعض،لأن المجتمع الذي لا تحية فيه بين أفراده كأنه مجتمع يضمر الحقد لبعضه والبغض لبعضهمالبعض، لذلك نستطيع أن نقول التحية الإسلامية هي عبارة عن إظهار المودة والمحبة والسلامةوالطمأنينة تجاه الآخرين، وهذا هو وجه السلام في الشريعة الإسلامية.
فإذااتبع الإنسان سبل السلام التي هداه الله إليها فسوف يعيش حياة سعيدة ملؤها السلام معأولياء الأمور ومع المجتمع ومع أسرته وأهله وذويه ومع نفسه ومع الأشياء، إذ أن السلاميقوي الروابط الاجتماعية ويزيد في المحبة والمودة وهو وسيلة التعارف، وهو أول خطوةلجذب قلوب الناس وكسب محبتهم وصداقتهم واحترامهم لاسيما إذا اقترن مع الابتسامة والمصافحةوالسؤال عن الصحة والأحوال، فإنه يكون من عوامل التواصل الاجتماعي، ومن أسباب كسب الأصدقاء،ومن طرق السعادة ويزيل آثار التنافر والعداوة والبغضاء، وأنه يزيد في الحسنات ويؤديإلى إصلاح ذات البين.
وفيآخر كل صلاة يذكر المصلي لفظ (السلام) ثلاث مرات، فتبدأ الصلاة بتكبيرة الإحرام وتنتهيبالسلام، حيث نقول: (السلام عليك أيها النبي ورحمة اللـه وبركاته) وهو سلام على القائدالأعلى، كما نقول بعد ذلك: (السلام علينا وعلى عباد اللـه الصالحين) وهو سلام على المجموعةالصالحة من العباد، و(السلام عليكم ورحمة اللـه وبركاته) وهو سلام على جميع من ينطبقعليه الخطاب.
غيران الإسلام ينظر إلى ابعد من ذلك، لا كما يتصوره البعض لماذا السلام؟ومنحقك ان تسأل: ماذا يريد الإسلام من السلام؟الجواب؛جملة امور، منها:
1- زرعروح المبادرة والعطاء في المسلمين، فمن سمحت له نفسه للمبادرة بالسلام، بالتأكيد ستسمحله أيضا بمبادرات خيرة أخرى، وعلى هذا يكون السلام مفتاح المبادرات الطيبة، بينما منيبخل بالسلام، سوف لا يكون الا ابخل الناس، كما قال رسول الله (صلى الله عليه والهوسلم) : (ان ابخل الناس من بخل بالسلام). وبذلك لا يرجى منه أي عطاء، ولا يتوقع منهاية مبادرة.
2- زرعروح التواضع، واجتثاث جذور التكبر من نفوس المسلمين، هذا ما بينه رسول الله صلى اللهعليه واله وسلم في قوله: (ان من التواضع ان يرضى الرجل بالمجلس دون شرف المجلس، وانيسلم على من لقي). وبهذا كان السلام خير وسيلة لإنقاذ المسلمين من حالة الكبر التييعيشها الجاهلون، وهو في ذات الوقت خير وسيلة لخلق حالة التراحم والتلاحم بين المسلمين.
3- زرعروح المحبة، ان الإسلام يريد للمسلمين ان يعيشوا الود والوئام، والالفة والاحترام..ولا يرضى لهم الفرقة والخصام، ولا يمكن بلوغ ذلك من دون غرس المحبة في قلوب الناس،والسبيل إلى ذلك هو السلام،وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله،انه قال(والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لاأدلكم على شيء ان فعلتموه تحاببتم؟ افشوا السلام بينكم).
4- افشاءالسلام خير اخلاق الدنيا والاخرة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، انه قالالا اخبركم بخير اخلاق الدنيا والآخرة؟ قالوا: بلى يا رسول الله. فقال: إفشاء السلامفي العالم).وتبعا لهذا يكون السلام ميزان الاخلاق،فلا يرقى احد في سماء الاخلاق الا والسلام شعاره قولا وعملا.
5- بذلالسلام من حقائق الايمان، فقد روي عن الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، انه قالثلاث من حقائق الايمان؛ الانفاق من الاقتار، وانصاف الناس من نفسك، وبذل السلام لجميعالعالم). فمن اراد ان يتكامل في ايمانه، لا مناص له من بذل السلام، لأنه احد حقائقه.
6- السلامامان للذمة، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، انه قال: (السلام تحية لملتنا،وأمان لذمتنا). وبهذا يكون السلام بمثابة امضاء على الالتزام بكافة العهود والمواثيقوالوفاء بها، واعلان عن الالتزام بالصدق والامانة.. وكل ذلك يمهد الارضية اللازمةللأمنوالاستقرار، وتبادل الثقة بين المسلمين.
ولأنالسلام هو اسم من اسماء الله تعالى، كما صرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله فيقوله: (ان السلام اسم من اسماء الله، فافشوه بينكم)، فذكره يبعث الخير، ويفيض بالبركة..لذا فمن اتخذ من السلام تحية، لاشك انه سيجني من وراء ذلك ثمار طيبة كثيرة، ومن تلكالثمار:
1- السلمواللاعنف قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (افشوا السلام تسلموا).حقا؛حينما يشاع السلام بين الناس، لا يبقى للشحناء والبغضاء أي موضع قدم، فيسلم الناس منالمشاكل والصراعات ويعيشون السؤدد والطمأنينة.
2- الغفران،قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (إذا لقي الرجل المسلم اخاه فسلم عليه وصافحه، لمينزع احدهما يده عن صاحبه حتى يغفر لهما).ومنمنا لا يطمع في غفران ربه، وهل هنالك طريق اسهل من هذا لنيل المغفرة؟! انها فرصة قلنظيرها.
3- الفوزبالجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وآله: (ما فشا السلام في قوم الا امنوا من العذاب،فإن فعلتموه دخلتم الجنة)فمن يبحث عن الامن في الحياة الدنيا يجدهفي السلام، ومن يبحث عن الجنة في الاخرة يجدها أيضا في السلام.
فمااعظم هذه النعمة التي منحنا الله تعالى بها، ألم تستوجب ان نعتني بها حق العناية؟ ألميجدر بنا ان نحملها معنا إلى كل مكان، ونهديها إلى كل مسلم؟فلاتبخس السلام حقه، ولا تبخل به على نفسك، بل سارع إليه وسابق الاخرين به لتنال شرفهوكرامته.
كلمة السلام وبماتحمل من معاني الرأفة والعاطفة والتوادد والتحابب فإنها بحق لا توضع على شيء إلاوتزينه بل تكون بمثابة التاج على رؤوس الملوك، والملوكية هنا ليست ملوكية المنصبوالمال والجاه، وإنما ملوكية القلوب، وهلا يصل المرء إلى هذه المرتبة السامقة إلامن خلال السلام ومن أوسع أبوابه!! فأين ملوكية القلوب من ملوكية الأموال؟! شتان مابينهما من آثار ومواقف وثمرات، فإن علاقة الأبرار وأهل الإيمان ليست كعلاقة الفجاروأهل المصالح والمنافع، يتوضح ذلك بالحديث المروي عن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه السلام بقوله: إن سرعة ائتلاف قلوب الأبرار إذا التقوا وإن لم يظهروا التوددبألسنتهم كسرعة اختلاط ماء السماء بماء الأنهار، وإنّ بُعد ائتلاف قلوب الفجار إذاالتقوا وإن أظهروا التودد بألسنتهم كبعد البهائم من التعاطف وإن طال اعتلافها علىمذود واحد. ومِذْوَدُالدَّوَابِّ : الْمَكَانُ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ عَلَفُ الدَّوَابِّ. (مشكاة الأنوار للشيخ الطبرسي ص352).