بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال تعالى : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، سورة القمر، الآية: ٤٩ .
الآية تشير إلى حقيقة مهمة كامنة في جميع الكون وحاكمة عليه، وهي دقة الخلق والتقدير في جميع الوجودات ومهما تطور العلم فان الإنسان يطلع على مزيد من هذه الحسابات والتقديرات الإلهية الدقيقة في عالم الوجود، والتي تشمل الكائنات المجهرية والأجرام السماوية العظيمة .
فمثلا: نسمع عن رواد الفضاء أنهم طبقا للحسابات العلمية الدقيقة التي أنجزت بواسطة مئات الأفراد المتخصصين المستخدمين العقول الإلكترونية، أنهم سيهبطون بسفنهم الفضائية بنفس النقطة المحددة لهم على سطح القمر، مع العلم أن كل شيء سيتغير في الفترة الزمنية التي تسير فيها السفينة الفضائية بين الأرض والقمر، حيث يدور القمر حول نفسه وكذلك حول الأرض ويتغير مكانه بصورة كلية، وتدور الأرض حول نفسها، وكذلك حول الشمس وبسرعة فائقة. ولأن جميع هذه التغييرات والحركات محسوبة ومقدرة بصورة مضبوطة ودقيقة بحيث لا تتخلف عن هذه الأنظمة، يستطيع الفضائيون الهبوط في النقطة المحددة لهم على سطح القمر نتيجة تلك الحسابات والتقديرات الدقيقة.
ويستطيع المنجمون كذلك من التنبؤ بالخسوف والكسوف الجزئي والكلي، وقبل عشرات السنين، وفي مختلف نقاط العالم، وتلك قرائن ودلائل على دقة المقاييس في هذا الوجود العظيم.
وفي الكائنات الصغيرة والديدان الدقيقة نلاحظ دقة المقاييس والحساب بصورة تدعو للظرافة والإعجاب والانبهار عندما نشاهد طبيعة العروق والأعصاب والأجهزة المختلفة لهذه الكائنات.
وعندما ندقق في الكائنات المجهرية كالمكروبات والفيروسات والأميبيات يبلغ اعجابنا أوجه لما نلاحظه من الدقة فيها، حيث إن الواحد على الألف من المليم وأصغر من ذلك يدخل في عالم الحساب، والأعجب من ذلك حينما ندخل عالم الذرة حيث تصل الدقة فيها إلى حد لا يصدق وخارج عن الحدود المألوفة.
إن هذه المقاييس ليست مختصة بالمسائل الكمية فقط، بل إن التركيبات الكيفية أيضا تتمتع بنفس الخصوصيات الحسابية، فالنظام المتحكم على روح الإنسان وميوله وغرائزه، وكذلك المقاييس الدقيقة في مسير المتطلبات الفردية والاجتماعية للإنسان إذا طرأ عليها أي تغيير فإن النظام الحياتي الفردي والاجتماعي سيتعرض للتغير والانهيار.
وفي عالم الطبيعة هنالك موجودات يتغذى بعضها على البعض الآخر، وكل منها يوقف حالة النمو والتكاثر لكل منها، فالطيور الجارحة تتغذى على لحوم الطيور الصغيرة، وتمنع تزايدها بصورة أكثر من اللازم حتى لا تضر المحاصيل الزراعية، ولذا فإن الطيور الجارحة معمرة، وهذه الطيور المعمرة قليلة البيض والفراخ، وعدد محدود من هذه الأفراخ يستطيع العيش، حيث يستدعي نموها وبقاؤها ظروفا خاصة، ولو قدر لهذه الطيور أن يكون لها فراخا كثيرة وبهذا العمر الطويل لأدى ذلك إلى انقراض الطيور الصغيرة.
إن لهذه الحالة أمثلة عديدة وواسعة في عالم الحيوان والنبات، والمطالعات المختلفة في هذا المجال تزيدنا وعيا في فهم الآية الكريمة: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ.
التقدير الإلهي وإرادة الإنسان
قد يتوهم البعض من خلال ما طرحته الآية الكريمة من الاعتقاد بالتقدير والحساب الإلهي أن أعمالنا وممارساتنا التي نقوم بها لابد أن تكون واقعة ضمن هذا القانون فهي مخلوقة لله تعالى أيضا وبالتالي فلسنا مسؤولين عنها ولا اختبار لنا فيها .
ولكن أعمالنا هي بتقدير ومشيئة البارئ عز وجل، ولن تخرج عن دائرة قدرته وإرادته أبدا، وقد جعلنا الله سبحانه مختارين فيها ضمن ما قدر لنا، ولذلك عين لنا مسؤوليات وتكاليف فلو لم نكن مختارين فإن هذه المسؤوليات والتكاليف ستكون بلا معنى حيث أن فقدان الإرادة يجعلنا مجبورين في أعمالنا، وهذا خلاف التقدير الإلهي.
ونلاحظ في مقابل إفراط (الجبريين) تفريط جماعة (القدريين) أو المفوضة الذين يذهبون صراحة إلى القول بأن الله تعالى لا يتدخل في أعمالنا وممارساتنا، حيث إنهم يحدون ويحجمون دائرة الهيمنة الإلهية على الإنسان ويعتقدون باستقلاليتهم تماما عن المشيئة الإلهية، وبذلك سلكوا طريق الشرك من هذه الجهة.
والحقيقة أن الجمع بين أصلي (التوحيد والعدل) يحتاج إلى دقة وضبط، فلو فسرنا التوحيد بأن الله خالق كل شيء حتى أعمالنا بشكل لا نملك أي اختيار فيها فإننا نكون بذلك قد أنكرنا أصل العدل، لأن مقترفي الذنوب مجبرون على ارتكاب المعاصي ثم ينتظرهم الجزاء المتمثل بالعقاب، وهذا خلاف العدالة.
وإذا فسرنا " العدل " بأن الله تعالى ليس له أي لون من التدخل في أعمالنا فإننا سنخرج الإرادة الإلهية من الهيمنة علينا، وعندئذ نقع في وادي الشرك.
ويمثل مفهوم " الأمر بين الأمرين " الإيمان الخالص والصراط المستقيم وخط الوسط بين (الجبريين والقدريين) وهو أن نعتقد بأننا مختارين، واختيارنا هذا يكون ضمن الهيمنة الإلهية، حيث تستطيع الإرادة الإلهية في أي لحظة أن تسلب منا هذا الاختيار، وهذا ما يذهب إليه أهل البيت (عليهم السلام).
اللهم صل على محمد وآل محمد
قال تعالى : ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾، سورة القمر، الآية: ٤٩ .
الآية تشير إلى حقيقة مهمة كامنة في جميع الكون وحاكمة عليه، وهي دقة الخلق والتقدير في جميع الوجودات ومهما تطور العلم فان الإنسان يطلع على مزيد من هذه الحسابات والتقديرات الإلهية الدقيقة في عالم الوجود، والتي تشمل الكائنات المجهرية والأجرام السماوية العظيمة .
فمثلا: نسمع عن رواد الفضاء أنهم طبقا للحسابات العلمية الدقيقة التي أنجزت بواسطة مئات الأفراد المتخصصين المستخدمين العقول الإلكترونية، أنهم سيهبطون بسفنهم الفضائية بنفس النقطة المحددة لهم على سطح القمر، مع العلم أن كل شيء سيتغير في الفترة الزمنية التي تسير فيها السفينة الفضائية بين الأرض والقمر، حيث يدور القمر حول نفسه وكذلك حول الأرض ويتغير مكانه بصورة كلية، وتدور الأرض حول نفسها، وكذلك حول الشمس وبسرعة فائقة. ولأن جميع هذه التغييرات والحركات محسوبة ومقدرة بصورة مضبوطة ودقيقة بحيث لا تتخلف عن هذه الأنظمة، يستطيع الفضائيون الهبوط في النقطة المحددة لهم على سطح القمر نتيجة تلك الحسابات والتقديرات الدقيقة.
ويستطيع المنجمون كذلك من التنبؤ بالخسوف والكسوف الجزئي والكلي، وقبل عشرات السنين، وفي مختلف نقاط العالم، وتلك قرائن ودلائل على دقة المقاييس في هذا الوجود العظيم.
وفي الكائنات الصغيرة والديدان الدقيقة نلاحظ دقة المقاييس والحساب بصورة تدعو للظرافة والإعجاب والانبهار عندما نشاهد طبيعة العروق والأعصاب والأجهزة المختلفة لهذه الكائنات.
وعندما ندقق في الكائنات المجهرية كالمكروبات والفيروسات والأميبيات يبلغ اعجابنا أوجه لما نلاحظه من الدقة فيها، حيث إن الواحد على الألف من المليم وأصغر من ذلك يدخل في عالم الحساب، والأعجب من ذلك حينما ندخل عالم الذرة حيث تصل الدقة فيها إلى حد لا يصدق وخارج عن الحدود المألوفة.
إن هذه المقاييس ليست مختصة بالمسائل الكمية فقط، بل إن التركيبات الكيفية أيضا تتمتع بنفس الخصوصيات الحسابية، فالنظام المتحكم على روح الإنسان وميوله وغرائزه، وكذلك المقاييس الدقيقة في مسير المتطلبات الفردية والاجتماعية للإنسان إذا طرأ عليها أي تغيير فإن النظام الحياتي الفردي والاجتماعي سيتعرض للتغير والانهيار.
وفي عالم الطبيعة هنالك موجودات يتغذى بعضها على البعض الآخر، وكل منها يوقف حالة النمو والتكاثر لكل منها، فالطيور الجارحة تتغذى على لحوم الطيور الصغيرة، وتمنع تزايدها بصورة أكثر من اللازم حتى لا تضر المحاصيل الزراعية، ولذا فإن الطيور الجارحة معمرة، وهذه الطيور المعمرة قليلة البيض والفراخ، وعدد محدود من هذه الأفراخ يستطيع العيش، حيث يستدعي نموها وبقاؤها ظروفا خاصة، ولو قدر لهذه الطيور أن يكون لها فراخا كثيرة وبهذا العمر الطويل لأدى ذلك إلى انقراض الطيور الصغيرة.
إن لهذه الحالة أمثلة عديدة وواسعة في عالم الحيوان والنبات، والمطالعات المختلفة في هذا المجال تزيدنا وعيا في فهم الآية الكريمة: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ.
التقدير الإلهي وإرادة الإنسان
قد يتوهم البعض من خلال ما طرحته الآية الكريمة من الاعتقاد بالتقدير والحساب الإلهي أن أعمالنا وممارساتنا التي نقوم بها لابد أن تكون واقعة ضمن هذا القانون فهي مخلوقة لله تعالى أيضا وبالتالي فلسنا مسؤولين عنها ولا اختبار لنا فيها .
ولكن أعمالنا هي بتقدير ومشيئة البارئ عز وجل، ولن تخرج عن دائرة قدرته وإرادته أبدا، وقد جعلنا الله سبحانه مختارين فيها ضمن ما قدر لنا، ولذلك عين لنا مسؤوليات وتكاليف فلو لم نكن مختارين فإن هذه المسؤوليات والتكاليف ستكون بلا معنى حيث أن فقدان الإرادة يجعلنا مجبورين في أعمالنا، وهذا خلاف التقدير الإلهي.
ونلاحظ في مقابل إفراط (الجبريين) تفريط جماعة (القدريين) أو المفوضة الذين يذهبون صراحة إلى القول بأن الله تعالى لا يتدخل في أعمالنا وممارساتنا، حيث إنهم يحدون ويحجمون دائرة الهيمنة الإلهية على الإنسان ويعتقدون باستقلاليتهم تماما عن المشيئة الإلهية، وبذلك سلكوا طريق الشرك من هذه الجهة.
والحقيقة أن الجمع بين أصلي (التوحيد والعدل) يحتاج إلى دقة وضبط، فلو فسرنا التوحيد بأن الله خالق كل شيء حتى أعمالنا بشكل لا نملك أي اختيار فيها فإننا نكون بذلك قد أنكرنا أصل العدل، لأن مقترفي الذنوب مجبرون على ارتكاب المعاصي ثم ينتظرهم الجزاء المتمثل بالعقاب، وهذا خلاف العدالة.
وإذا فسرنا " العدل " بأن الله تعالى ليس له أي لون من التدخل في أعمالنا فإننا سنخرج الإرادة الإلهية من الهيمنة علينا، وعندئذ نقع في وادي الشرك.
ويمثل مفهوم " الأمر بين الأمرين " الإيمان الخالص والصراط المستقيم وخط الوسط بين (الجبريين والقدريين) وهو أن نعتقد بأننا مختارين، واختيارنا هذا يكون ضمن الهيمنة الإلهية، حيث تستطيع الإرادة الإلهية في أي لحظة أن تسلب منا هذا الاختيار، وهذا ما يذهب إليه أهل البيت (عليهم السلام).
تعليق